النظر الثاني في أحكام الصرف ، وهي سبعة : الأول ، في ( الكتاب ) : ، قال إن وجد الأصناف كلها آثر أهل الحاجة من غير تحديد سند : إن استوت الحاجة : قال مالك : يؤثر الأدين ولا يحرم غيره . وكان عمر - رضي الله عنه - يؤثر أهل الحاجة ويقول : الفضائل الدينية لها أجور في الآخرة . والصديق - رضي الله عنه - يؤثر بسابقة الإسلام والفضائل الدينية ; لأن إقامة بنية الأبرار أفضل من إقامة بنية غيرهم ، لما يترتب على بقائها من المصالح . وإذا أعطي المحتاج : فروى ابن نافع ذلك غير محدود ، ويعطيه قوت سنة بقدر المقسوم ، وقد تقل المساكين وتكثر . وروى المغيرة : لا يعطى نصابا ، وقاله ( ح ) ; لأن الدفع لوصف الفقراء فلا يخرج به عنه . وعلى الأول : يعطيه قوت السنة ، وإن اتسع المال زاده ثمن العبد ومهر الزوجة . وفي ( الجواهر ) : يعطى الغارم قدر دينه ، والفقير والمسكين كفايتهما وكفاية عيالهما ، والمسافر قدر ما يوصله إلى مقصده أو موضع ماله ، والغازي ما يقوم به حالة الغزو ، والمؤلفة بالاجتهاد ، والعامل أجرة مثله . ومن جمع وصفين استحق سهمين .
[ ص: 150 ] وقال القاضي أبو الحسن : بل بالاجتهاد . قال سند : قال ابن القاسم : يعطى منها العامل بقدر كثرة ماله وقلته ، وكثرة المتحصل وقلته ، وعمله وصف يستحق به كالفقر ; لأنها أجرة ، فإن كان ذميا أعطي من غيرها . وقال ابن الجلاب : يدفع إليهم أجرة معلومة منها بقدر عملهم ، ولا يجوز أن يستأجروا بجزء منها للجهالة بقدره . قال : فنحا بها منحى الإجارة ، وهو خلاف المشهور .
الحكم الثاني في : قال الترتيب اللخمي : يبدأ بالعاملين ; لأنهم كالأجراء ، ثم الفقراء والمساكين على العتق ; لأن سد الخلة أفضل ، ولأنه حق للأغنياء ليلا تجب عليهم المواساة مرة أخرى . وإذا وجدت المؤلفة قلوبهم قدموا ; لأن الصون عن النار مقدم على الصون عن الجوع ، كما يبدأ الغزو إن خشي على الناس ، وابن السبيل إن كان يلحقه ضرر قدم على الفقير ; لأنه في وطنه .
الحكم الثالث في الإثبات . وفي ( الجواهر ) : ، أو يكون من أهل الموضع ويمكن الكشف عنه فيكشف ، والغازي معلوم بفعله ، فإن أعطي بقوله ولم يوف استرد ، ويطالب الغارم بالبينة على الدين والعسر إن كان عن مبايعة إلا إذا كان عن طعام أكله ، وابن السبيل يكتفى فيه بهيئة الفقر . ما خفي من هذه الصفات كالفقر والمسكنة : من ادعاه صدق ، ما لم يشهد ظاهره بخلافه
الحكم الرابع ، مباشرتها ، في ( الكتاب ) : ، وقال ( ش ) : أحب إلي أن يتولاها قياسا على الأضحية ، وليتقن أداءها ، وفي ( الجواهر ) : إذا كان الإمام يعدل في الأخذ والصرف لم يسع المالك أن يتولى الصرف بنفسه في الناض ولا في غيره ، بل الإمام ، لاحتياجها إلى الاجتهاد في تعيين الأصناف ، وتحقيق صفاتهم وشروطهم ، وتعيين البلدان في الحاجات ، وهي أمور لا يطلع عليها إلا الولاة [ ص: 151 ] غالبا ، وأما الحرث والماشية فيبعث الإمام فيها ، وقيل : زكاة الناض إلى أربابه ، قال لا يعجبني أن يلي أحد صدقة نفسه خوف المحمدة ، وليدفعها لمن يثق به فيقسمها عبد الملك : ذلك إذا لم يكن المصرف الفقراء والمساكين خاصة ، لاحتياج غيرهما إلى الاجتهاد ، وحيث قلنا : يليها ربها ، فالأفضل له أن يوليها غيره ، إلا أن يجهل أحكامها فيجب ، وإذا كان الإمام جائرا لم يجز دفعها له ، قال اللخمي : إذا كان الإمام مشغولا تولى الناس الحرث والعين ، وانتظروا بالماشية الإمام ، وفيه خلاف ، قال سند : ولمفرقهما أن يأخذ منها بالمعروف إن كان أهلا .
الحكم الخامس ، في الخطأ فيها ، قال سند : إن دفعها لكافر أو عبد أو غني ولم يعلم ، فإن كان الإمام لم يضمن ، لأنه عليه بالاجتهاد وقد فعله ، أو رب المال ، فظاهر ( الكتاب ) : لا يجزئه ، وقال ابن القاسم : لا ضمان عليه ، وفرق بعض الناس بين الكافر والعبد ، فلا يجزئ لاشتهارهما غالبا ، وبين الغني فيجزئ ; لأن الرجل قد يكتم غناه كثيرا في الناس ، ويحرم الدفع لأهل الأهواء وتارك الصلاة على الخلاف في تكفيرهم ، وجوز ( ح ) الدفع للذمي ، لنا : قوله عليه السلام لمعاذ : ( ) فالظاهر اختصاص الفقراء بالمأخوذ منهم ، قال فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم اللخمي : إن كان عالما بالغني أو بالذمي أو العبد لم يجزه ، وإن لم يعلم وهي قائمة انتزعت ، وإن أكلوها غرموها على المستحسن من القول ; لأنهم صانوا بها أموالهم ، وإن هلكت بأمر من الله تعالى وكانوا غروا من أنفسهم غرموا وإلا فلا ، ثم يختلفوا في تغريم من وجبت عليه وكذلك الإمام ، قال أبو الطاهر : فإن دفعها لمستحقها ، ثم زال سبب الاستحقاق كابن السبيل لا ينفقها حتى يصل إلى موضعه ، أو يصله ماله ، والغازي يقعد عن الغزو انتزعت ، وتردد اللخمي في الغارم يسقط دينه ، أو نؤديه من غيرها ، قال [ ص: 152 ] صاحب ( تهذيب الطالب ) : إن استهلكها العبد : هل تكون جناية في رقبته أم لا لأنه متطوع ؟ فيه خلاف ، فإن دفع لمسلم ما لا يجزئ كالعوض رجع إن كان قائما ولا يرجع إن فات ; لأنه ظالم مسلط له عليه ، أما لو لم يبين أنها زكاة حملت على التطوع ولا رجوع له .
الحكم السادس : ، وفي ( الكتاب ) : من حال عليه الحول بغير بلده زكى ما معه وما خلف ببلده ، وكذلك إذا كان الجميع ببلده إلا أن يخشى الحاجة على نفسه ولا يجد سلفا ، وقد كان يقول : يقسم ببلده ، واستحبه تفريقها بغير بلدها أشهب ، إلا أن يكون بموضع حاجة ، فإن خشي أنها تؤدى عنه ببلده : فليس عليه ذلك ، ولا يدفع الإمام منها شيئا إلى بيت المال ، وتنفذ الزكاة بموضع وجبت إن أمكن ، وإلا نقلها لأقرب البلاد إليهم ; لتعلق آمال فقراء كل بلد بأغنياء أهلها ، فإن بلغه حاجة عن غير بلده ، أعطى منه أهل بلده ، ثم نقله إلى بلد الحاجة ، قال سند : إن كان موضع الزكاة ليس فيه مستحق نقلت للأقرب إليه لخفة المؤنة ، وإن كان فيه مستحق لكن حاجة غيره أشد ، نقلها كما نقل عمر - رضي الله عنه - زكاة مصر إلى الحجاز ، وإن لم تكن حاجة غيره أشد : فقول ( ح ) و ( ش ) وغير المشهور عن مالك : النقل ، ( وحيث قلنا بعدم النقل ) ، قد استثنى ابن القاسم الموضع القريب ، وإذا قلنا : لا تنقل فنقل فضاعت فإن كان الإمام : لم يضمن ; لأنه موضع اجتهاد ، وإن كان رب المال : ضمن ، وحيث قلنا بجواز النقل ، فالأظهر إرسالها بعد الحول ، ولا يضمن إن تلفت ، وفي ( الجواهر ) : نقل الصدقة عن موضع وجوبها - وهو البلد الذي فيه المال والمالك والمستحقون - غير جائز ، فإن فعل كره وأجزأ ، وقال سحنون : لا يجزئ ، فإن افترق المال والمالك فهل يعتبر مكان المال عند تمام الحول فتفرق الصدقة عنده إذ هو سبب الوجوب ، أو مكان المالك إذ هو المخاطب بها فيخرجها حيث هو ؟ قولان ، وأما صدقة الفطر : فإنها ينظر فيها إلى موضع المالك فقط ، وحيث قلنا : ينقلها ، فروى ابن القاسم : أن الإمام يتكارى عليها [ ص: 153 ] من الفيء ، وقال ابن القاسم : لا يتكارى ولكن يبيعها ثم يشتري مثلها بالموضع ، وفي ( العتبية ) : من ليس بموضعه مساكين حملها من عنده حتى تصل إلى المساكين .
الحكم السابع ، في ( الكتاب ) : لا يخرج في زكاته إسقاط دينه عن الفقير ; لأنه مستهلك عند الفقير ، قال سند : فإن فعل : فقال ابن القاسم : لا يجزئه ، وقال أشهب : يجزئه بمنزلة الدفع للغارم بجامع السبب لبراءة الذمة .