الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ثم إذا حكم حاكمنا بين ذميين أو معاهدين لم يحكم بينهم بالتوراة إن كانا يهوديين ، ولا بالإنجيل إن كانا نصرانيين ، ولم يحكم إلا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم : لقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك [ المائدة : 49 ] أي يفتنونك بتوراتهم وإنجيلهم عما أنزل عليك من القرآن ، قال الله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ المائدة : 44 ] .

                                                                                                                                            فإن قيل : فكيف لا يحكم بينهم بكتابهم ، وقد قال الله : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا [ المائدة : 44 ] . وقد أحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم التوراة حين رجم اليهوديين حتى رجمهما : لما فيها من الرجم .

                                                                                                                                            قيل : أما الآية فتضمنت صفة التوراة على ما كانت من الهدى والنور ، وأنه كان يحكم بها النبيون ، وكذا كان حالها ثم غيرت حين بدل أهلها ، كما قال تعالى : تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا [ الأنعام : 91 ] . ومع تغيرهم لها وتبديلهم فيها لا يتميز الحق من الباطل فوجب العدول عنها ، وأما إحضاره التوراة عند رجم اليهوديين ، فلأنه حين حكم عليهما بالرجم أخبر اليهود أنه في التوراة ، فأنكروه ، فأمر بإحضارها لتكذيبهم ، فلما حضرت ترك ابن صوريا - وهو أحد أحبارهم - يده على ذكر الرجم ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع يده ، فإذا آية الرجم تلوح ، فكان إحضارها ردا لإنكارهم وإظهارا لتكذيبهم ، لا لأن يحكم بها عليهم : لأنه قد حكم بالرجم قبل حضورها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية