الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب الأيمان في الطلاق ( وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح مثل أن يقول لامرأة : إن تزوجتك فأنت طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يقع لقوله عليه الصلاة والسلام " { لا طلاق قبل النكاح }.

                                                                                                        ولنا أن هذا تصرف يمين لوجود الشرط والجزاء فلا يشترط لصحته قيام الملك في الحال ; لأن الوقوع عند الشرط والملك متيقن به عنده وقبل ذلك أثره [ ص: 463 ] المنع وهو قائم بالمتصرف . [ ص: 464 - 465 ] والحديث محمول على نفي التخيير والحمل مأثور عن السلف كالشعبي والزهري وغيرهما .

                                                                                                        [ ص: 459 - 462 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 459 - 462 ] باب الأيمان في الطلاق الحديث التاسع : قال عليه السلام : { لا طلاق قبل النكاح }; قلت : أخرجه ابن [ ص: 463 ] ماجه في " سننه " عن هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا طلاق قبل النكاح ، ولا عتق قبل ملك }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه أيضا عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا طلاق قبل النكاح }انتهى . وجويبر ضعيف .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، ولا عتق له فيما لا يملك ، ولا طلاق له فيما لا يملك }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب ، وسألت محمد بن إسماعيل : أي شيء أصح في الطلاق قبل النكاح ؟ فقال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " بلفظ : { لا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك }انتهى . وسكت عنه .

                                                                                                        { حديث آخر } : قال الحاكم في " المستدرك في تفسير سورة الأحزاب " : وقد صح حديث : { لا طلاق إلا بعد نكاح }على شرطهما ، من حديث ابن عمر ، وعائشة ، وابن عباس ، ومعاذ بن جبل ، وجابر بن عبد الله ; فأخرج حديث ابن عمر عن عاصم بن هلال ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : { لا طلاق إلا بعد نكاح }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي خالد الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن رجل قال : يوم أتزوج فلانة ، فهي طالق ثلاثة ، قال : طلق ما لا يملك }انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : حديث باطل ، وأبو خالد الواسطي هو عمرو بن خالد ، وهو وضاع ; وقال أحمد ، ويحيى : كذاب .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الحاكم أيضا عن حجاج بن منهال ثنا هشام الدستوائي عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة مرفوعا : { لا طلاق إلا بعد نكاح }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني عن الوليد بن سلمة الأزدي ثنا يونس عن الزهري عن عروة به نحوه ، قال في [ ص: 464 ] " التنقيح " : والوليد بن سلمة ، قال الأزدي ، وابن حبان : كان يضع الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الحاكم أيضا عن عبد المجيد بن عبد العزيز ثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن معاذ مرفوعا مثله ، وأخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بنحوه ، قال في " التنقيح " : لا بأس بروايته ، غير أن طاوسا عن معاذ منقطع ; وأخرجه الدارقطني أيضا عن يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن معاذ مرفوعا مثله ; وزاد ولو سميت المرأة بعينها انتهى . قال الدارقطني : ويزيد بن عياض ضعيف انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الحاكم أيضا عن وكيع عن ابن أبي ذئب عن عطاء ، ومحمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا : { لا طلاق قبل نكاح }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا وكيع به .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الحاكم أيضا عن أيوب بن سليمان الجريري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا : { لا طلاق لمن لا يملك } ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني عن سليمان بن أبي سليمان عن يحيى بن أبي كثير عن طاوس عن ابن عباس مرفوعا مثله ، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة الدارقطني ، وقال : إسناده ضعيف ، قال ابن القطان : وعلته سليمان بن أبي سليمان ، فإنه شيخ ضعيف الحديث ، قاله أبو حاتم الرازي انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : هذا حديث لا يصح ، فإن سليمان بن أبي سليمان ، هو سليمان بن داود اليمامي ، متفق على ضعفه . قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم : إنما لم يخرج الشيخان في " كتابيهما " هذا الحديث لأنهما وجدا مداره على إسنادين واهيين : أحدهما : عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي .

                                                                                                        والثاني : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، فلذلك لم يقع منهما الاستقصاء في طلب هذه الأسانيد الصحيحة انتهى . يعني أسانيده التي أخرجها . [ ص: 465 ]

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن علي بن قرين ثنا بقية عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : { قال عم لي : اعمل لي عملا حتى أزوجك ابنتي ، فقلت : إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ، ثم بدا لي أن أتزوجها ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته ، فقال لي : تزوجها ، فإنه لا طلاق إلا بعد نكاح ، قال : فتزوجتها ، فولدت لي سعدا وسعيدا }انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : وهذا أيضا باطل ، وعلي بن قرين كذبه يحيى بن معين ، وغيره ; وقال ابن عدي : يسرق الحديث ، ومذهب أحمد كمذهبنا ، ومالك فصل بين أن يعين المرأة فيصح ، وإن لم يعين لم يصح ، وحديث معاذ المتقدم حجة عليه . فإن فيه عند الدارقطني : ولو سميت المرأة بعينها إلا أنه ضعيف . قوله : والحديث محمول على نفي التخيير ، والحمل مأثور عن السلف ، كالشعبي ، [ ص: 466 ] والزهري ، وغيرهما ; قلت : حكى أبو بكر الرازي عن الزهري ، قال : قوله : { لا طلاق قبل نكاح } ، هو الرجل ، يقال له : تزوج فلانة فيقول : هي طالق ، فهذا ليس [ ص: 467 ] بشيء ، فأما من قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، فإنما طلقها حين تزوجها ، انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " : أخبرنا معمر عن الزهري أنه قال في رجل قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، وكل أمة أشتريها فهي حرة ، هو كما قال ، فقال له معمر : أوليس قد جاء : لا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق إلا بعد ملك ؟ قال : إنما ذلك أن يقول الرجل : امرأة فلان طالق ، وعبد فلان حر انتهى .

                                                                                                        وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن سالم ، والقاسم ، وعمر بن عبد العزيز ، والشعبي والنخعي والزهري والأسود وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وأبي بكر بن عمرو بن حزم وعبد الله بن عبد الرحمن ومكحول في رجل قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، أو يوم أتزوجها فهي طالق ، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، قالوا : هو كما قال ; وفي لفظ : يجوز ذلك عليه انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية