الباب الرابع
في
nindex.php?page=treesubj&link=321صفة هذه الطهارة
وأما صفة هذه الطهارة فيتعلق بها ثلاث مسائل هي قواعد هذا الباب .
المسألة الأولى
[
nindex.php?page=treesubj&link=326حد مسح اليدين ]
اختلف الفقهاء في حد الأيدي التي أمر الله بمسحها في التيمم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) على أربعة أقوال : القول الأول : أن الحد الواجب في ذلك هو الحد الواجب بعينه في الوضوء ، وهو إلى المرافق ، وهو مشهور المذهب ، وبه قال فقهاء الأمصار . والقول الثاني : أن الفرض هو مسح الكف فقط ، وبه قال أهل الظاهر وأهل الحديث . والقول الثالث : الاستحباب : إلى المرفقين ، والفرض : الكفان ، وهو مروي عن
مالك . والقول الرابع : أن الفرض إلى المناكب ، وهو شاذ روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ومحمد بن مسلمة . والسبب في اختلافهم : اشتراك اسم اليد في لسان العرب ، وذلك أن اليد في كلام العرب يقال على ثلاثة معان : على الكف فقط وهو أظهرها استعمالا ، ويقال على الكف والذراع ، ويقال على الكف والساعد والعضد . والسبب الثاني : اختلاف الآثار في ذلك ، وذلك أن حديث
عمار المشهور ، فيه من طرقه الثابتة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005681إنما يكفيك أن تضرب بيدك ، ثم تنفخ فيها ، ثم تمسح بها وجهك وكفيك " . وورد في بعض طرقه أنه قال له - عليه الصلاة والسلام - : "
وأن تمسح بيديك إلى المرفقين " .
وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال "
التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين " وروي أيضا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومن طريق غيره .
فذهب الجمهور إلى ترجيح هذه الأحاديث على حديث
عمار الثابت من جهة عضد القياس لها : ( أعني : من جهة قياس التيمم على الوضوء ) وهو بعينه حملهم على أن عدلوا بلفظ اسم اليد عن الكف الذي هو فيه أظهر إلى الكف والساعد .
[ ص: 62 ] ومن زعم أنه ينطلق عليهما بالسواء ، وأنه ليس في أحدهما أظهر منه في الثاني فقط أخطأ ، فإن اليد وإن كانت اسما مشتركا فهي في الكف حقيقة ، وفيما فوق الكف مجاز ، وليس كل اسم مشترك هو مجمل ، وإنما المشترك المجمل الذي وضع من أول أمره مشتركا ، وفي هذا قال الفقهاء إنه لا يصح الاستدلال به .
ولذلك ما نقول إن الصواب هو أن يعتقد أن الفرض إنما هو الكفان فقط ، وذلك أن اسم اليد لا يخلو أن يكون في الكف أظهر منه في سائر الأجزاء أو يكون دلالته على سائر أجزاء الذراع والعضد بالسواء ، فإن كان أظهر فيجب المصير إلى الأخذ بالأثر الثابت ، فأما أن يغلب القياس ههنا على الأثر فلا معنى له ، ولا أن ترجح به أيضا أحاديث لم تثبت بعد ، فالقول في هذه المسألة بين من الكتاب والسنة فتأمله .
وأما من ذهب إلى الآباط فإنما ذهب إلى ذلك لأنه قد روي في بعض طرق حديث
عمار أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005684تيممنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب " . ومن ذهب إلى أن يحمل تلك الأحاديث على الندب ، وحديث
عمار على الوجوب فهو مذهب حسن إذ كان الجمع أولى من الترجيح عند أهل الكلام الفقهي ، إلا أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلك الأحاديث .
الْبَابُ الرَّابِعُ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=321صِفَةِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ
وَأَمَّا صِفَةُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ هِيَ قَوَاعِدُ هَذَا الْبَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى
[
nindex.php?page=treesubj&link=326حَدُّ مَسْحِ الْيَدَيْنِ ]
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْأَيْدِي الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِمَسْحِهَا فِي التَّيَمُّمِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْحَدَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْحَدُّ الْوَاجِبُ بِعَيْنِهِ فِي الْوُضُوءِ ، وَهُوَ إِلَى الْمَرَافِقِ ، وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ مَسْحُ الْكَفِّ فَقَطْ ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : الِاسْتِحْبَابُ : إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ ، وَالْفَرْضُ : الْكَفَّانِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ
مَالِكٍ . وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّ الْفَرْضَ إِلَى الْمَنَاكِبِ ، وَهُوَ شَاذٌّ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ . وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ : اشْتِرَاكُ اسْمِ الْيَدِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ : عَلَى الْكَفِّ فَقَطْ وَهُوَ أَظْهَرُهَا اسْتِعْمَالًا ، وَيُقَالُ عَلَى الْكَفِّ وَالذِّرَاعِ ، وَيُقَالُ عَلَى الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَالْعَضُدِ . وَالسَّبَبُ الثَّانِي : اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ
عَمَّارٍ الْمَشْهُورَ ، فِيهِ مِنْ طُرُقِهِ الثَّابِتَةِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005681إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدِكَ ، ثُمَّ تَنْفُخَ فِيهَا ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ " . وَوَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
وَأَنْ تَمْسَحَ بِيَدَيْكَ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ " .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ "
التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ : ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفِقَيْنِ " وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ .
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَرْجِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى حَدِيثِ
عَمَّارٍ الثَّابِتِ مِنْ جِهَةِ عَضُدِ الْقِيَاسِ لَهَا : ( أَعْنِي : مِنْ جِهَةِ قِيَاسِ التَّيَمُّمِ عَلَى الْوُضُوءِ ) وَهُوَ بِعَيْنِهِ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ عَدَلُوا بِلَفْظِ اسْمِ الْيَدِ عَنِ الْكَفِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَظْهَرُ إِلَى الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ .
[ ص: 62 ] وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوَاءِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا أَظَهَرُ مِنْهُ فِي الثَّانِي فَقَطْ أَخْطَأَ ، فَإِنَّ الْيَدَ وَإِنْ كَانَتِ اسْمًا مُشْتَرَكًا فَهِيَ فِي الْكَفِّ حَقِيقَةٌ ، وَفِيمَا فَوْقَ الْكَفِّ مَجَازٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ اسْمٍ مُشْتَرَكٍ هُوَ مُجْمَلٌ ، وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَكُ الْمُجْمَلُ الَّذِي وُضِعَ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ مُشْتَرَكًا ، وَفِي هَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ .
وَلِذَلِكَ مَا نَقُولُ إِنَّ الصَّوَابَ هُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْفَرْضَ إِنَّمَا هُوَ الْكَفَّانِ فَقَطْ ، وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْيَدِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي الْكَفِّ أَظْهَرَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ أَوْ يَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى سَائِرِ أَجْزَاءِ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ بِالسَّوَاءِ ، فَإِنْ كَانَ أَظْهَرَ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَى الْأَخْذِ بِالْأَثَرِ الثَّابِتِ ، فَأَمَّا أَنْ يُغَلَّبَ الْقِيَاسُ هَهُنَا عَلَى الْأَثَرِ فَلَا مَعْنًى لَهُ ، وَلَا أَنْ تُرَجَّحَ بِهِ أَيْضًا أَحَادِيثُ لَمْ تَثْبُتْ بَعْدُ ، فَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيِّنٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَتَأَمَّلْهُ .
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْآبَاطِ فَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ
عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005684تَيَمَّمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحْنَا بِوُجُوهِنَا وَأَيْدِينَا إِلَى الْمَنَاكِبِ " . وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنْ يَحْمِلَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ عَلَى النَّدْبِ ، وَحَدِيثَ
عَمَّارٍ عَلَى الْوُجُوبِ فَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ إِذْ كَانَ الْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ الْفِقْهِيِّ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ إِنْ صَحَّتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ .