الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
10 حديث عاشر لإسحاق ، عن أنس

مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أنه قال : كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف ، فيجدهم يصلون العصر .

التالي السابق


هذا يدخل في المسند ، وهو الأغلب من أمره ، وكذلك رواه جماعة الرواة للموطأ ، عن مالك ، وقد رواه عبد الله بن المبارك ، عن مالك ، عن إسحاق ، عن أنس قال : كنا نصلي العصر مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فذكره مسندا .

وكذلك رواه عتيق بن يعقوب الزبيري ، عن مالك كرواية ابن المبارك .

ومعنى هذا الحديث السعة في وقت العصر ، وأن الناس في ذلك الوقت ، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن صلاتهم في فور واحد لعلمهم بما أبيح لهم من سعة الوقت .

[ ص: 296 ] والآثار كلها ، أو أكثرها على أن وقت العصر ممدود منذ يزيد الظل على قامة من الحد الذي زالت عليه الشمس ما كانت الشمس بيضاء نقية ، ويروى ما دامت الشمس حية ، وحياتها حرارتها ، وما لم تدخلها صفرة ، فإذا اصفرت الشمس ، ودنت للغروب ، خرج الوقت المحمود المستحب المختار ، ولحق مؤخرها من غير عذر إلى ذلك الوقت الذم ، لحديث العلاء بن عبد الرحمن ، عن أنس ، عن النبي عليه السلام تلك صلاة المنافقين يمهل أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس قام فنقرها أربعا ، لا يذكر الله فيها إلا قليلا يعيبهم بذلك صلى الله عليه وسلم .

ومع هذا فإنا لا نبعد أن يكون من أدرك منها ركعة قبل غروب الشمس أن يكون مدركا لوقتها لحديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، وحديث أبي هريرة أصح إسنادا وأقوى عند أهل العلم بالحديث من حديث العلاء ، وحديث العلاء لا بأس به .

وقد ذكرنا أقاويل الفقهاء في آخر وقت العصر ، في باب زيد بن أسلم عند قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر وذكرنا مذاهب العلماء في تأويل هذا الحديث هناك ، والحمد لله ، وذكرنا كثيرا من آثار هذا الباب في باب ابن شهاب ، عن أنس ، وكلها تدل على السعة في الوقت ما دامت الشمس لم تصفر .

[ ص: 297 ] وأخبرنا أبو محمد قاسم بن محمد قال : أخبرنا خالد بن سعد قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الرحمن بن وردان قال : دخلنا على أنس بن مالك في رهط من أهل المدينة ، فقال : صليتم العصر ؟ قلنا : نعم ، قالوا : يا أبا حمزة متى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي هذه الصلاة ؟ قال : والشمس بيضاء نقية .

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي الأبيض ، عن أنس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر ، والشمس بيضاء نقية محلقة ، ثم آتي عشيرتي في جانب المدينة لم يصلوا ، فأقول لهم : ما يجلسكم ؟ صلوا فقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 298 ] وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن يزيد المعلم قال : حدثنا يزيد بن محمد قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي الأبيض ، عن أنس بن مالك قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر ، والشمس مرتفعة بيضاء محلقة ، فآتي عشيرتي فأجدهم جلوسا ، فأقول : قوموا فصلوا ، فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع ، عن يزيد بن مردانبه ، عن ثابت بن عبيد قال : سألت أنسا عن وقت العصر ، فقال : وقتها أن تسير ستة أميال إلى أن تغرب الشمس ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يصلي العصر والشمس بيضاء نقية ، يعجلها مرة ويؤخرها أخرى ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري قال : حدثنا إبراهيم بن [ ص: 299 ] أبي الوزير قال : حدثنا محمد بن يزيد اليماني قال : حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان ، عن أبيه ، عن جده علي بن شيبان قال : قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية .

قال أبو عمر : أهل العراق أشد تأخيرا للعصر من أهل الحجاز ، والآثار الواردة عنهم بذلك تبين ما قلنا ، وعلى ذلك فقهاؤهم ، حتى قال أبو قلابة : إنما سميت العصر لتعتصر .

أخبرنا يوسف بن محمد بن يوسف ، ومحمد بن إبراهيم بن سعيد قالا : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال : حدثنا خلف بن هشام البزار قال : حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم أنه كان يؤخر العصر .

قال أبو عمر : هذا فقيه أهل الكوفة ، ويزعمون أنه أعلم تابعيهم بالصلاة قد ثبت عنه ما ترى ، والله أعلم ، وما أعلم أحدا من سلفهم جاء عنه [ ص: 300 ] في تعجيل العصر أكثر مما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن منصور ، عن خيثمة قال : تصلى العصر والشمس بيضاء حية ، وحياتها أن تجد حرها .

قال أبو عمر : هذا كمذهب أهل المدينة ، والأصل في هذا الباب ما قدمنا من سعة الوقت على حسب ما ذكرنا ، وسنذكر المواقيت ونستوعب القول فيها بالآثار واختلاف العلماء عند ذكر حديث ابن شهاب ، عن عروة إن شاء الله .




الخدمات العلمية