وقفت على قبر غريب بقفرة متاع قليل من حبيب مفارق
فجعل وقوف الإنسان بالقبر متاعا ، والتمتع فيه إسقاط أحد السفرين ، فإن شأن كل واحد من النسكين أن يحرم به من الميقات ، وأن يرحل إلى قطره فقد سقط أحدهما ، فجعل الشرع الدم جابرا لما فاته ، ولذلك لم يجب على المكي ; لأنه ليس من شأنه الميقات ولا السفر ، وقال عطاء في ( الواضحة ) : إنما سميت متعة ; لأنهم يتمتعون بين العمرة والحج بالنساء والطيب ، ويرد على الأول أنه لو تحلل من عمرته قبل أشهر الحج فإنه مسقط لأحد السفرين وليس بتمتع ، وعلى الثاني أن المكي كذلك وليس بمتمتع ، قال سند : أن يكون غير حاضري ولوجوب الدم فيه شروط المسجد الحرام ، وأن تكون العمرة والحج في سفر واحد وعام [ ص: 293 ] واحد في أشهر الحج ، وتقدم العمرة على الحج ، والفراغ منها قبل الدخول فيه ، وقاله الأئمة ، وزاد صاحب ( الجواهر ) : أن يقع النسكان عن شخص واحد ، وزاد الشافعية : النية والإحرام بالعمرة من الحل ، ويدل على الأول ما تقدم في القران ، وعلى الثاني والثالث : قوله تعالى : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) [ البقرة : 196 ] وحرف ( إلى ) للغاية ، فجعل آخر العمرة متصلا بالحج ، فإذا رجع إلى بلده أو مثله في البعد فقد فرق بينهما ، وقال المغيرة : بل إلى موضع تقصر فيه الصلاة ، وقال ( ح ) : بل نفس بلده ، فإنه ما لم يلم بأهله فإنه مترفه بسفره الأول عن سفرتين ، وجوابه : أن الترفه إنما يحصل بقلة السير والترحال ، ولا فرق بين بلده وما يساويه في ذلك ، وقال ( ش ) : بل الرجوع إلى ميقاته فيحرم منه بالحج ; لأن ما بعد عن الميقات لا يجب الإحرام منه ، فلا معنى لاعتبار الخروج إليه ، أما الميقات : فالخروج إليه معتبر شرعا ، والنص دل على ، وهذا لم يصل فلا يجب عليه دم ، وجوابه : ليس المراد مجرد الاتصال بل الانتفاع بما سقط عنه من السفر ، وذلك مقتضى لفظ التمتع فيكون السبب هو الانتفاع بالسقوط ، وهذا قد انتفع فيجب الدم ، ويتأكد ما ذكرته بأنه محكي عن الدم في حق من وصل العمرة بالحج في سفر من غير مخالف ، وروي عن ابن عمر مالك : إسقاط الدم عنه برجوعه إلى غير أفقه إلا أن يكون غير الحجاز لوجوب السفر ، وقال ابن أبي زيد : إن كان أفقه لا يمكنه الرجوع إليه والعود منه إلى الحج ؛ يكفي دونه مما يخاف فيه الفوات ، ولو أفسد عمرته في أشهر الحج فحل منها ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته فهو متمتع وعليه قضاء العمرة ، قال صاحب ( الاستذكار ) : في التمتع أربعة مذاهب : أحدها : أنه ما تقدم ، وعليه جمهور الفقهاء وأنه المراد بالآية ، والثاني : أنه القران التمتع فيه بسقوط [ ص: 294 ] العمل ، والثالث : أنه فسخ الحج في العمرة لتمتعه بإسقاط بقية أعمال الحج ، والرابع : أنه الإحصار بالعدو ، وفسر ابن الزبير الآية به .ولنمهد الفروع على الشروط فنقول :
الشرط الأول : قال في ( الكتاب ) : إذا أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق فقدم معتمرا في أشهر الحج فهو من مشكلات الأمور ، والهدي أحوط ، وفي ( الجواهر ) قال كان له أشهب : إن كان أكثر إقامته بمكة ويأتي غيرها منتابا فلا هدي عليه ، وإن كان يأتي غيرها للسكنى فعليه الهدي ، قال اللخمي : لا يختلف في ذلك ، وإنما تكلم مالك على مساواة إقامته في الموضعين ، والمراعى في حضور المسجد وقت فعل التسكين والإهلال بهما ، وفي ( الكتاب ) : من مكة في أشهر الحج بعمرة يريد سكناها ، وحج من عامه فعليه دم التمتع ; لأنه لم يتصف بسكناها ، وإنما عزم ، وقد يبدو له ، والعزم على الشيء لا يقوم مقامه ، وقال دخل أشهب في ( الموازية ) : إن دخل بالعمرة قبل أشهر الحج فهو متمتع وإلا فلا .
الشرط الثاني : ، وفي ( الكتاب ) : إذا اجتماع العمرة والحج في أشهره فعليه دم المتعة ; لأنه أسقط أحد السفرين باعتبار العمرة الثانية ، وإذا فعل بعض العمرة في رمضان وبعضها في شوال ثم حج فعليه الدم ، ولو لم يبق لشوال إلا الحلاق لم يكن متمتعا ، وقال ( ح ) : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج كان متمتعا ، وقال ( ش ) تحلل من عمرته قبل أشهر الحج ثم اعتمر أخرى فيها وتحلل منها ثم حج من عامه : إذا لم يقع إحرام العمرة في شوال فليس بتمتع . لنا : أن العمرة إنما تعتبر بكمالها ، وقد وقع في أشهر الحج . وابن حنبل
الشرط الثالث : أن لا يرجع إلى وطنه ولا إلى مثله في المسافة ، وفي ( الكتاب ) : أهل الشام فرجع إلى المدينة فعليه دم [ ص: 295 ] المتعة إلا أن يرجع إلى مثل أفقه ، وقد تقدم الكلام على بقية الشروط الستة ، وأما السابع الذي نقله في ( الجواهر ) : فلم يجد فيه خلافا ، وقال إذا تحلل من عمرته وهو من سند في ( الموازية ) : متمتع وإن كان التمتع نسكا عن شخصين ولم يجد هو أيضا خلافا ، أجراه اللخمي على التكفير قبل الحنث .