فروع أربعة :
الأول : قال اللخمي : صلى أول الوقت ، وإن كان راجيا صلى آخر الوقت ، وإن شك فوسط الوقت . إذا كان المريض لا يجد من يحوله إلى القبلة ، ولا يرجوه
الثاني : قال في الكتاب : ، فإن أمن ، أعاد في الوقت ; لقوله تعالى : ( من خاف السباع أو غيرها صلى على دابته إيماء [ ص: 119 ] حيثما توجهت به فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) . وفي الترمذي . قال صاحب الطراز : قوله حيثما توجهت به راحلته معناه إذا لم يقدر أن يتوجه بها إلى القبلة ، والفرق بين هذا والمسايفة من وجهين أحدهما : أن العذر هاهنا قد يكون موهوما والمسايفة محققة ، ولذلك قال أنهم كانوا معه - عليهم السلام - في مسيرة فانتهوا إلى مضيق فمطروا والسماء من فوقهم والبلة من تحتهم فأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وأقام أو أقيم ، فتقدم النبي - عليه السلام - على راحلته فصلى بهم يومئون إيماء السجود أخفض من الركوع ابن الجلاب : إذا كان عذره مشكلا غير محقق أعاد . الثاني فضيلة الجهاد ، وسوى الغير بينهما في الإعادة في الوقت فلو خاف من السباع أو اللصوص - وهو ماش - قال ابن حبيب : يصلي إيماء كالمسايفة ولو كان جالسا وخاف من عدوه ، قال والشافعي أشهب وغيره : يصلي جالسا ويسجد إلا أن يخاف فيومئ .
الثالث : قال صاحب الطراز : لو صلى في غدوه ، وقال غشيه السيل في واد لا مفر له إلا بطول ، وخاف فوات الوقت ولم يمكنه الوقوف ، وكذلك خوف الحيات ، وقال الشافعي المزني : الحيات عذر نادر والنادر لا يسقط القضاء ، وهذه الفروع كلها مبنية على قاعدة تقدم التنبيه عليها وهي تعارض المقاصد والوسائل فإنه يجب تقديم المقاصد ; لكونها أهم في نظر الشرع ، والأركان مقاصد ، والاستقبال شرط ووسيلة فلا تترك المقاصد لأجل تعذره .
الرابع : قال في الكتاب : لا إلا في سفر تقصر فيه [ ص: 120 ] الصلاة ، قال صاحب الطراز : إن كان مستقبل القبلة في السفر القصير فيختلف فيه المذهب على رأي من جوز يصلي على دابته التطوع من غير ضرورة ، وإن لم يكن مستقبلا فقد جوزه الإيماء للمتنفل في كل سفر ، وأصحاب الرأي في الفرسخين ، الشافعي لكل من خرج من بلد في حاجة راكبا أو ماشيا ، لنا الأدلة الدالة على الركوع والسجود والاستقبال ، وجوز في الكتاب والأوزاعي خلافا لـ ( ح ) في الوتر ، لنا ما في الموطأ أنه - عليه السلام - كان يسبح على الراحلة ويرسلها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ، ركعتي الفجر والوتر على الراحلة من حيث الجملة متفق عليه ، وإنما الخلاف في الماشي فمنعه والتنفل على الدابة مالك وأبو حنيفة ، وجوزه . الشافعي
حجتنا : عمل السلف ، وليس للمخالف مدرك إلا القياس على الراكب ، والفرق أن الراكب بمنزلة الجالس المتنفل ، وحركة الماشي تنافي هيئة الصلاة ، وظاهر قوله في الكتاب يصلي على دابته في السفر حيثما توجهت به عدم اعتبار القبلة وقت الإحرام ، وقال : إن كانت دابته غير مقطورة واقفة ، افتتحها إلى القبلة ، وقال بعض أصحابه : الشافعي ، واتفقوا في المقطورة أنه يصلي حيث توجهت به وإن كانت واقفة ، واختلفوا في المفردة التي لا تصعب إدارتها ، فقال بعض الشافعية : يلزمه إدارتها ويحرم إلى القبلة كالماشي عندهم ، ومنع بعضهم لزوم ذلك ، حجتهم ما في إذا كانت واقفة لا يصلي إلا إلى القبلة أبي داود . قال أنه - عليه السلام - كان إذا سافر ، فإن أراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة وكبر ، ثم صلى حيث وجه ركابه ، وإذا أحرم إلى جهة مسيره فلا [ ص: 121 ] ينحرف بوجهه إلى غيرها مالك : إذا مال محمله فحول وجهه إلى دبر البعير لم أحبه ، وليصل إلى سير البعير ، ولو صلى في المحمل مشرقا أو مغربا ، لا ينحرف إلى القبلة وإن كان يسيرا ، وليصل قبل وجهه قال صاحب الطراز : فعلى هذا إذا انحرف بعد الإحرام من غير عذر ولا سهو ، فإن كانت القبلة فلا شيء عليه فإنها الأصل ، وإن كانت غيرها بطلت صلاته ، وقاله وأما إذا ظن أن تلك طريقه أو غلبته دابته فلا شيء عليه ، وقال الشافعية : يسجد للسهو فلو وصل منزلا وهو في الصلاة نزل ، وأتم بالأرض راكعا وساجدا إلا قول من يجوز الشافعي الإيماء في النافلة للصحيح ، فإنه يتم صلاته على دابته إلى القبلة ، وإن لم يكن منزل إقامة خفف قراءته ، وأتم صلاته على الدابة ; لأنه يسير وله أن يعمل في صلاته ما لا يستغنى عنه من مسك العنان والضرب بالسوط وتحريك الرجل إلا أنه لا يتكلم ، ولا يلتفت ، ولا يسجد على قربوس سرجه ، ولكن يومئ ، قال في الكتاب : قيام المصلي في المحمل متربعا وإذا ركع ركع متربعا ، ووضع يديه على ركبتيه فإذا رفع رأسه من ركوعه رفع يديه عن ركبتيه ، فإذا أهوى إلى السجدة بين رجليه وسجد إلا أن يقدر أن يثني رجليه فيومئ متربعا ، وهو قول ، وقال في العتبية : إذا أعيا في تربعه فمد رجليه أرجو أن يكون خفيفا ، قال صاحب الطراز : لو الشافعي على المذهب ، وعلى قول صلى على دابته في قبلته قائما راكعا وساجدا من غير نقص أجزأه لا يجزيه لدخوله على [ ص: 122 ] الغرر ، سحنون قولان . وللشافعي
تمهيد :
أقام الشرع جهة السفر بدلا من جهة الكعبة في حق المتنفل ; لأن تحصيل مقاصد الصلاة أولى من رعاية شرط من شروطها ، ولو منع الشرع لامتنع أكثر الناس من التنفل في السفر ، ولامتنع الأبرار من الأسفار حرصا على النوافل ، وكذلك لا تترك مقاصد الصلاة من الأركان ; لتعذر ستر العورة فإن القاعدة تقديم المقاصد على الوسائل . التنفل في الأسفار لغير القبلة
الطرف الثالث : ; لأنه إن كان في أحد الحرمين وجب عليه اليقين وحرم الاجتهاد ، وإن المستقبل ففي الجواهر : أحواله ست وجب عليه الاجتهاد وحرم التقليد ، وإن لم يكن عالما وأمكنه التعليم وجب التعليم وحرم التقليد ، وإن لم يمكنه وقد سمع أقوال العلماء بالأدلة وجب عليه أن يجتهد في تلك الأقوال وحرم التقليد ، فإن لم يسمع جاز له التقليد لقوله تعالى : ( كان غائبا عالما بأدلة الكعبة فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ويلحق به الأعمى وحيث قلنا بالتقليد فيجب أن يكون المقلد مكلفا مسلما ، عارفا بأدلة القبلة ، فإن عدم من يقلده - ويلحق به ، فقال المجتهد إذا خفيت عليه الأدلة : يصلي إلى أي جهة شاء ، ولو صلى أربع صلوات لأربع جهات لكان مذهبا ، وفي المجتهد المتحير قول ثالث أنه يقلد قال صاحب الطراز : فلو ابن عبد الحكم ، تحرى [ ص: 123 ] وبنى ولم يقطع ، كما لو شك في عدد الركعات ، قال : فلو ترك الأعمى التقليد مع إمكانه وصلى برأي نفسه أو الجاهل ، قال بعض الشفعوية : صلاته باطلة ، قال : وليس كذلك ; لأنه وجد منه القصد إلى الجهة وهذا مشكل من صاحب الطراز ، فإن الجاهل ترك ما يجب عليه فأشبه ما لو ترك المجتهد الاجتهاد فإن صلاته باطلة ، ولو أخبر الأعمى رجل أن الذي قلده يخطئ ، ففي الجواهر : فإن صدقه انحرف إلى الجهة التي أشار إليها وبنى ; لأنه اجتهد له مجتهد ، قال رجع للأعمى بصره في الصلاة فشك : هذا هو الحق إن كان المخبر أخبر باجتهاد فإن كان عن معاينة بطل ما مضى ، ولم يبن ، قال سحنون ابن القصار في تعليقه : البلد الخراب الذي لا أحد فيه ، لا يقلد المجتهد محاريبه ، فإن خفيت عليه الأدلة ، أو لم يكن من أهل الاجتهاد قلدها ، والبلد العامر الذي تتكرر الصلوات فيه ، ويعلم أن إمام المسلمين نصب محرابه أو اجتمع أهل البلد على نصبه ، فإن العالم والعامي يقلدونه قال : لأنه قد علم أنه لم يبن إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك قال : وأما المساجد التي لا تجري هذا المجرى فإن العالم بالأدلة يجتهد ولا يقلد ، فإن خفيت عليه الأدلة قلد محاريبها ، وأما العامي فيصلي في سائر المساجد ، وقال صاحب المقدمات : الكعبة ففرضه الاجتهاد فإن صلى بغير اجتهاد فصلاته باطلة ، وإن وقعت إلى من غاب عن الكعبة ولم يفصل ، وهاهنا قواعد خمس تتعين الإحاطة بها :