الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص منه حتى يبرأ ) وقال الشافعي رحمه الله : يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس وهذا لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { يستأنى في الجراحات سنة }ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها لأن حكمها في الحال غير معلوم [ ص: 412 ] فلعلها تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل وإنما يستقر الأمر بالبرء .

                                                                                                        [ ص: 407 - 411 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 407 - 411 ] الحديث التاسع عشر :

                                                                                                        قال عليه السلام : { يستأنى في الجراحة سنة }; قلت : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن يزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقاس الجراحات ، ثم يستأنى بها سنة ، ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : ويزيد بن عياض ضعيف متروك انتهى . وأخرجه البيهقي عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، وأعله بابن لهيعة . أحاديث الباب :

                                                                                                        روى أحمد في " مسنده " عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته ، فقال : يا رسول الله أقدني ، فقال له عليه السلام : لا تعجل حتى يبرأ جرحك ، قال : فأبى الرجل ، إلا أن يستقيد ، فأقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فعرج الرجل المستقيد ، وبرأ المستقاد منه ، فأتى المستقيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله عرجت منه ، وبرأ صاحبي ، فقال له عليه السلام : ألم آمرك أن لا تستقيد حتى يبرأ جرحك ، فعصيتني ؟ فأبعدك الله ، وبطل عرجك ، قال : ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد من كان به جرح أن لا يستقيد حتى تبرأ جراحته ، فإذا برأ استقاد }انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه الدارقطني في " سننه " ، ورواه أحمد أيضا من طريق ابن إسحاق ، قال : ذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : [ ص: 412 ] { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل طعن رجلا بقرن في رجله } ، الحديث قال في : التنقيح : وظاهر هذا الانقطاع .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر ، بلفظ أحمد ; ومن طريق ابن أبي شيبة ، رواه الدارقطني أيضا ثم قال : ما جاء به هكذا إلا ابن أبي شيبة ، وأخوه عثمان ، وأخطآ فيه .

                                                                                                        وقد خالفهما أحمد بن حنبل ، وغيره عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلا ، وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحفوظ مرسلا ، ثم أخرجه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة { أن رجلا طعن رجلا بقرن في رجله } ، الحديث ; ثم أخرجه عن مسلم بن خالد الزنجي ثنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن يقضى من الجرح حتى ينتهي }انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة ابن أبي شيبة ، ثم قال : وهذا يرويه سفيان ، وأبان عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة مرسلا ، وهو عندهم أصح ، على أن الذي أسنده ثقة جليل وهو ابن علية ، وقد روى يحيى بن أبي أنيسة ، ويزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يستأنى بالجراحات سنة }انتهى . ذكره الدارقطني من حديث يزيد بن عياض ، وذكر أسد بن موسى حديث يحيى ; ويحيى ، ويزيد متروكان انتهى كلامه . وأنكر عليه ابن القطان قوله : على أن الذي أسنده ثقة ، وهو ابن علية ، قال : فإن أصحاب عمرو هم المختلفون ، فأيوب يسند عنه ، وأبان ، وسفيان يرسلان ، قال ابن القطان : وهذا اختيار من أبي محمد ، أن لا يعل رواية ثقة ، يوصل برواية غيره أتاه مقطوعا ، أو أسنده ، ورواه غيره مرسلا ، فقد [ ص: 413 ] يكون حفظ ما لم يحفظ غيره ، وكذا إذا كان الوصل والإرسال كلاهما عن رجل واحد ثقة ، لا يبعد أن يكون الحديث عنده على الوجهين ، أو حدث به في حالين ، فقد يكون غاب عنه حتى تذكر ، أو راجع كتابه ، وهذا كما يقول أحدنا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنده بسنده ، إنما الشأن في أن يكون الذي يسند ما رواه غيره مقطوعا ، أو مرسلا غير ثقة ، فإنه إذا كان غير ثقة لم يلتفت إليه ، وإن لم يخالفه أحد ، أما إذا كان ثقة فإنه حجة على من لم يحفظ ، قال : وهذا هو الحق في هذا الأصل ، واختاره أكثر الأصوليين ، فطائفة من المحدثين منهم البزار ، وقد صرح بذلك في " مسنده " من حديث أبي سعيد الخدري : { لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة } ، أن الحديث إذا أرسله جماعة ، وأسنده ثقة ، كان القول قول الثقة ، قال : وأكثر المحدثين على الرأي الأول ، وأبو محمد فقد اضطرب في أحكامه ، فتارة صار إلى الرأي الأول ، وتارة إلى الرأي الثاني ، قال : وأولى بالقبول ما إذا أرسل ثقة ، وأسنده ثقة آخر ، فإنه إذا لم يبال بإرسال جماعة إذا وصله ثقة ، فأولى أن لا يبالى بإرسال واحد إذا وصله غيره انتهى . وقال ابن أبي حاتم في " علله " : سألت أبا زرعة عن حديث اختلف فيه عن عمرو بن دينار ، وأيوب السختياني ، وحماد بن سلمة ، فروى ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر { أن رجلا طعن رجلا في ركبته بقرن } ، الحديث ; ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أن رجلا طعن ، قال : فسمعت أبا زرعة يقول : حماد بن سلمة أشبه انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطبراني في " معجمه الصغير " عن محمد بن عبد الله الذماري عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل طعن رجلا بقرن ، فقال المطعون : يا رسول الله أقدني ، قال : داوها ، واستأن بها حتى تنظر إلى ما يصير ، فقال : يا رسول الله أقدني ، فقال له مثل ذلك ، فيبست رجل الذي استقاده ، وبرئ الذي استقيد منه ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديتها }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطحاوي من طريق ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبي عن جابر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ }انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : إسناده صالح ، وعنبسة [ ص: 414 ] وثقه أحمد ، وغيره ، وقال ابن أبي حاتم : سئل أبو زرعة عن هذا الحديث ، فقال : هو مرسل مقلوب ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البزار في " مسنده " عن مجالد عن الشعبي عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد من جرح حتى يبرأ }انتهى .

                                                                                                        ومجالد فيه مقال ; وأخرجه الدارقطني أيضا عن يعقوب بن حميد ثنا عبد الله بن عبد الله الأموي عن ابن جريج ، وعثمان بن الأسود ، ويعقوب بن عطاء عن أبي الزبير عن جابر { أن رجلا جرح ، فأراد أن يستقيد فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح }انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : عبد الله بن عبد الله الأموي روى له ابن ماجه حديثا واحدا ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : يخالف في روايته ، وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه ، ولا نعلم روى عنه غير ابن كاسب انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن يحيى بن المغيرة عن بديل بن وهب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى طريف بن ربيعة ، وكان قاضيا بالشام أن { صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف ، فجاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : القود ، فقال : ينتظر ، فإن برأ صاحبكم ، فاقتصوا ، وإن يمت نقدكم ، فعوفي ، فقالت الأنصار : قد علمتم أن هوى النبي صلى الله عليه وسلم في العفو ، قال : فعفوا عنه ، فأعطاه صفوان جارية ، فهي أم عبد الرحمن بن حسان } ، انتهى .

                                                                                                        وقال الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " : وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، فقال بعضهم : ينتظر بالجرح إلى أن يبرأ ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد ، وأخذوا في ذلك بحديث جابر ، كما تقدم ، وقال الشافعي : للمجني عليه أن يقتص ، ولا ينتظر ، محتجا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، كما تقدم ، { فإنه عليه السلام أقاده من غير أن ينتظر }.

                                                                                                        قال الحازمي : وقد ورد في حديث عمرو بن شعيب ما يدل على أنه منسوخ ، ثم ساقه بسند أحمد ومتنه ، قال : وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج من غير وجه ، فإن صح سماع ابن جريج من عمرو بن شعيب ، فهو حديث حسن يقوى الاحتجاج به لمن يدعي النسخ انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية