[ ص: 176 ] الباب الأول
في سبب وجوبه
قال الله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) . ( آل عمران : 97 ) وترتيب الحكم على الوصف يدل على سببية ذلك الوصف لذلك الحكم ، كقولنا : زنا فرجم ، وسها فسجد ، وسرق فقطعت يده ، وقد رتب الله تعالى الوجوب بحرف ( على ) مع الاستطاعة فتكون سببا له ، وفي ( الجواهر ) : هي معتبرة بحال المكلف في صحته وماله وعادته وقدرته من غير تحديد ، وذلك يختلف ببعد المسافة وقربها ، وكثرة الجلد وقلته ، قال : فعلى المشهور : ، وكذلك الأعمى إذا وجد قائدا ، وكذلك من قدر على المشي وجب عليه ، وإن عدم المركوب إلا أن يكون غالبه العطب ، وقال ( ح ) : أو يعلم أنه يبطل الصلوات بالميد ، ولو كان لا يجد موضعا لسجوده للضيق إلا على ظهر أخيه ، قال من لا يجد إلا البحر مالك : لا يركب ، قال سند : ولمالك : لا يحج الرجل في البحر إلا مثل الأندلس الذين لا يجدون البر ، لقوله تعالى : ( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) . ( الحج : 27 ) ولم يذكر البحر . واختلف فيه قول ( ش ) ، وفي ( الجواهر ) : يختلف في إلزام المرأة الحج إذا عدمت المرأة الولي ووجدت رفقة مأمونين ، ومع الحاجة إلى البحر : قال سند : قال بعض العلماء : وإذا ذكر العشاء صلاها ; وإن فاته الحج فقدم الصلاة الواحدة على الحج ، وعلى قول أشهب في الجمعة : إذا تعذر عليه السجود سجد على ظهر أخيه يجزئه في البحر ولا يسقط عنه ، وخرج بعض المتأخرين العجز عن القيام على ذلك ، وليس كذلك ; لأن السجود ركن بدليل سقوط القيام في النوافل [ ص: 177 ] والمسبوق ، وفي ( الجواهر ) : ، أو من المال ما لا يتجدد ، أو يتجدد ويجحف ، وفي غير المجحف خلاف ، وقال أصحاب ( ح ) و ( ش ) : وإذا لم يمكنه السفر إلا بدفع شيء من ماله : لا يلزمه الحج ويجب على عادته السؤال إذا غلب على ظنه أنه يجد من يعطيه ، وقيل : لا يلزمه ; ولو لم يكن عنده إلا عروض التجارة وجب عليه أن يبيع منها ما يباع للدين ، وألزمه يسقط إذا كان في الطريق عدو يطلب النفس ابن القاسم بيع فرسه وترك أولاده بغير شيء بل للصدقة .
وقال ابن حبيب والأئمة : ، لما في الاستطاعة زاد ومركب أبي داود : ( ) وجوابه : أنه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له . أو لعله حال مفهوم السائل ، وظاهر قوله تعالى : ( أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما يوجب الحج ؟ قال : الزاد والراحلة من استطاع إليه سبيلا ) يقتضي أن كل أحد على حسب حاله ، فإن الاستطاعة القدرة ، لقوله تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) . ( النساء : 129 ) ويؤكده أن من كان دون مسافة القصر لا تعتبر الراحلة في حقه إجماعا ، فلو كانت شرطا في العبادة لعمت ، وكذلك الزاد ، قد يستغني عنه من قربت داره ، فليسا مقصودين لأنفسهما بل للقدرة على الوصول ، وإذا تيسر المقصود بدون وسيلة معينة سقط اعتبارها .
قال سند : قال مالك : ، ولو قلنا : أن الحج على التراخي ، خشية العوائق ، والحج قربة ، والنكاح شهوة ، وإن قلنا : على الفور وجب ، ودين الأب لا يجب ، إلا أن يخاف العنت فيتزوج ; لأن مفاسد الزنا أعظم ، والمرأة إذا قلنا : لزوجها منعها : قدمت الحج ، وإلا فلا ، وعلى التقديرين : لو تزوجت المرأة أو الرجل فالنكاح صحيح ، ولا يجوز زواج الأمة لتوفير المال للحج لوجود الطول ، ولو شق عليه ركوب القتب ، والمحمل مشقة لا يمكنه [ ص: 178 ] تحملها لم يلزمه ، وإذا كان عنده من تلزمه نفقته وقلنا : الحج على التراخي ، اعتبرنا قدرته على النفقة ذاهبا وراجعا ، وما ينفقه على مخلفيه في غيبته ، فإن كانت له حرفة يعملها في سفره اعتبرنا نفقة أهله فقط ، وإن قلنا : هو على الفور ، قدم على نفقة الزوجة ; لأن صبرها بيدها ، ونفقة بعض الأقارب المتأخرين مواساة تجب فيما يفضل عن الضرورة ، فإن وجد النفقة لذهابه فقط : قال بعض المتأخرين : يجب عليه إلا أن يخشى الضياع هناك ، فتراعي نفقته العود إلى أقرب المواضع إلى موضع يعيش فيه ، وإذا لم يكن له مال وبذل له لم يلزمه قبوله عند الجميع ; لأن أسباب الوجوب لا يجب على أحد تحصيلها ، وكذلك لو بذل له قرضا ; لأن الدين يمنع الحج ، ويقدم الحج على زواجه ووفاء دين أبيه أجزأه حجه عند الجمهور ، وقال وإن غصب مالا فحج به : لا يجزئه ; لأنه سبب غير مشروع فلا يجزئ كأفعال الحج ، وهو على أصله في الصلاة في الدار المغصوبة ، وجوابه : أن النفقة أجنبية عن الحج بل هو كمن غرر بنفسه وحج فإنه يجزئه . ابن حنبل