[ ص: 21 ] الباب الرابع
2 في
nindex.php?page=treesubj&link=16395الاستثناء
وهو مأخوذ من الثني ; لأن المتكلم رجع إلى كلامه بعد مفارقته ، فأخرج بعضه كما يرجع نصف الثوب على نصفه ، وهو حقيقة في الإخراج بإلا وأخواتها ، ثم يطلق على قولنا : ( إن شاء الله تعالى ) مجازا ; لأنه شرط مشروط ، والشرط ليس باستثناء ، والعلاقة بينهما أن الشرط مخرج من المشروط أحوال عدم الشرط ، فالشرط مخرج لبعض الأحوال ، والاستثناء لبعض الأشخاص ، ويدل على تسمية هذا الشرط استثناء قوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349177nindex.php?page=treesubj&link=16394من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف ) ومراده ذلك ، فإن الاستثناء بإلا لا يبطل حكم اليمين إجماعا ، وهاهنا بحثان :
البحث الأول : في الاستثناء الحقيقي ، وهو الاستثناء بإلا ، وغير ، وسوى ، وحاشا ، وخلا ، وليس ، ولا يكون ، ونحوها . ولا بد من اتصاله بالكلام والنطق به على الفور عادة احترازا من العطاس ، أو السعال قبله بعد الكلام ، وفي المقدمات لا يقع الاستثناء بإلا من الأعداد ، وإن اتصل ما لم يبن كلامه عليه نحو : والله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما ، وكذلك أنت طالق ثلاثا إلا واحدة . بخلاف العموم وبخلاف الاستثناء بمشيئة الله تعالى ، فإنه يكفي فيها الاتصال ، وإن لم يبن الكلام عليه ، ولا يدخل الاستثناء أيضا فيما نص عليه بالعطف نحو
[ ص: 22 ] والله لأعطين زيدا أو عمرا أو خالدا إلا زيدا ، فإن فيه إبطال حكم زيد ، وهو منصوص عليه ، وبخلاف ما اندرج مع المخصوص ضمنا ، وقال القاضي : يجوز عندنا استثناء شطر الشيء وأكثره ، والاستثناء عندنا من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي خلافا لـ ( ح ) .
البحث الثاني : في الاستثناء المجازي ، وفي ( الكتاب ) : من
nindex.php?page=treesubj&link=16397حلف بأسماء الله تعالى ، أو بصفاته العلى ، أو نذر نذرا لا مخرج له ، وقال : إن شاء الله ، فإن أراد الاستثناء انحلت يمينه ، أو التبرك لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله ) ( الكهف : 23 ) فيمينه منعقدة ، ويكفي حدوث القصد إليه بعد اللفظ إذا وصله باليمين ، وإلا فلا ، ولا تكفي فيه النية ، بل لا بد من التلفظ ، وفي
أبي داود قال - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349178من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث ) وفي ( الجلاب ) : إن قطعه بسعال ، أو عطاس ، أو تثاؤب لم يضره ، ووافقنا الأئمة على وجوب الاتصال ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل أيضا يجوز الانفصال ما لم يطل ، وقال بعض أصحابه : ما دام في المجلس . لما في
أبي داود قال - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349179والله لأغزون قريشا ، ثم سكت ، ثم قال : إن شاء الله ) وجوابه : أنه أدب لأجل اليمين لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت ) ( الكهف : 24 ) .
قواعد : كل متكلم له عرف يحمل لفظه على عرفه في الشرعيات والمعاملات والإقرارات ، وسائر التصرفات ، والشرع له في الحلف نوع شرع له ، واختص به ، فهو عرفه ، وهو الحلف بالله تعالى وصفاته العلى ، فيختص قوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349180من حلف واستثنى ) به ، ولا يتعدى إلى الطلاق ، والعتاق ، والنذور خلافا
[ ص: 23 ] لـ ( ش ) ، فالاستثناء جعله الشرع سببا حالا لليمين ، والأصل عدم نصبه سببا لحل غيره ، وسلامة غيره عن الحل والنقض ، والنذر الذي لا مخرج له كفارته كفارة يمين ، فلذلك سوي باليمين ، ولم تكف النية ; لأن المنصوب سببا للحل إنما هو هذا اللفظ ، ولم يوجد ، والقصد إلى الأسباب الشرعية لا يقوم مقامها ، والنية إنما نصبت سببا في التخصيص والتقييد فيما لم يبق الكلام عليه ، فلا جرم يستقل بهما . قال
اللخمي : الاستثناء يصح بمشيئة الله تعالى ، أو آدمي حي أو ميت ، والمجمع عليه ما فيه النطق والنسق ، والنية قبل اليمين ، أو في موضع لو سكت لم تنعقد اليمين ، وعلى القول بانعقاد اليمين بمجرد النية يصح الاستثناء بالنية ، وقال
محمد : كل ما فيه إن شاء الله تعالى ، أو : إلا أن يشاء الله ، وإلا ، نحو : لقيت القوم ، وينوي في نفسه إلا فلانا ، فهذه الثلاثة لا يجزئ فيها إلا تحريك اللسان ، وقيل : يكفي في ( إلا ) النية بخلاف الآخرين ، ولم تختلف أن المحاشاة تكفي فيها النية ، وهي الإخراج قبل اليمين ، وقال
محمد : لا بد من نية الاستثناء قبل حرف من اليمين ; لأنه لو سكت حينئذ لم تنعقد . أما بعد الإتمام لا يمكن رفع المنعقد . والبحث معه هل الاستثناء راجع للسبب المنعقد ، وهو المذهب ، وإنما نصبه الشرع مانعا من الانعقاد ، وظاهر كلام الشرع في قوله : ( من حلف ) كمال الحلف ، فظاهر الحديث مع ظاهر المذهب . قال
ابن يونس : قوله : إلا أن يقضي الله ، أو يريد الله كقوله يشاء الله ، وفي ( البيان ) : قال
ابن القاسم : إذا قال : إلا أن يقضي الله تعالى غير ذلك ليس استثناء ; لأن هذا معلوم من اليمين قبل قوله خرج لفظ المشيئة ، فالدليل نفى بقية ألفاظ القضاء والقدر على الأصل ، وقال
عيسى : هو ثنيا ؛ للمساواة في المعنى ، وكذلك إلا أن يريني الله غير ذلك ، وفرق أصبغ بينهما ، فمنع الأخير ، وهذا يجب أن يرجع إلى الخلاف في الأسباب الشرعية هل القياس عليها إذا عقل معناها أم لا ؟ كما قيل في قياس النبش على السرقة ، واللواط على الزنا ، وفي ( الجواهر ) : اختلف الأصحاب هل الاستثناء حل لليمين ؟ وهو قول القاضي
[ ص: 24 ] وفقهاء الأمصار ، أو بدل من الكفارة ، وهو قول
ابن القاسم ، ويعضد الأول ظاهر الحديث ، وأن انتفاء الحكم الذي هو الكفارة لانتفاء سببه أولى من انتفائه لقيام مانعه ، ويعضد الثاني : أن الأصل عدم إيجاب اليمين للكفارة ، وحيث اشترطنا النطق ، فيكفي فيه تحريك شفتيه من غير جهر إلا المستحلف لا بد من جهره ، ولا بد من الاستثناء من قصد حال اليمين ، أو التفويض إلى مشيئة الله تعالى .
[ ص: 21 ] الْبَابُ الرَّابِعُ
2 فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16395الِاسْتِثْنَاءِ
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الثَّنْيِ ; لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رَجَعَ إِلَى كَلَامِهِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ، فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ كَمَا يَرْجِعُ نِصْفُ الثَّوْبِ عَلَى نِصْفِهِ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ بِإِلَا وَأَخَوَاتِهَا ، ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَى قَوْلِنَا : ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) مَجَازًا ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَشْرُوطٌ ، وَالشَّرْطُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ ، وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ مُخْرِجٌ مِنَ الْمَشْرُوطِ أَحْوَالَ عَدَمِ الشَّرْطِ ، فَالشَّرْطُ مُخْرِجٌ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ ، وَيَدُلُّ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا الشَّرْطِ اسْتِثْنَاءً قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349177nindex.php?page=treesubj&link=16394مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ ) وَمُرَادُهُ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْيَمِينِ إِجْمَاعًا ، وَهَاهُنَا بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا ، وَغَيْرِ ، وَسِوَى ، وَحَاشَا ، وَخَلَا ، وَلَيْسَ ، وَلَا يَكُونُ ، وَنَحْوِهَا . وَلَا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهِ بِالْكَلَامِ وَالنُّطْقِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ عَادَةً احْتِرَازًا مِنَ الْعُطَاسِ ، أَوِ السُّعَالِ قَبْلَهُ بَعْدَ الْكَلَامِ ، وَفِي الْمُقَدَّمَاتِ لَا يَقَعُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنَ الْأَعْدَادِ ، وَإِنِ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوَ : وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إِلَّا دِرْهَمًا ، وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً . بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهَا الِاتِّصَالُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَدْخُلُ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ بِالْعَطْفِ نَحْوَ
[ ص: 22 ] وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا أَوْ خَالِدًا إِلَّا زَيْدًا ، فَإِنَّ فِيهِ إِبْطَالَ حُكْمِ زَيْدٍ ، وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ، وَبِخِلَافِ مَا انْدَرَجَ مَعَ الْمَخْصُوصِ ضِمْنًا ، وَقَالَ الْقَاضِي : يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِثْنَاءُ شَطْرِ الشَّيْءِ وَأَكْثَرِهِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ ، وَمِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ خِلَافًا لِـ ( ح ) .
الْبَحْثُ الثَّانِي : فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجَازِيِّ ، وَفِي ( الْكِتَابِ ) : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16397حَلَفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بِصِفَاتِهِ الْعُلَى ، أَوْ نَذَرَ نَذْرًا لَا مَخْرَجَ لَهُ ، وَقَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ ، أَوِ التَّبَرُّكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) ( الْكَهْفِ : 23 ) فَيَمِينُهُ مُنْعَقِدَةٌ ، وَيَكْفِي حُدُوثُ الْقَصْدِ إِلَيْهِ بَعْدَ اللَّفْظِ إِذَا وَصَلَهُ بِالْيَمِينِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّلَفُّظِ ، وَفِي
أَبِي دَاوُدَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349178مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ ) وَفِي ( الْجَلَّابِ ) : إِنْ قَطْعَهُ بِسُعَالٍ ، أَوْ عُطَاسٍ ، أَوْ تَثَاؤُبٍ لَمْ يَضُرُّهُ ، وَوَافَقَنَا الْأَئِمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الِاتِّصَالِ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا يَجُوزُ الِانْفِصَالُ مَا لَمْ يَطُلْ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ . لِمَا فِي
أَبِي دَاوُدَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349179وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ، ثُمَّ سَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) وَجَوَابُهُ : أَنَّهُ أَدَبٌ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) ( الْكَهْفِ : 24 ) .
قَوَاعِدُ : كُلُّ مُتَكَلِّمٍ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى عُرْفِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْإِقْرَارَاتِ ، وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ، وَالشَّرْعُ لَهُ فِي الْحَلِفِ نَوْعٌ شُرِّعَ لَهُ ، وَاخْتُصَّ بِهِ ، فَهُوَ عُرْفُهُ ، وَهُوَ الْحَلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى ، فَيُخْتَصُّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349180مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى ) بِهِ ، وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ، وَالنُّذُورِ خِلَافًا
[ ص: 23 ] لِـ ( ش ) ، فَالِاسْتِثْنَاءُ جَعَلَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا حَالًّا لِلْيَمِينِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ نَصْبِهِ سَبَبًا لِحَلِّ غَيْرِهِ ، وَسَلَامَةِ غَيْرِهِ عَنِ الْحَلِّ وَالنَّقْضِ ، وَالنَّذْرُ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، فَلِذَلِكَ سُوِّيَ بِالْيَمِينِ ، وَلَمْ تَكْفِ النِّيَّةُ ; لِأَنَّ الْمَنْصُوبَ سَبَبًا لِلْحَلِّ إِنَّمَا هُوَ هَذَا اللَّفْظُ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَالْقَصْدُ إِلَى الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا ، وَالنِّيَّةُ إِنَّمَا نُصِبَتْ سَبَبًا فِي التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ فِيمَا لَمْ يَبْقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ، فَلَا جَرَمَ يَسْتَقِلُّ بِهِمَا . قَالَ
اللَّخْمِيُّ : الِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ آدَمِيٍّ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مَا فِيهِ النُّطْقُ وَالنَّسَقُ ، وَالنِّيَّةُ قَبْلَ الْيَمِينِ ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ تَنْعَقِدِ الْيَمِينُ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ : كُلُّ مَا فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، أَوْ : إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ، وَإِلَّا ، نَحْوَ : لَقِيتُ الْقَوْمَ ، وَيَنْوِي فِي نَفْسِهِ إِلَّا فُلَانًا ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا إِلَّا تَحْرِيكُ اللِّسَانِ ، وَقِيلَ : يَكْفِي فِي ( إِلَّا ) النِّيَّةُ بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ تَكْفِي فِيهَا النِّيَّةُ ، وَهِيَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ الْيَمِينِ ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ : لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ حَرْفٍ مِنَ الْيَمِينِ ; لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْعَقِدْ . أَمَّا بَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْمُنْعَقِدِ . وَالْبَحْثُ مَعَهُ هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلسَّبَبِ الْمُنْعَقِدِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَإِنَّمَا نَصَبَهُ الشَّرْعُ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرْعِ فِي قَوْلِهِ : ( مَنْ حَلَفَ ) كَمَالُ الْحَلِفِ ، فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَعَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : قَوْلُهُ : إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ ، أَوْ يُرِيدَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ يَشَاءُ اللَّهُ ، وَفِي ( الْبَيَانِ ) : قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : إِذَا قَالَ : إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ ذَلِكَ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً ; لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنَ الْيَمِينِ قَبْلَ قَوْلِهِ خَرَجَ لَفْظُ الْمَشِيئَةِ ، فَالدَّلِيلُ نَفَى بَقِيَّةَ أَلْفَاظِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عَلَى الْأَصْلِ ، وَقَالَ
عِيسَى : هُوَ ثُنْيَا ؛ لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْمَعْنَى ، وَكَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُرِيَنِي اللَّهُ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَفَرَّقَ أَصْبَغُ بَيْنَهُمَا ، فَمَنَعَ الْأَخِيرَ ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْخِلَافِ فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ هَلِ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا إِذَا عُقِلَ مَعْنَاهَا أَمْ لَا ؟ كَمَا قِيلَ فِي قِيَاسِ النَّبْشِ عَلَى السَّرِقَةِ ، وَاللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَا ، وَفِي ( الْجَوَاهِرِ ) : اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ حَلٌّ لِلْيَمِينِ ؟ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي
[ ص: 24 ] وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، أَوْ بَدَلٌ مِنَ الْكَفَّارَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَيُعَضِّدُ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ، وَأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ أَوْلَى مِنِ انْتِفَائِهِ لِقِيَامِ مَانِعِهِ ، وَيُعَضِّدُ الثَّانِيَ : أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إِيجَابِ الْيَمِينِ لِلْكَفَّارَةِ ، وَحَيْثُ اشْتَرَطْنَا النُّطْقَ ، فَيَكْفِي فِيهِ تَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ جَهْرٍ إِلَّا الْمُسْتَحْلَفَ لَا بُدَّ مِنْ جَهْرِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَصْدِ حَالِ الْيَمِينِ ، أَوِ التَّفْوِيضِ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى .