الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لها أنت طالق الشهر الماضي طلقت مكانها وإيقاعه الطلاق الآن في وقت مضى محال " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن قوله لها : أنت طالق الشهر الماضي ، وأنت طالق أمس ، ينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أنه يريد بذلك أنه يطلقها في الشهر الماضي طلاقا يوقعه الآن فهذا محال ، ولا طلاق عليه ، لأن ما مضى من النهار غير مستدرك .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يريد بذلك أنه يطلقها الآن طلاقا يقع عليها في الشهر الماضي ، فالطلاق واقع ، والفرق بينهما أنه في هذا القسم ، وقوع الطلاق في الوقت فوقع ، ولم يرد في القسم الأول وقوع الطلاق في الوقت فلم يقع ، وإذا وقع الطلاق في هذا القسم فهو واقع لوقته ، ولا يتقدم حكمه في الشهر الماضي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : هو متقدم الحكم ، فيكون واقعا للشهر الماضي ، استدلالا بأنه لو علقه بوقت مستقبل لم يتقدمه ، فوجب إذا علقه بوقت ماض ألا يتأخر عنه ، وهذا فاسد ، لأن الطلاق إذا علق بشرط صح في المستقبل ، ولم يصح في الماضي ، لأنه يصح إيجاد الفعل فيما يستقبل ولا يصح إيجاده فيما مضى ، ولذلك صح الأمر ، في الأفعال المستقبلة دون الماضية ، وصار منها خبرا ، ولم يكن أمرا .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يقول ذلك ولا إرادة له ، والذي نص عليه الشافعي في كتاب [ ص: 199 ] الأم ، ونقله المزني إلى هذا الموضع ، أن الطلاق واقع ، لأنه أوقع الطلاق على صفة مستحيلة ، فوقع الطلاق وألغيت الصفة ، كما لو قال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعة أنت للسنة أو للبدعة طلقت في الحال من غير اعتبار سنة ولا بدعة .

                                                                                                                                            قال الربيع : وفيها قول آخر : أنه لا طلاق عليه ، واختلف أصحابنا فيه ، فكان أبو علي بن خيران يجعله قولا ثانيا للشافعي تعليلا بأن تعليق الطلاق بالصفات المستحيلة لا يوجب وقوعه وإلغاء الصفة ، كما لو قال : أنت طالق إن صعدت السماء ، أو شربت ماء البحر لم يقع الطلاق عليها لاستحالة صعود السماء وشرب ماء البحر كذلك قوله أنت طالق في الشهر الماضي لا يجب وقوعه في الحال لاستحالة وقوعه في الشهر الماضي .

                                                                                                                                            وذهب سائر أصحابنا إلى أنه مذهب للربيع ، وليس بقول للشافعي ، وفرقوا بين المسألتين أن استحالة صعود السماء وشرب ماء البحر ، لأنه بخلاف العادة لا أنه غير داخل في القدرة ، فلذلك صار صفة معتبرة لا يقع الطلاق بإلغائها ، وإيقاع الطلاق الحادث في الزمان الماضي مستحيل لخروجه عن القدرة ، فصارت الصفة فيه ملغاة ، والطلاق فيه واقعا ، على أن من أصحابنا من جمع بين المسألتين وأوقع الطلاق ، إذا علقه بصعود السماء وشرب ماء البحر ، لاستحالته كما إذا علقه بالشهر الماضي ، والصحيح ألا يقع ، وإن كان بينهما فرق فهو ما تقدم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية