الفصل الثالث : في الترجيح بين الأئمة إذا اجتمعوا :
في الجواهر : إذ بهما تؤدى الصلاة وتحصل الشفاعة ، فإن تعدد من جمعها ، رجح بالفضائل الشرعية والخلقية والمكانية كشرف [ ص: 254 ] النسب فإنه يبعث على صيانة المتصف به عما ينافي دينه ، ويوجب له أنفة عن ذلك . والسن ; لقوله عليه السلام : من أفرد بالعلم والورع فهو أولى . ولأنه أطاع الله قبل الأصاغر فيتميز بذلك . وكمال الصورة ; لأن جمال الخلق يدل على جمال الأخلاق غالبا ، وحسن اللباس فإنه يدل على شرف النفس والبعد عن النجاسات ; لكونها مستقذرات ، وكمال البنية فإنه يدل على وفور العقل ، وحسن الخلق فإنه من أعظم صفات الشرف ، وتقدم الأمير على الرعية ; لئلا تنقص حرمته في النفوس بتقديم غيره عليه فتختل المصالح العامة . والفقيه على الصالح ; لأن الفقه مقصود لصون الأركان والشروط عن المفسدات والصلاح من التتمات فإن تساووا وتشاحوا أقرع بينهم إن طلبوا الفضيلة لا الرياسة ، وفي البركة في أكابركم مسلم ، وقال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه : القارئ أولى من العالم لظاهر الحديث . ابن حنبل
وجوابه : أن أقرأهم حينئذ كان أعلمهم ، وليس ذلك محل النزاع ، ورجح مالك بالقرابة في العتبية فقال : لا يؤم عمه وإن كان أصغر منه ، ووافقه ح .
تنبيه :
قال صاحب الطراز : وقع في التهذيب غلط وهو قوله يؤم الأعلم إذا كان [ ص: 255 ] أحسنهم حالا ، وإنما في الكتاب إذا كانت حاله حسنة ، والفرق ظاهر بين حسن وأحسن .
فرع :
قال في الكتاب : ، قال صاحب الطراز : وكذلك تمنع الإمامة في مسجد الإمام الراتب إلا بإذنه ; لاندراج جميع ذلك تحت الحديث المتقدم ، وينبغي لرب المنزل أن يأذن لمن هو أفضل منه ، صاحب المنزل أولى ممن حضره إلا أن يحضرهم الوالي ، ولا يتقدم رب الدار على من يكره إمامته ; لما في وأهل كل المسجد أولى بإمامته الترمذي . قال : ولا فرق بين كراهة جميعهم أو أكثرهم ، وأهل الفضل منهم وإن قلوا ، ولو كان صاحب الدار عبدا ، قال لعن عليه السلام ثلاثة : رجلا أم قوما وهم له كارهون ، وامرأة بات زوجها عليها ساخطا ، ورجلا سمع حي على الفلاح فلم يجب مالك : هو أولى فلو كانت امرأة ، قال بعض الأصحاب : تولي رجلا ; لأنه منزلها لا يتصرف فيه إلا بإذنها ، وفي الجواهر يستوي مالك الدار ومنفعتها .
قاعدة :
يتقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها فيتقدم للقضاء من هو أكثر يقظة بوجوه الحجاج والأحكام ، وفي الحروب من هو أعلم بمكايدها وأشد [ ص: 256 ] إقداما عليها ، وأعرف بسياسة خبرها ، وفي الزكاة من هو أعلم بنصبها وأحكامها ، وفي إمامة الحكم من هو أعلم بتدبير الأيتام ، وتنمية الأموال وقد يكون الشخص الواحد ناقصا في باب كاملا في غيره ، كالمرأة ناقصة في ولاية الحروب كاملة باعتبار الحضانة ; لأن فيها من الصبر على الطفل وتحصيل مصالحه ما ليس في الرجال فعلى هذه القاعدة قدم الفقيه على القارئ ; لأنه أعلم بإقامة أركانها ، ودرء مفسداتها ، وكذلك سائر الأوصاف التي قدمناها لها مدخل في تحصيل مصلحة الصلاة إلا الإمارة فإنا قدمنا المصلحة العامة فيها على الخاصة ، واستشكل على ذلك التقديم بالمكان نحو رب الدار والمسجد فإن المكان لا مدخل له في مصلحة الصلاة ، وليس فيه مصلحة تترك له مصلحة الصلاة ، وقد كتب عمر - رضي الله عنه - إلى عماله إن أهم أمركم عندي الصلاة ، وهي أفضل الأعمال بعد الإيمان فكانت رعايتها أولى من رعاية صاحب المنزل .