فصل
اختلف :
nindex.php?page=treesubj&link=28911هل المتشابه مما يمكن الاطلاع على علمه ، أو لا يعلمه إلا الله ؟
على قولين ، منشؤهما الاختلاف في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم [ آل عمران : 7 ] . هل هو معطوف و يقولون حال ؟ أو مبتدأ ، خبره يقولون والواو للاستئناف ؟
وعلى الأول : طائفة يسيرة ، منهم
مجاهد ، وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . فأخرج
ابن المنذر من طريق
مجاهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم قال : أنا ممن يعلم تأويله .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد ، عن
مجاهد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم قال : يعلمون تأويله ، ويقولون : آمنا به .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
الضحاك ، قال : الراسخون في العلم يعلمون تأويله ، ولو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه ، ولا حلاله من حرامه ، ولا محكمه من متشابهه .
واختار هذا القول
النووي ; فقال في شرح
مسلم : إنه الأصح ; لأنه يبعد أن يخاطب الله
[ ص: 595 ] عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : إنه الظاهر .
وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم - خصوصا أهل السنة - فذهبوا إلى الثاني ، وهو أصح الروايات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال
ابن السمعاني : لم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة ، واختاره
العتبي ، قال : وقد كان يعتقد مذهب أهل السنة ، لكنه سها في هذه المسألة .
قال ولا غرو ، فإن لكل جواد كبوة ، ولكل عالم هفوة .
قلت : ويدل لصحة مذهب الأكثرين : ما أخرجه
عبد الرزاق في تفسيره ، والحاكم في مستدركه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يقرأ : ( وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به ) .
فهذا يدل على أن الواو للاستئناف ; لأن هذه الرواية - وإن لم تثبت بها القراءة - فأقل درجاتها أن يكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه .
ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة ، وعلى مدح الذين فوضوا العلم إلى الله ، وسلموا إليه كما مدح الله المؤمنين بالغيب .
وحكى
الفراء : أن في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب أيضا : ( ويقول الراسخون ) .
وأخرج
ابن أبي داود في " المصاحف " من طريق الأعمش ، قال في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : ( وإن [ حقيقة ] تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) .
وأخرج الشيخان وغيرهما ، عن
عائشة ، قالت : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7أولو الألباب [ آل عمران : 7 ] .
قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=979721فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير ، عن
أبي مالك الأشعري : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
[ ص: 596 ] لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال : أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا ، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله . الحديث .
وأخرج
ابن مردويه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979723إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما تشابه فآمنوا به .
وأخرج
الحاكم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=979724كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به ، وانتهوا عما نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله ، واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمنا به كل من عند ربنا .
وأخرج
البيهقي في الشعب نحوه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
[ ص: 597 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا :
أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله ، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب . ثم أخرجه من وجه آخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس موقوفا بنحوه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16574العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : ( نؤمن بالمحكم وندين به ، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به ، وهو من عند الله كله ) .
وأخرج - أيضا - عن
عائشة قالت : ( كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمتشابهه ولا يعلمونه ) .
وأخرج - أيضا - عن
أبي الشعثاء وأبي نهيك ، قال : إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة .
وأخرج
الدارمي في مسنده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار : أن رجلا يقال له صبيغ قدم
المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه
عمر ، وقد أعد له عرجونا من العراجين ، فضربه حتى دمى رأسه .
وفي رواية عنده : فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دبرة ، ثم تركه حتى برأ ، ثم عاد له ، ثم تركه حتى برأ ، فدعا به ليعود ، فقال : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا . فأذن له إلى أرضه ، وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد من المسلمين .
[ ص: 598 ] وأخرج
الدارمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، قال : إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله .
فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا الله ، وأن الخوض فيه مذموم ، وسيأتي قريبا زيادة على ذلك .
قال
الطيبي : المراد بالمحكم ما اتضح معناه ، والمتشابه بخلافه ; لأن اللفظ الذي يقبل معنى : إما أن يحتمل غيره أو لا ، والثاني : النص ، والأول : إما أن تكون دلالته على ذلك الغير أرجح أو لا ، والأول : هو الظاهر ، والثاني : إما أن يكون مساويه أو لا ، والأول : هو المجمل ، والثاني : المؤول . فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم ، والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه .
ويؤيد هذا التقسيم : أنه تعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه ، قالوا : فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله .
ويعضد ذلك أسلوب الآية ، وهو الجمع مع التقسيم ; لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى الكتاب ، بأن قال
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، وأراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء ، فقال أولا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم يقولون آمنا به وكان يمكن أن يقال ( وأما الذين في قلوبهم استقامة ، فيتبعون المحكم ) لكنه وضع موضع ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم لإتيان لفظ الرسوخ ; لأنه لا يحصل إلا بعد التثبت العام والاجتهاد البليغ ، فإذا استقام القلب على طرق الإرشاد ، ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وكفى بدعاء الراسخين في العلم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8ربنا لا تزغ قلوبنا [ آل عمران : 8 ] إلى آخره . . . . شاهدا على أن
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم مقابل لقوله : و
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7الذين في قلوبهم زيغ .
وفيه إشارة إلى أن الوقف على قوله : إلا الله تام ، وإلى أن علم بعض المتشابه مختص بالله تعالى ، وأن من حاول معرفته هو الذي أشار إليه في الحديث ، بقوله : " ( فاحذروهم " ) .
وقال بعضهم : العقل مبتلى باعتقاد حقية المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة ، كالحكيم : إذا صنف كتابا أجمل فيه أحيانا ; ليكون موضع خضوع المتعلم لأستاذه ، وكالملك يتخذ علامة يمتاز بها من يطلعه على سره .
[ ص: 599 ] وقيل : لو لم يبتل العقل - الذي هو أشرف البدن - لاستمر العالم في أبهة العلم على التمرد ، فبذلك يستأنس إلى التذلل بعز العبودية ، والمتشابه هو موضع خضوع العقول لبارئها استسلاما واعترافا بقصورها .
وفي ختم الآية بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يذكر إلا أولو الألباب تعريض بالزائغين ، ومدح للراسخين ، يعني : من لم يتذكر ويتعظ ويخالف هواه ، فليس من أولي العقول ، ومن ثم قال الراسخون :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8ربنا لا تزغ قلوبنا إلى آخر الآية ، فخضعوا لبارئهم لاستنزال العلم اللدني ، بعد أن استعاذوا به من الزيغ النفساني .
وقال
الخطابي :
nindex.php?page=treesubj&link=28911المتشابه على ضربين : أحدهما : ما إذا رد إلى المحكم واعتبر به عرف معناه ، والآخر : ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته ، وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله ، ولا يبلغون كنهه ، فيرتابون فيه فيفتتنون .
وقال
ابن الحصار :
nindex.php?page=treesubj&link=28911قسم الله آيات القرآن إلى محكم ومتشابه ، وأخبر عن المحكمات أنها أم الكتاب ; لأن إليها ترد المتشابهات ، وهي التي تعتمد في فهم مراد الله من خلقه في كل ما تعبدهم به من معرفته ، وتصديق رسله ، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وبهذا الاعتبار كانت أمهات .
ثم أخبر عن الذين في قلوبهم زيغ أنهم هم الذين يتبعون ما تشابه منه ، ومعنى ذلك : أن من لم يكن على يقين من المحكمات ، وفي قلبه شك واسترابة ، كانت راحته في تتبع المشكلات المتشابهات ، ومراد الشارع منها التقدم إلى فهم المحكمات ، وتقديم الأمهات ، حتى إذا حصل اليقين ورسخ العلم لم تبال بما أشكل عليك .
ومراد هذا الذي في قلبه زيغ التقدم إلى المشكلات ، وفهم المتشابه قبل فهم الأمهات ، وهو عكس المعقول والمعتاد والمشروع ، ومثل هؤلاء مثل المشركين الذين يقترحون على رسلهم آيات غير الآيات التي جاءوا بها ، ويظنون أنهم لو جاءتهم آيات أخر لآمنوا عندها ، جهلا منهم ، وما علموا أن الإيمان بإذن الله تعالى . انتهى .
وقال
الراغب في " مفردات القرآن " :
nindex.php?page=treesubj&link=28911الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب :
محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه .
nindex.php?page=treesubj&link=28911فالمتشابه بالجملة ثلاثة أضرب :
nindex.php?page=treesubj&link=28911متشابه من جهة اللفظ فقط ، ومن جهة المعنى فقط ، ومن جهتهما .
فالأول : ضربان :
[ ص: 600 ] أحدهما : يرجع إلى الألفاظ المفردة ; إما من جهة الغرابة نحو : ( الأب ) و يزفون [ الصافات : 94 ] أو الاشتراك كاليد واليمين .
وثانيهما : يرجع إلى جملة الكلام المركب ; وذلك ثلاثة أضرب :
ضرب لاختصار الكلام ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم [ النساء : 3 ] .
وضرب لبسطه ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] لأنه لو قيل : ( ليس مثله شيء ) كان أظهر للسامع .
وضرب لنظم الكلام ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما [ الكهف : 1 - 2 ] تقديره : ( أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28911والمتشابه من جهة المعنى : أوصاف الله تعالى وأوصاف القيامة ; فإن تلك الأوصاف لا تتصور لنا ، إذا كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه ، أو ليس من جنسه .
nindex.php?page=treesubj&link=28911والمتشابه من جهتهما خمسة أضرب :
الأول : من جهة الكمية ، كالعموم والخصوص ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين [ التوبة : 5 ] .
والثاني : من جهة الكيفية ، كالوجوب والندب ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء : 3 ] .
والثالث : من جهة الزمان ، كالناسخ والمنسوخ ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتقوا الله حق تقاته [ آل عمران : 102 ] .
والرابع : من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها [ البقرة : 189 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إنما النسيء زيادة في الكفر [ التوبة : 37 ] ; فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه تفسير هذه الآية .
الخامس : من جهة الشروط التي يصح بها الفعل أو يفسد ، كشروط الصلاة والنكاح .
قال : وهذه الجملة إذا تصورت ، علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم .
ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28911جميع المتشابه على ثلاثة أضرب :
nindex.php?page=treesubj&link=28911ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه ، كوقت الساعة ، وخروج الدابة ، ونحو ذلك .
nindex.php?page=treesubj&link=28911وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته ، كالألفاظ الغريبة والأحكام الفلقة .
nindex.php?page=treesubj&link=28911وضرب متردد بين الأمرين ، يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من
[ ص: 601 ] دونهم ، وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل .
وإذا عرفت هذه الجهة عرفت أن الوقف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله ووصله بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم جائز ، وأن لكل واحد منهما وجها حسبما دل عليه التفصيل المتقدم . انتهى .
وقال
الإمام فخر الدين :
nindex.php?page=treesubj&link=28905صرف اللفظ عن الراجح إلى المرجوح لا بد فيه من دليل منفصل ، وهو إما لفظي أو عقلي :
والأول : لا يمكن اعتباره في المسائل الأصولية ; لأنه لا يكون قاطعا لأنه موقوف على انتفاء الاحتمالات العشرة المعروفة ، وانتفاؤها مظنون ، والموقوف على المظنون مظنون ، والظني لا يكتفى به في الأصول .
وأما العقلي : فإنما يفيد صرف اللفظ من ظاهره لكون الظاهر محالا ، وأما إثبات المعنى المراد فلا يمكن بالعقل ; لأن طريق ذلك ترجيح مجاز على مجاز ، وتأويل على تأويل ، وذلك الترجيح لا يمكن إلا بالدليل اللفظي ، والدليل اللفظي في الترجيح ضعيف لا يفيد إلا الظن ، والظن لا يعول عليه في المسائل الأصولية القطعية ; فلهذا اختار الأئمة المحققون من السلف والخلف - بعد إقامة الدليل القاطع على أن حمل اللفظ على ظاهره محال - ترك الخوض في تعيين التأويل . انتهى .
وحسبك بهذا الكلام من الإمام .
فَصْلٌ
اخْتُلِفَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28911هَلِ الْمُتَشَابِهُ مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى عِلْمِهِ ، أَوْ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ؟
عَلَى قَوْلَيْنِ ، مَنْشَؤُهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [ آلِ عِمْرَانَ : 7 ] . هَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ وَ يَقُولُونَ حَالٌ ؟ أَوْ مُبْتَدَأٌ ، خَبَرُهُ يَقُولُونَ وَالْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ ؟
وَعَلَى الْأَوَّلِ : طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ ، مِنْهُمْ
مُجَاهِدٌ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . فَأَخْرَجَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ
مُجَاهِدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَالَ : أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَالَ : يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ ، وَيَقُولُونَ : آمَنَّا بِهِ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، قَالَ : الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ لَمْ يَعْلَمُوا نَاسِخَهُ مِنْ مَنْسُوخِهِ ، وَلَا حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ ، وَلَا مُحْكَمَهُ مِنْ مُتَشَابِهِهِ .
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ
النَّوَوِيُّ ; فَقَالَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ : إِنَّهُ الْأَصَحُّ ; لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ
[ ص: 595 ] عِبَادَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ : إِنَّهُ الظَّاهِرُ .
وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ - خُصُوصًا أَهْلَ السُّنَّةِ - فَذَهَبُوا إِلَى الثَّانِي ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
قَالَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِلَّا شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَاخْتَارَهُ
الْعُتْبِيُّ ، قَالَ : وَقَدْ كَانَ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ ، لَكِنَّهُ سَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
قَالَ وَلَا غَرْوَ ، فَإِنَّ لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةً ، وَلِكُلِّ عَالَمٍ هَفْوَةً .
قُلْتُ : وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ : مَا أَخْرَجَهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ ) .
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ - وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ بِهَا الْقِرَاءَةُ - فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهَا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ فَيُقَدَّمُ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ دُونَهُ .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى ذَمِّ مُتَّبِعِي الْمُتَشَابِهِ وَوَصْفِهِمْ بِالزَّيْغِ وَابْتِغَاءِ الْفِتْنَةِ ، وَعَلَى مَدْحِ الَّذِينَ فَوَّضُوا الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ ، وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ كَمَا مَدَحَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَيْبِ .
وَحَكَى
الْفَرَّاءُ : أَنَّ فِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا : ( وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ ) .
وَأَخْرَجَ
ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي " الْمَصَاحِفِ " مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ ، قَالَ فِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : ( وَإِنْ [ حَقِيقَةُ ] تَأْوِيلِهِ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ، عَنْ
عَائِشَةَ ، قَالَتْ : تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7أُولُو الْأَلْبَابِ [ آلِ عِمْرَانَ : 7 ] .
قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=979721فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرْهُمْ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
[ ص: 596 ] لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ثَلَاثَ خِلَالٍ : أَنْ يَكْثُرَ لَهُمُ الْمَالُ فَيَتَحَاسَدُوا فَيَقْتَتِلُوا ، وَأَنْ يُفْتَحَ لَهُمُ الْكِتَابُ فَيَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ . الْحَدِيثَ .
وَأَخْرَجَ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16709عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979723إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِيُكَذِّبَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ ، وَمَا تَشَابَهَ فَآمِنُوا بِهِ .
وَأَخْرَجَ
الْحَاكِمُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=979724كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ : زَاجِرٍ ، وَآمِرٍ ، وَحَلَالٍ ، وَحَرَامٍ ، وَمُتَشَابِهٍ ، وَأَمْثَالٍ ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ ، وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ ، وَقُولُوا : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا .
وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ نَحْوَهُ ، مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ .
[ ص: 597 ] وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا :
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ : حَلَالٌ وَحَرَامٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ ، وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ . ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا بِنَحْوِهِ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16574الْعَوْفِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ( نُؤْمِنُ بِالْمُحْكَمِ وَنَدِينُ بِهِ ، وَنُؤْمِنُ بِالْمُتَشَابِهِ وَلَا نَدِينُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كُلُّهُ ) .
وَأَخْرَجَ - أَيْضًا - عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : ( كَانَ رُسُوخُهُمْ فِي الْعِلْمِ أَنْ آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَلَا يَعْلَمُونَهُ ) .
وَأَخْرَجَ - أَيْضًا - عَنْ
أَبِي الشَّعْثَاءِ وَأَبِي نَهِيكٍ ، قَالَ : إِنَّكُمْ تَصِلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ .
وَأَخْرَجَ
الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16049سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ : أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ صَبِيغٌ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
عُمَرُ ، وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عُرْجُونًا مِنَ الْعَرَاجِينِ ، فَضَرَبَهُ حَتَّى دَمَّى رَأْسَهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ : فَضَرَبَهُ بِالْجَرِيدِ حَتَّى تَرَكَ ظَهْرَهُ دَبَرَةً ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرِأَ ، ثُمَّ عَادَ لَهُ ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرِأَ ، فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَاقْتُلْنِي قَتْلًا جَمِيلًا . فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ ، وَكَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَلَّا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
[ ص: 598 ] وَأَخْرَجَ
الدَّارِمِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ نَاسٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِمُشْتَبِهَاتِ الْقُرْآنِ ، فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ الْخَوْضَ فِيهِ مَذْمُومٌ ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ
الطَّيْبِيُّ : الْمُرَادُ بِالْمُحْكَمِ مَا اتَّضَحَ مَعْنَاهُ ، وَالْمُتَشَابِهُ بِخِلَافِهِ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يَقْبَلُ مَعْنًى : إِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ غَيْرَهُ أَوْ لَا ، وَالثَّانِي : النَّصُّ ، وَالْأَوَّلُ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ أَرْجَحَ أَوْ لَا ، وَالْأَوَّلُ : هُوَ الظَّاهِرُ ، وَالثَّانِي : إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيَهُ أَوْ لَا ، وَالْأَوَّلُ : هُوَ الْمُجْمَلُ ، وَالثَّانِي : الْمُؤَوَّلُ . فَالْمُشْتَرِكُ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ هُوَ الْمُحْكَمُ ، وَالْمُشْتَرِكُ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمَؤَوَّلِ هُوَ الْمُتَشَابِهُ .
وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّقْسِيمَ : أَنَّهُ تَعَالَى أَوْقَعَ الْمُحْكَمَ مُقَابِلًا لِلْمُتَشَابِهِ ، قَالُوا : فَالْوَاجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُحْكَمُ بِمَا يُقَابِلُهُ .
وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ أُسْلُوبُ الْآيَةِ ، وَهُوَ الْجَمْعُ مَعَ التَّقْسِيمِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى فَرَّقَ مَا جُمِعَ فِي مَعْنَى الْكِتَابِ ، بِأَنْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ، وَأَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا شَاءَ ، فَقَالَ أَوَّلًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمُ اسْتِقَامَةٌ ، فَيَتَّبِعُونَ الْمُحْكَمَ ) لَكِنَّهُ وَضَعَ مَوْضِعَ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لِإِتْيَانِ لَفْظِ الرُّسُوخِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ التَّثَبُّتِ الْعَامِّ وَالِاجْتِهَادِ الْبَلِيغِ ، فَإِذَا اسْتَقَامَ الْقَلْبُ عَلَى طُرُقِ الْإِرْشَادِ ، وَرَسَخَ الْقَدَمُ فِي الْعِلْمِ أَفْصَحَ صَاحِبُهُ النُّطْقَ بِالْقَوْلِ الْحَقِّ وَكَفَى بِدُعَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا [ آلِ عِمْرَانَ : 8 ] إِلَى آخِرِهِ . . . . شَاهِدًا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ : وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ .
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ : إِلَّا اللَّهُ تَامٌّ ، وَإِلَى أَنَّ عِلْمَ بَعْضِ الْمُتَشَابِهِ مُخْتَصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ مَنْ حَاوَلَ مَعْرِفَتَهُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ ، بِقَوْلِهِ : " ( فَاحْذَرُوهُمْ " ) .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْعَقْلُ مُبْتَلًى بِاعْتِقَادِ حَقِيَّةِ الْمُتَشَابِهِ كَابْتِلَاءِ الْبَدَنِ بِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ ، كَالْحَكِيمِ : إِذَا صَنَّفَ كِتَابًا أَجْمَلَ فِيهِ أَحْيَانًا ; لِيَكُونَ مَوْضِعَ خُضُوعِ الْمُتَعَلِّمِ لِأُسْتَاذِهِ ، وَكَالْمَلِكِ يَتَّخِذُ عَلَامَةً يَمْتَازُ بِهَا مَنْ يُطْلِعُهُ عَلَى سِرِّهِ .
[ ص: 599 ] وَقِيلَ : لَوْ لَمْ يُبْتَلَ الْعَقْلُ - الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْبَدَنِ - لَاسْتَمَرَّ الْعَالِمُ فِي أُبَّهَةِ الْعِلْمِ عَلَى التَّمَرُّدِ ، فَبِذَلِكَ يَسْتَأْنِسُ إِلَى التَّذَلُّلِ بِعِزِّ الْعُبُودِيَّةِ ، وَالْمُتَشَابِهُ هُوَ مَوْضِعُ خُضُوعِ الْعُقُولِ لِبَارِئِهَا اسْتِسْلَامًا وَاعْتِرَافًا بِقُصُورِهَا .
وَفِي خَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ تَعْرِيضٌ بِالزَّائِغِينَ ، وَمَدْحٌ لِلرَّاسِخِينَ ، يَعْنِي : مَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَيَتَّعِظْ وَيُخَالِفْ هَوَاهُ ، فَلَيْسَ مِنْ أُولِي الْعُقُولِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الرَّاسِخُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَخَضَعُوا لِبَارِئِهِمْ لِاسْتِنْزَالِ الْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ ، بَعْدَ أَنِ اسْتَعَاذُوا بِهِ مِنَ الزَّيْغِ النَّفْسَانِيِّ .
وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=28911الْمُتَشَابِهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا إِذَا رُدَّ إِلَى الْمُحْكَمِ وَاعْتُبِرَ بِهِ عُرِفَ مَعْنَاهُ ، وَالْآخَرُ : مَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُهُ أَهْلُ الزَّيْغِ فَيَطْلُبُونَ تَأْوِيلَهُ ، وَلَا يَبْلُغُونَ كُنْهَهُ ، فَيَرْتَابُونَ فِيهِ فَيَفْتَتِنُونَ .
وَقَالَ
ابْنُ الْحَصَّارِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28911قَسَّمَ اللَّهُ آيَاتِ الْقُرْآنِ إِلَى مُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ ، وَأَخْبَرَ عَنِ الْمُحْكَمَاتِ أَنَّهَا أُمُّ الْكِتَابِ ; لِأَنَّ إِلَيْهَا تُرَدُّ الْمُتَشَابِهَاتُ ، وَهِيَ الَّتِي تُعْتَمَدُ فِي فَهْمِ مُرَادِ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ فِي كُلِّ مَا تَعَبَّدَهُمْ بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ ، وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَتْ أُمَّهَاتٍ .
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْمُحْكَمَاتِ ، وَفِي قَلْبِهِ شَكٌّ وَاسْتِرَابَةٌ ، كَانَتْ رَاحَتُهُ فِي تَتَبُّعِ الْمُشْكِلَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ ، وَمُرَادُ الشَّارِعِ مِنْهَا التَّقَدُّمُ إِلَى فَهْمِ الْمُحْكَمَاتِ ، وَتَقْدِيمِ الْأُمَّهَاتِ ، حَتَّى إِذَا حَصَلَ الْيَقِينُ وَرَسَخَ الْعِلْمُ لَمْ تُبَالِ بِمَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ .
وَمُرَادُ هَذَا الَّذِي فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ التَّقَدُّمُ إِلَى الْمُشْكِلَاتِ ، وَفَهْمِ الْمُتَشَابِهِ قَبْلَ فَهْمِ الْأُمَّهَاتِ ، وَهُوَ عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَالْمُعْتَادِ وَالْمَشْرُوعِ ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ مِثْلُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَقْتَرِحُونَ عَلَى رُسُلِهِمْ آيَاتٍ غَيْرَ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لَوْ جَاءَتْهُمْ آيَاتٌ أَخَرُ لَآمَنُوا عِنْدَهَا ، جَهْلًا مِنْهُمْ ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى . انْتَهَى .
وَقَالَ
الرَّاغِبُ فِي " مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ " :
nindex.php?page=treesubj&link=28911الْآيَاتُ عِنْدَ اعْتِبَارِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ :
مُحْكَمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَمُتَشَابِهٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَمُحْكَمٌ مِنْ وَجْهٍ مُتَشَابِهٌ مِنْ وَجْهٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=28911فَالْمُتَشَابِهُ بِالْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=28911مُتَشَابِهٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَقَطْ ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ ، وَمِنْ جِهَتِهِمَا .
فَالْأَوَّلُ : ضَرْبَانِ :
[ ص: 600 ] أَحَدُهُمَا : يَرْجِعُ إِلَى الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ ; إِمَّا مِنْ جِهَةِ الْغَرَابَةِ نَحْوَ : ( الْأَبِ ) وَ يَزِفُّونَ [ الصَّافَّاتِ : 94 ] أَوِ الِاشْتِرَاكِ كَالْيَدِ وَالْيَمِينِ .
وَثَانِيهِمَا : يَرْجِعُ إِلَى جُمْلَةِ الْكَلَامِ الْمُرَكَّبِ ; وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ :
ضَرْبٌ لِاخْتِصَارِ الْكَلَامِ ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [ النِّسَاءِ : 3 ] .
وَضَرْبٌ لِبَسْطِهِ ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ الشُّورَى : 11 ] لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ : ( لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ ) كَانَ أَظْهَرَ لِلسَّامِعِ .
وَضَرْبٌ لِنَظْمِ الْكَلَامِ ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا [ الْكَهْفِ : 1 - 2 ] تَقْدِيرُهُ : ( أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28911وَالْمُتَشَابِهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى : أَوْصَافُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْصَافُ الْقِيَامَةِ ; فَإِنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ لَا تَتَصَوَّرُ لَنَا ، إِذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ فِي نُفُوسِنَا صُورَةٌ مَا لَمْ نُحِسَّهُ ، أَوْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28911وَالْمُتَشَابِهُ مِنْ جِهَتِهِمَا خَمْسَةُ أَضْرُبٍ :
الْأَوَّلُ : مِنْ جِهَةِ الْكَمِّيَّةِ ، كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [ التَّوْبَةِ : 5 ] .
وَالثَّانِي : مِنْ جِهَةِ الْكَيْفِيَّةِ ، كَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [ النِّسَاءِ : 3 ] .
وَالثَّالِثُ : مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ ، كَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [ آلِ عِمْرَانَ : 102 ] .
وَالرَّابِعُ : مِنْ جِهَةِ الْمَكَانِ وَالْأُمُورِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا ، نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا [ الْبَقَرَةِ : 189 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [ التَّوْبَةِ : 37 ] ; فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ عَادَتَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ .
الْخَامِسُ : مِنْ جِهَةِ الشُّرُوطِ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا الْفِعْلُ أَوْ يَفْسُدُ ، كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالنِّكَاحِ .
قَالَ : وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِذَا تُصُوِّرَتْ ، عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْمُتَشَابِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ التَّقَاسِيمِ .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28911جَمِيعُ الْمُتَشَابِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=28911ضَرْبٌ لَا سَبِيلَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ ، كَوَقْتِ السَّاعَةِ ، وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28911وَضَرْبٌ لِلْإِنْسَانِ سَبِيلٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، كَالْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَحْكَامِ الْفَلِقَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28911وَضَرْبٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ بَعْضُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَيَخْفَى عَلَى مَنْ
[ ص: 601 ] دُونَهُمْ ، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ .
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْجِهَةَ عَرَفْتَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَوَصْلَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ جَائِزٌ ، وَأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهًا حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ . انْتَهَى .
وَقَالَ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28905صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الرَّاجِحِ إِلَى الْمَرْجُوحِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ ، وَهُوَ إِمَّا لَفْظِيٌّ أَوْ عَقْلِيٌّ :
وَالْأَوَّلُ : لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاطِعًا لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالَاتِ الْعَشْرَةِ الْمَعْرُوفَةِ ، وَانْتِفَاؤُهَا مَظْنُونٌ ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَظْنُونِ مَظْنُونٌ ، وَالظَّنِّيُّ لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي الْأُصُولِ .
وَأَمَّا الْعَقْلِيُّ : فَإِنَّمَا يُفِيدُ صَرْفَ اللَّفْظِ مِنْ ظَاهِرِهِ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ مُحَالًا ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَلَا يُمْكِنُ بِالْعَقْلِ ; لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ تَرْجِيحُ مَجَازٍ عَلَى مَجَازٍ ، وَتَأْوِيلٍ عَلَى تَأْوِيلٍ ، وَذَلِكَ التَّرْجِيحُ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ ، وَالدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ فِي التَّرْجِيحِ ضَعِيفٌ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ ، وَالظَّنُّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ ; فَلِهَذَا اخْتَارَ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - بَعْدَ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مُحَالٌ - تَرْكَ الْخَوْضِ فِي تَعْيِينِ التَّأْوِيلِ . انْتَهَى .
وَحَسْبُكَ بِهَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْإِمَامِ .