ومثال ( ) مما نقله غير ثقة كثير مما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف كقراءة ابن السميفع وأبي السمال وغيرهما في القسم الثالث ننجيك ببدنك ( ننحيك ) : بالحاء المهملة ، لتكون لمن خلفك آية بفتح سكون اللام ، وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي وغيره ، فإنها لا أصل لها ، قال أبو العلاء الواسطي : إن الخزاعي وضع كتابا في الحروف نسبه إلى أبي حنيفة فأخذت خط وجماعة أن الكتاب موضوع لا أصل له . الدارقطني
( قلت ) : وقد رويت الكتاب المذكور ومنه إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع الهاء ونصب الهمزة ، وقد راج ذلك على أكثر المفسرين ونسبها إليه وتكلف توجيهها ، وإن لبريء منها ، ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية ولا يصدر مثل هذا إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط ويعرفه الأئمة المحققون والحفاظ الضابطون وهو قليل جدا ، بل لا يكاد يوجد ، وقد جعل بعضهم منه رواية أبا حنيفة خارجة عن نافع ( معائش ) بالهمز ، وما رواه ابن بكار عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر من فتح ياء ( أدري أقريب ) مع إثبات الهمزة ، وهي رواية زيد وأبي حاتم عن يعقوب ، وما رواه أبو علي العطار عن العباس عن أبي عمرو ( ساحران تظاهرا ) بتشديد الظاء ، والنظر في ذلك لا يخفى ، ويدخل في هذين القسمين ما يذكره بعض المتأخرين من شراح الشاطبية في وقف حمزة على نحو ( أسمايهم ) و ( أوليك ) بياء خالصة ، ونحو ( شركاوهم ) و ( أحباوه ) بواو خالصة ، ونحو ( بداكم ) و ( اخاه ) بألف خالصة ، ونحو ( راى : را ، وتراى : ترا ، واشمازت : اشمزت ، وفاداراتم : فادارتم ) بالحذف في ذلك كله مما يسمونه التخفيف الرسمي ولا يجوز في وجه [ ص: 17 ] من وجوه العربية ، فإنه إما أن يكون منقولا عن ثقة ولا سبيل إلى ذلك فهو مما لا يقبل ، إذ لا وجه له ، وإما أن يكون منقولا عن غير ثقة فمنعه أحرى ورده أولى ، مع أني تتبعت ذلك فلم أجد منصوصا لحمزة لا بطرق صحيحة ولا ضعيفة ، وسيأتي بيان ذلك في بابه إن شاء الله ، وبقي قسم مردود أيضا وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة ، فهذا رده أحق ومنعه أشد ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر ، وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقري النحوي ، وكان بعد الثلاثمائة .
قال الإمام في كتابه البيان : وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها ، فابتدع بدعة ضل بها عن قصد السبيل . أبو طاهر بن أبي هاشم
( قلت ) : وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد حضره الفقهاء والقراء وأجمعوا على منعه ، وأوقف للضرب فتاب ورجع وكتب عليه بذلك محضر كما ذكره الحافظ في تاريخ أبو بكر الخطيب بغداد ، وأشرنا إليه في الطبقات ، ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه كما روينا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - من الصحابة ، وعن وزيد بن ثابت ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز من التابعين أنهم قالوا : القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول فاقرءوا كما علمتموه ، ولذلك كان الكثير من أئمة القراءة ، وعامر الشعبي كنافع وأبي عمرو يقول : لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرأت ، لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا ، ( أما ) إذا كان القياس على إجماع انعقد ، أو عن أصل يعتمد فيصير إليه عند عدم النص وغموض وجه الأداء ، فإنه مما يسوغ قبوله ولا ينبغي رده لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمس الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعين على قوة التصحيح ، بل قد لا يسمى ما كان كذلك قياسا على الوجه الاصطلاحي ، إذ هو في الحقيقة نسبة جزئي إلى كلي كمثل ما اختير في تخفيف بعض الهمزات لأهل الأداء وفي إثبات [ ص: 18 ] البسملة وعدمها لبعض القراء ، ونقل ( كتابيه اني ) وإدغام ( ماليه هلك ) قياسا عليه ، وكذلك قياس ( قال رجلان ، وقال رجل ) على ( قال رب ) في الإدغام كما ذكره الداني وغيره ، ونحو ذلك مما لا يخالف نصا ولا يرد إجماعا ولا أصلا مع أنه قليل جدا كما ستراه مبينا بعد إن شاء الله تعالى ، وإلى ذلك أشار - رحمه الله - في آخر كتابه التبصرة حيث قال : فجميع ما ذكرناه في هذا الكتاب ينقسم ثلاثة أقسام : قسم قرأت به ونقلته وهو منصوص في الكتب موجود ، وقسم قرأت به وأخذته لفظا أو سماعا وهو غير موجود في الكتب ، وقسم لم أقرأ به ولا وجدته في الكتب ولكن قسته على ما قرأت به ، إذ لا يمكن فيه إلا ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص وهو الأقل . مكي بن أبي طالب
( قلت ) : وقد زل بسبب ذلك قوم وأطلقوا قياس ما لا يروى على ما روي ، وما له وجه ضعيف على الوجه القوي ، كأخذ بعض الأغبياء بإظهار الميم المقلوبة من النون والتنوين ، وقطع بعض القراء بترقيق الراء الساكنة قبل الكسرة والياء ، وإجازة بعض من بلغنا عنه ترقيق لام الجلالة تبعا لترقيق الراء من ذكر الله ، إلى غير ذلك مما تجده في موضعه ظاهرا في التوضيح مبينا في التصحيح مما سلكنا فيه طريق السلف ولم نعدل فيه إلى تمويه الخلف ، ولذلك منع بعض الأئمة تركيب القراءات بعضها ببعض وخطأ القارئ بها في السنة والفرض ، ( قال ) الإمام في كتابه جمال القراء : وخلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ . ( وقال ) الحبر العلامة أبو الحسن علي بن محمد السخاوي أبو زكريا النووي في كتابه التبيان : وإذا ابتدأ القارئ بقراءة شخص من السبعة فينبغي أن لا يزال على تلك القراءة ما دام للكلام ارتباط ، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة آخر من السبعة والأولى دوامه على تلك القراءة في ذلك المجلس .
( قلت ) : وهذا معنى ما ذكره في فتاويه . وقال الأستاذ أبو عمرو بن الصلاح أبو إسحاق الجعبري : والتركيب ممتنع في كلمة وفي كلمتين إن تعلق أحدهما بالآخر وإلا كره .
( قلت ) : وأجازها أكثر الأئمة مطلقا وجعل خطأ مانعي ذلك [ ص: 19 ] محققا ، والصواب عندنا في ذلك التفصيل والعدول بالتوسط إلى سواء السبيل ، فنقول : إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى فالمنع من ذلك منع تحريم ، كمن يقرأ فتلقى آدم من ربه كلمات بالرفع فيهما ، أو بالنصب آخذا رفع آدم من قراءة غير ابن كثير ورفع كلمات من قراءة ابن كثير ، ونحو وكفلها زكريا بالتشديد مع الرفع ، أو عكس ذلك ، ونحو أخذ ميثاقكم وشبهه مما يركب بما لا تجيزه العربية ولا يصح في اللغة ، وأما ما لم يكن كذلك فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية وغيرها ، فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية ، فإنه لا يجوز أيضا من حيث إنه كذب في الرواية وتخليط على أهل الدراية ، وإن لم يكن على سبيل النقل ، بل على سبيل القراءة والتلاوة ، فإنه جائز صحيح مقبول لا منع منه ولا حظر ، وإن كنا نعيبه على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام ، إذ كل من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا عن الأمة ، وتهوينا على أهل هذه الملة ، فلو أوجبنا عليهم قراءة كل رواية على حدة لشق عليهم تمييز القراءة الواحدة وانعكس المقصود من التخفيف وعاد بالسهولة إلى التكليف ، وقد روينا في المعجم الكبير بسند صحيح عن للطبراني قال : قال إبراهيم النخعي : ( ليس الخطأ أن يقرأ بعضه في بعض ، ولكن أن يلحقوا به ما ليس منه ) . عبد الله بن مسعود