[ ص: 5 ] كتاب
nindex.php?page=treesubj&link=14246الوصايا
وفيه مقدمتان وقسمان :
المقدمة الأولى في اشتقاقها ولفظها قال
الجوهري : أوصيت له : إذا جعلته وصيك وأوصيت له بشيء ، والاسم الوصاية بكسر الواو وفتحها ، والوصاة أيضا ووصيت وأوصيت بمعنى واحد ، ووصيت الشيء بالشيء بتخفيف الياء أصيه إذا أوصيته به ، وأرض واصية أي متصلة النبات .
قال صاحب القبس : الوصية قول يلقيه أحدكما لبر آخر ليعمل به ، وهو مخصوص بالغائب والميت لتنفيذ مقاصدهما بالوصية .
وقال غيره : الوصية من وصيت الشيء بالشيء كما تقدم ، كأن الموصي وصل ما بعد الموت بما قبله في نفوذ التصرف .
المقدمة الثانية في مشروعيتها ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) الآية ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11من بعد وصية يوصي بها أو دين ) .
فتقديمها على الميراث يدل على وجوب تنفيذها وصحتها .
واختلف في الأولى فقيل : المراد من لا يرث من الأقربين كالعبيد والكفار ، أو مسلم غير مستحق ولم تنسخ ، وقيل : منسوخة ( في الوالدين دون
[ ص: 6 ] الأقارب ، وقيل : منسوخة ) في الجميع بآية المواريث ، ورجح
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وغيره الأول ؛ لأن عدم النسخ أولى مهما أمكن ، قال صاحب المقدمات : والمشهور : النسخ ، قاله
مالك بآية المواريث لكونها بعدها ، وروي أن الناس كانوا يتوارثون بالوصية حتى نزلت آية المواريث ، وهذا لا يعلم إلا توقيفا ؛ إذ ليس في آية المواريث ما يقتضي النسخ لإمكان الجمع بين الفرض والوصية ، ويمكن التمسك في النسخ بقوله عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349507إن الله قد فرض لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) فنافى بين الوصية والفرض . وقيل : الناسخ قوله عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348194nindex.php?page=treesubj&link=14273لا وصية لوارث ) على مذهب من يجيز نسخ القرآن بالسنة ، وقاله
مالك أيضا ، وقال
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم : المراد بالخير المال الكثير الذي لا ضرر على الورثة فيه ، وأما السنة : قال صاحب القبس : أحاديثهما كثيرة وأصولها أربعة ، الأول : ما في مسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349508قيل nindex.php?page=showalam&ids=51لعبد الله بن أبي أوفى : هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قلت : فكيف كتب الوصية أو أمر بالوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله .
الثاني : فيه ، وفي الموطأ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349509ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة ) زاد
مسلم : أو ثلاث .
قال صاحب الاستذكار : ويروى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349510لا ينبغي لأحد عنده مال يوصي فيه تأتي عليه ليلتان إلا ووصيته عنده ) . والجمهور على عدم الوجوب إلا أن يكون عنده وديعة ، أو عليه دين ، وقاله ( ش ) وأوجبها أهل
[ ص: 7 ] الظاهر ؛ لأن الحق ( هو الحق ) هو الثابت ، فصرح عليه السلام أنه لا يثبت للمسلم إلا الوصية ، ( والنفي ) كالنهي ، والنهي للتحريم ، وإذا حرم الترك وجب الفعل ، ويدل على عدم الوجوب قوله تعالى في آية الوصية (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180بالمعروف حقا على المتقين ) . والمعروف يختص بالمندوب ، والواجب لا يختص بالمتقين ، ولكونه لم يوص ، ويرد عليه أن جميع تركته عليه السلام صدقة ، فهو يكفي في الوصية .
[ ص: 5 ] كِتَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=14246الْوَصَايَا
وَفِيهِ مُقَدِّمَتَانِ وَقِسْمَانِ :
الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي اشْتِقَاقِهَا وَلَفْظِهَا قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : أَوْصَيْتُ لَهُ : إِذَا جَعَلْتَهُ وَصِيَّكَ وَأَوْصَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ ، وَالِاسْمُ الْوِصَايَةُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا ، وَالْوَصَاةُ أَيْضًا وَوَصَّيْتُ وَأَوْصَيْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَوَصَيْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَصِيهِ إِذَا أَوْصَيْتُهُ بِهِ ، وَأَرْضٌ وَاصِيَةٌ أَيْ مُتَّصِلَةُ النَّبَاتِ .
قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ : الْوَصِيَّةُ قَوْلٌ يُلْقِيهِ أَحَدُكَمَا لِبِرِّ آخَرَ لِيَعْمَلَ بِهِ ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ لِتَنْفِيذِ مَقَاصِدِهِمَا بِالْوَصِيَّةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : الْوَصِيَّةُ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ كَمَا تَقَدَّمَ ، كَأَنَّ الْمُوصِي وَصَلَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَا قَبْلَهُ فِي نُفُوذِ التَّصَرُّفِ .
الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) الْآيَةَ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) .
فَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْمِيرَاثِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَنْفِيذِهَا وَصِحَّتِهَا .
وَاخْتُلِفَ فِي الْأُولَى فَقِيلَ : الْمُرَادُ مَنْ لَا يَرِثُ مِنَ الْأَقْرَبِينَ كَالْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ ، أَوْ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ وَلَمْ تُنْسَخْ ، وَقِيلَ : مَنْسُوخَةٌ ( فِي الْوَالِدَيْنِ دُونَ
[ ص: 6 ] الْأَقَارِبِ ، وَقِيلَ : مَنْسُوخَةٌ ) فِي الْجَمِيعِ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ ، وَرَجَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّسْخِ أَوْلَى مَهْمَا أَمْكَنَ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ : وَالْمَشْهُورُ : النَّسْخُ ، قَالَهُ
مَالِكٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ لِكَوْنِهَا بَعْدَهَا ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ ، وَهَذَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا تَوْقِيفًا ؛ إِذْ لَيْسَ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ مَا يَقْتَضِي النَّسْخَ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ فِي النَّسْخِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349507إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) فَنَافَى بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْفَرْضِ . وَقِيلَ : النَّاسِخُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348194nindex.php?page=treesubj&link=14273لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ ، وَقَالَهُ
مَالِكٌ أَيْضًا ، وَقَالَ
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَالُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِيهِ ، وَأَمَّا السُّنَّةُ : قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ : أَحَادِيثُهُمَا كَثِيرَةٌ وَأُصُولُهَا أَرْبَعَةٌ ، الْأَوَّلُ : مَا فِي مُسْلِمٍ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349508قِيلَ nindex.php?page=showalam&ids=51لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى : هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَكَيْفَ كَتَبَ الْوَصِيَّةَ أَوْ أَمَرَ بِالْوَصِيَّةِ ؟ قَالَ : أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ .
الثَّانِي : فِيهِ ، وَفِي الْمُوَطَّأِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349509مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ ) زَادَ
مُسْلِمٌ : أَوْ ثَلَاثَ .
قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ : وَيُرْوَى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349510لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ تَأْتِي عَلَيْهِ لَيْلَتَانِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ ) . وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ ، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَقَالَهُ ( ش ) وَأَوْجَبَهَا أَهْلُ
[ ص: 7 ] الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ( هُوَ الْحَقُّ ) هُوَ الثَّابِتُ ، فَصَرَّحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ إِلَّا الْوَصِيَّةُ ، ( وَالنَّفْيُ ) كَالنَّهْيِ ، وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ ، وَإِذَا حَرُمَ التَّرْكُ وَجَبَ الْفِعْلُ ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) . وَالْمَعْرُوفُ يَخْتَصُّ بِالْمَنْدُوبِ ، وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُتَّقِينَ ، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُوصِ ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ تَرِكَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَدَقَةٌ ، فَهُوَ يَكْفِي فِي الْوَصِيَّةِ .