الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعا ، أم يوجب العمل دون العلم ؟ والذي عليه أكثر أهل العلم منهم : أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ، ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله ، وقطع العذر بمجيئه قطعا ، ولا خلاف فيه .

[ ص: 8 ] وقال قوم كثير من أهل الأثر ، وبعض أهل النظر : إنه يوجب العلم الظاهر ، والعمل جميعا ، منهم الحسين الكرابيسي ، وغيره ، وذكر ابن خواز بنداذ أن هذا القول يخرج على مذهب مالك .

قال أبو عمر : الذي نقول به : إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين ، والأربعة سواء ، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر ، وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويعادي ويوالي عليها ، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده ، على ذلك جماعة أهل السنة ، ولهم في الأحكام ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .

ولما أجمع أصحابنا على ما ذكرنا في المسند والمرسل ، واتفق سائر العلماء على ما وصفنا ; رأيت أن أجمع في كتابي هذا كل ما تضمنه موطأ مالك بن أنس رحمه الله في رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي عنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنده ، ومقطوعه ، ومرسله ، وكل ما يمكن إضافته إليه صلوات الله وسلامه عليه .

ورتبت ذلك مراتب قدمت فيها المتصل ، ثم ما جرى مجراه مما اختلف في اتصاله ، ثم المنقطع والمرسل .

[ ص: 9 ] وجعلته على حروف المعجم في أسماء شيوخ مالك رحمهم الله ; ليكون أقرب للمتناول .

ووصلت كل مقطوع جاء متصلا من غير رواية مالك ، وكل مرسل جاء مسندا من غير طريقه رحمة الله عليه ، فيما بلغني علمه ، وصح بروايتي جمعه ; ليرى الناظر في كتابنا هذا موقع آثار الموطأ من الاشتهار ، والصحة ، واعتمدت في ذلك على نقل الأئمة ، وما رواه ثقات هذه الأمة .

وذكرت من معاني الآثار ، وأحكامها المقصودة بظاهر الخطاب ما عول على مثله الفقهاء أولو الألباب .

وجلبت من أقاويل العلماء في تأويلها ، وناسخها ومنسوخها ، وأحكامها ومعانيها ، ما يشتفي به القارئ الطالب ، ويبصره ، وينبه العالم ويذكره .

وأتيت من الشواهد على المعاني والإسناد بما حضرني من الأثر ذكره ، وصحبني حفظه مما تعظم به فائدة الكتاب .

وأشرت إلى شرح ما استعجم من الألفاظ ، مقتصرا على أقاويل أهل اللغة .

وذكرت في صدر الكتاب من الأخبار الدالة على البحث عن صحة النقل ، وموضع المتصل والمرسل ، ومن أخبار مالك رحمه الله ، وموضعه من الإمامة في علم الديانة ، ومكانه من الانتقاد والتوقي في الرواية ، ومنزلة موطئه عند جميع العلماء المؤلفين منهم والمخالفين ، نبذا يستدل بها اللبيب على المراد ، وتغني المقتصر عليها عن الازدياد .

وأومأت إلى ذكر بعض أحوال الرواة ، وأنسابهم ، وأسنانهم ، ومنازلهم [ ص: 10 ] وذكرت من حفظت تاريخ وفاته منهم معتمدا في ذلك كله على الاختصار ، ضاربا عن التطويل والإكثار .

والله أسأله العون على ما يرضاه ، ويزلف فيما قصدناه ، فلم نصل إلى شيء مما ذكرناه إلا بعونه وفضله لا شريك له ; فله الحمد كثيرا دائما على ما ألهمنا من العناية بخير الكتب بعد كتابه ، وعلى ما وهب لنا من التمسك بسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وما توفيقي إلا بالله وهو حسبي ونعم الوكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية