الفصل الرابع : في الواجب ، والبحث عن جنسه ، وقدره ، وصفته ، ومصرفه ، فهذه أربعة أبحاث : البحث الأول : في جنسه ، وهو المقتات ، وفي ( الكتاب ) : ، والذرة ، والدخن ، والأرز ، والتمر ، والزبيب ، والأقط ، قال هو القمح ، والشعير ، والسلت سند في ( المختصر ) : يؤديها من كل ما تجب فيه الزكاة إن كان قوته ، فعلى هذا يؤديها من القطنية ، وزاد ابن حبيب على ما في ( المدونة ) : العلس ، فجعلها عشرة ، وقال أشهب : لا يجزئ إلا الأربعة التي في الحديث : القمح ، والشعير ، والتمر ، [ ص: 168 ] والأقط ، وقال : بالخمسة التي في رواية ابن حنبل أبي سعيد ، وهو ما رواه مالك عنه . كما يخرج زكاة الفطر صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من زبيب ، وهو قول أشهب ; لأن القمح عنده من جنس الشعير . لنا : أن تعديد هذه الأمور لا يمنع من قياس غيرها عليها ، إما لأن هذا من مفهوم اللقب الذي هو أضعف المفهومات العشرة ، فيقدم القياس عليه ، أو القياس على باب الربا ، ويؤكد القياس قوله عليه السلام : ( ) فأشار إلى أن المقصود إنما هو غناهم عن الطلب ، وهم إنما يطلبون القوت ، فوجب أن يكون هو المعتبر ، ومنع ( ح ) إخراج الأقط إلا بالقيمة ، وأن يكون أصلا قياسا على القث الذي هو حب الغاسول ، وجوابه : أنه وارد في النص فيكون القياس قبالة النص فاسدا ، سلمنا صحته ، لكن الفرق : أن الأقط يقتات مع الادخار كالتمر بخلاف القث . أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم
فرع : قال : فإن لم يعمل الأقط وكان القوت اللبن : فظاهر المذهب المنع من إخراج اللبن ، وينظر إلى قوت أقرب المواضع إليهم ، وجوزه الشافعية مع وجود الأقط ، والفرق لنا : الادخار .
( فائدة ) في ( التنبيهات ) : الأقط بفتح الهمزة وكسر القاف ، جبن اللبن المخرج زبده ، ويقال أيضا : بكسرها وسكون القاف .
وفي ( الكتاب ) : لا يجزئ في شيء من القطاني وإن أخرجت عن غيرها بالقيمة ، ولا يجزئ دقيق ولا سويق ، وكره التين ، ومنعه الحنفي ، قال ابن القاسم : وأرى أن يجزئه خلافا لـ ( ش ) ، ، قال وابن حنبل ابن القاسم : وما لا [ ص: 169 ] يجزئ كالقطنية ونحوها إذا كان قوت قوم أجزأهم ، وفي ( الجواهر ) : قال ابن حبيب : إذا أخرج الدقيق ومعه ريعه أجزأه ورأى القاضي أبو بكر : أن يخرج من عيش كل أمة : لبنا أو لحما أو غيرها ; لأن الأصل تسوية الفقراء والأغنياء فيما في أيدي الأغنياء ، وقال ( ح ) : يخرج الدقيق والسويق وهما أصلان ; لأنه قد روي في بعض الطرق : الدقيق ، وقياسا عن الحب ، جوابهما : أن الرواية غير ثابتة ، وأن منافع الحب الصلق والبذر وغيرها ، بخلاف الدقيق ، وقد سلمنا أن الخبر لا يجزئ ، قال وابن حنبل سند : وإذا أجزنا الدقيق فأجاز ابن حبيب الخبز ، وفيه نظر ، ويتخرج الخلاف فيه على الخلاف في عد الدقيق والخبز جنسين أو جنسا في البيع ، والمستحب غربلة الحب ، ولا يجب إلا أن يكون غلة ، قاله مالك ، ولا يجزي المسوس الفارغ بخلاف القديم المتغير الطعم عندنا وعند الشافعية .
البحث الثاني : في صفته ، وفي ( الكتاب ) : ، وفي ( الجواهر ) : قال يخرج أهل كل بلد من غالب عيشهم ذلك الوقت أشهب : من عيشه هو وعيش عياله إذا لم يشح على نفسه وعليهم ، لنا : قوله عليه السلام : ( ) والمطلوب لهم غالب عيش البلد ، وقياسا على الغنم المأخوذ في الإبل ، قال أغنوهم عن سؤال هذا اليوم سند : إن عدل عن غالب عيش البلد أو عيشه إلى ما هو أعلى أجزأ ، وإلى الأدنى لا يجزئ عند مالك ، خلافا لـ ( ش ) و ( ح ) وقال ابن حبيب : إن كان يأكل من أفضل القمح والشعير والسلت فأخرج الأدنى أجزأ ، وكان - رضي الله عنهما - يخرج التمر والشعير ويأكل البر ، واحتجوا بأن الخبر ورد بصيغة التخيير فيخير ، جوابهم : أن ( أو ) فيه ليست للتخيير ، بل للتنويع ، ومعناه : إن كان غالب العيش كذا فأخرجوه ، أو كذا فأخرجوه ، فهو تنويع للحال ، كما قال فيه : حرا أو عبدا ، ذكرا أو أنثى ، ويؤكد ذلك قوله عليه السلام : ( ابن عمر ) . أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم
[ ص: 170 ] البحث الثالث : في ، وفي ( الجواهر ) : صاع ، وقاله ( ش ) قدره . وقيل : يجزئه نصف صاع من البر خاصة ، وقاله ( ح ) ، وقيل وابن حنبل لمالك : يؤدي بالمد الأكبر ؟ قال : لا ، بل بمده عليه السلام ، فإن أراد خيرا فعلى حده ، سد الذريعة تغيير المقادير الشرعية ، لنا : ظاهر الحديث ، ونصف الصاع من البر مروي ولم يصح ، بل قال به معاوية وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وبتقدير الصحة فما ذكرناه أحوط .
وأما ونسبته إلى رطل قدر الصاع مصر : فقد تقدم في الكلام على الوسق .
البحث الرابع : في وفي ( الكتاب ) : يصرفه كل قوم في أمكنتهم من حضر أو بدو ، ولا يدفع للإمام إلا أن يعدل فيها فلا ينبغي العدول بها عنه ، فإن كان موضعهم أغنياء نقلت إلى أقرب المواضع ، وتعطى زكوات لمسكين واحد ، ولا تعطى لذمي ولا عبد ، وروى مصرفه مالك أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده بيوم أو ثلاث ; لأن الإمام أعرف بأهل الحاجة ; لأنهم يقصدونه ، قال سند : قال عبد الملك : إذا كان عدلا وجب دفعها إليه ، وليس للإمام أن يطلبها كما يطلب غيرها ، وقال ( ش ) : تفريق صاحبها أفضل ، ويقسم كل صاع على ثلاثة من كل صنف من الأصناف الثمانية المذكورة في الآية ، وروى مطرف عن مالك : استحباب إعطاء كل زكاة لكل مسكين ، تشبيها بالكفارات ، وقال ( ح ) : ، بخلاف الزكوات . قال تعطى للذمي مالك : ولا يعطى منها من يليها ولا من يحرسها ، قال : ويتخرج فيه خلاف على الخلاف في زكاة المال ، وفي ( الكتاب ) : إن أخرجها عند محلها فضاعت أو تبدلت : لم يضمن ، ولو أخرجها لعذر من أدائها وكان قد فرط فيها فضاعت بغير تفريط ضمنها ، والفرق : أنه إذا فرط انتقلت إلى الذمة ، وكل ما [ ص: 171 ] في الذمة من الحقوق لا تبرأ منه إلا بإيصاله لمستحقه ، وإذا لم يفرط كانت في المال وإفراده كالقسمة مع الشريك ، فيتعين نصيب الفقراء فلا يضمن ، ووافقنا ( ش ) ولم يضمنه ( ح ) مطلقا ، وحيث تعينت ثم ذهبت أو ذهب ماله أو لحقه دين ثم وجدها ، قال سند : قال : ينفذها ولا شيء عليه لأهل الدين ، كمن أعتق عبده ثم لحقه دين . ابن المواز