فصل : ثم إذا لم يحكم بينهم بالتوراة إن كانا يهوديين ، ولا بالإنجيل إن كانا نصرانيين ، ولم يحكم إلا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم : لقوله تعالى : حكم حاكمنا بين ذميين أو معاهدين وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك [ المائدة : 49 ] أي يفتنونك بتوراتهم وإنجيلهم عما أنزل عليك من القرآن ، قال الله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ المائدة : 44 ] .
فإن قيل : فكيف لا يحكم بينهم بكتابهم ، وقد قال الله : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا [ المائدة : 44 ] . وقد أحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم التوراة حين رجم اليهوديين حتى رجمهما : لما فيها من الرجم .
قيل : أما الآية فتضمنت صفة التوراة على ما كانت من الهدى والنور ، وأنه كان يحكم بها النبيون ، وكذا كان حالها ثم غيرت حين بدل أهلها ، كما قال تعالى : تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا [ الأنعام : 91 ] . ومع تغيرهم لها وتبديلهم فيها لا يتميز الحق من الباطل فوجب العدول عنها ، وأما إحضاره التوراة عند رجم اليهوديين ، فلأنه حين حكم عليهما بالرجم أخبر اليهود أنه في التوراة ، فأنكروه ، فأمر بإحضارها لتكذيبهم ، فلما حضرت ترك ابن صوريا - وهو أحد أحبارهم - يده على ذكر الرجم ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع يده ، فإذا آية الرجم تلوح ، فكان إحضارها ردا لإنكارهم وإظهارا لتكذيبهم ، لا لأن يحكم بها عليهم : لأنه قد حكم بالرجم قبل حضورها ، والله أعلم .