[ ص: 6 ] وحجتهم في : ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر ، وأنه لا بد من علم ذلك ; فإذا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة ، إذ قد صح أن التابعين ، أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف ، وغير الضعيف ; فهذه النكتة عندهم في رد المرسل ; لأن مرسله يمكن أن يكون سمعه ممن يجوز قبول نقله ، وممن لا يجوز ، ولا بد من معرفة عدالة الناقل ; فبطل لذلك الخبر المرسل للجهل بالواسطة . رد المراسيل
قالوا : ولو جاز قبول المراسيل ; لجاز قبول خبر مالك والشافعي ومثلهم ، إذا ذكروا خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو جاز ذلك فيهم ; لجاز فيمن بعدهم إلى عصرنا ، وبطل المعنى الذي عليه مدار الخبر . والأوزاعي
ومن حجتهم أيضا في ذلك : أن الشهادة على الشهادة قد أجمع المسلمون أنه لا يجوز فيها إلا الاتصال والمشاهدة ; فكذلك الخبر يحتاج من الاتصال ، والمشاهدة إلى مثل ما تحتاج إليه الشهادة ; إذ هو باب في إيجاب الحكم واحد .
هذا كله قول وأصحابه وأهل الحديث ، ولهم في ذلك من الكلام ما يطول ذكره . الشافعي
وأما أصحابنا ; فكلهم مذهبه في الأصل استعمال المرسل مع المسند ، كما يوجب الجميع استعمال المسند ، ولا يردون بالمسند المرسل ، كما لا يردون الخبرين المتصلين ، ما وجدوا إلى استعمالهما سبيلا ، وما ردوا به المرسل من حجة بتأويل ، أو عمل مستفيض أو غير ذلك من أصولهم ; فهم يردون به المسند سواء لا فرق بينهما عندهم .
[ ص: 7 ] قال أبو عمر : هذا أصل المذهب ، ثم إني تأملت كتب المناظرين والمختلفين ; من المتفقهين ، وأصحاب الأثر ، من أصحابنا وغيرهم ; فلم أر أحدا منهم يقنع من خصمه إذا احتج عليه بمرسل ، ولا يقبل منه في ذلك خبرا مقطوعا ، وكلهم عند تحصيل المناظرة يطالب خصمه بالاتصال في الأخبار ، والله المستعان .
وإنما ذلك ; لأن التنازع إنما يكون بين من يقبل المرسل ، وبين من لا يقبله ; فإن احتج به من يقبله على من لا يقبله ; قال له : هات حجة غيره ، فإن الكلام بيني وبينك في أصل هذا ، ونحن لا نقبله ، وإن احتج من لا يقبله على من يقبله كان من حجته : كيف تحتج علي بما ليس حجة عندك ، ونحو هذا .
ولم نشاهد نحن مناظرة بين مالكي يقبله ، وبين حنفي يذهب في ذلك مذهبه ، ويلزم على أصل مذهبهما في ذلك قبول كل واحد منهما من صاحبه ، المرسل إذا أرسله ثقة عدل رضا ، ما لم يعترضه من الأصول ما يدفعه ، وبالله التوفيق .