الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : قولهم : لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه ، وهكذا .

قال ابن الجزري : إنما يريدون به الجواز الأدائي ، وهو الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة ، ولا يريدون بذلك أنه حرام ولا مكروه ، اللهم إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن وخلاف المعنى الذي أراده الله ، فإنه يكفر فضلا ، عن أن يأثم .

الثاني : قال ابن الجزري - أيضا - : ليس كل ما يتعسفه بعض المعربين أو يتكلفه بعض القراء ، أو يتأوله بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفا وابتداء ينبغي أن يتعمد الوقف عليه ، بل ينبغي تحري المعنى الأتم ، والوقف الأوجه ; وذلك نحو : الوقف على : ( وارحمنا أنت ) والابتداء ( مولانا فانصرنا ) [ البقرة : 286 ] على معنى النداء .

ونحو : ثم جاءوك يحلفون ويبتدئ بالله إن أردنا [ النساء : 62 ] .

ونحو : يابني لا تشرك [ لقمان : 13 ] ويبتدئ : بالله إن الشرك على معنى القسم .

ونحو : وما تشاءون إلا أن يشاء ويبتدئ الله رب العالمين [ التكوير : 29 ] .

ونحو : ( فلا جناح ) ويبتدئ عليه أن يطوف بهما [ البقرة : 158 ] فكله تعسف وتمحل وتحريف للكلم ، عن مواضعه .

الثالث : يغتفر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك ، وفي حالة جمع القراءات ، وقراءة التحقيق والتنزيل ما لا يغتفر في غيرها ، فربما أجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر ، ولو كان لغير ذلك لم يبح ، وهذا الذي سماه السجاوندي المرخص ضرورة ، ومثله بقوله : والسماء بناء [ البقرة : 22 ] .

قال ابن الجزري : والأحسن تمثيله بنحو : قبل المشرق والمغرب [ البقرة : 177 ] ، [ ص: 286 ] وبنحو : ( والنبيين ) [ البقرة : 177 ] وبنحو : وأقام الصلاة وآتى الزكاة [ البقرة : 177 ] ، وبنحو : عاهدوا [ البقرة : 177 ] وبنحو : كل من فواصل : قد أفلح المؤمنون [ المؤمنون : 1 ] إلى آخر القصة .

وقال صاحب " المستوفى " : النحويون يكرهون الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التام ، فإن طال الكلام ولم يوجد فيه وقف تام ، حسن الأخذ بالناقص ، كقوله : ( قل أوحي ) إلى قوله : فلا تدعوا مع الله أحدا إن كسرت بعده إن ، وإن فتحتها فإلى قوله : كادوا يكونون عليه لبدا [ الجن : 1 - 19 ] .

قال : ويحسن الوقف الناقص أمور :

منها : أن يكون لضرب من البيان ، كقوله : ولم يجعل له عوجا فإن الوقف هنا يبين أن قيما [ الكهف : 1 - 2 ] منفصل عنه ، وأنه حال في نية التقديم . وكقوله : وبنات الأخت [ النساء : 23 ] ليفصل به بين التحريم النسبي والسببي .

ومنها : أن يكون الكلام مبنيا على الوقف ، نحو : ياليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه [ الحاقة : 25 - 26 ] .

قال ابن الجزري : وكما اغتفر الوقف لما ذكر ، قد لا يغتفر ولا يحسن فيما قصر من الجمل ، وإن لم يكن التعلق لفظيا ، نحو :ولقد آتينا موسى الكتاب ، وآتينا عيسى ابن مريم البينات [ البقرة : 87 ] لقرب الوقف على ( بالرسل ) [ البقرة : 87 ] وعلى ( القدس ) [ البقرة : 87 ] .

وكذا يراعى في الوقف الازدواج ، فيوصل ما يوقف على نظيره مما يوجد التمام عليه وانقطع تعلقه بما بعده لفظا ، وذلك من أجل ازدواجه ، نحو : لها ما كسبت ولكم ما كسبتم [ البقرة : 134 ] ونحو : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه [ البقرة : 203 ] مع ومن تأخر فلا إثم عليه . ونحو : يولج الليل في النهار مع ويولج النهار في الليل [ فاطر : 13 ] ونحو : من عمل صالحا فلنفسه مع ومن أساء فعليها [ فصلت : 46 ] .

الرابع : قد يجيزون الوقف على حرف وعلى آخر ، ويكون بين الوقفين مراقبة على التضاد فإذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر كمن أجاز الوقف على : لا ريب فإنه لا يجيزه على فيه والذي يجيزه على فيه لا يجيزه على لا ريب [ البقرة : 2 ] .

[ ص: 287 ] وكالوقف على : ولا يأب كاتب أن يكتب فإن بينه وبين كما علمه الله [ البقرة : 282 ] مراقبة . والوقف على : وما يعلم تأويله إلا الله فإن بينه وبين والراسخون في العلم [ آل عمران : 7 ] مراقبة .

قال ابن الجزري : وأول من نبه على المراقبة في الوقف أبو الفضل الرازي ، أخذه من المراقبة في العروض .

الخامس : قال ابن مجاهد : لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحوي عالم بالقراءات ، عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض ، عالم باللغة التي نزل بها القرآن .

وقال غيره : وكذا علم الفقه ، ولهذا من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب يقف عند قوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا [ النور : 4 ] وممن صرح بذلك النكزاوي ، فقال في كتاب الوقف : لا بد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين في الفقه ; لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء ; لأن في القرآن مواضع ينبغي الوقف على مذهب بعضهم ، ويمتنع على مذهب آخرين .

فأما احتياجه إلى علم النحو وتقديراته : فلأن من جعل ملة أبيكم إبراهيم [ الحج : 78 ] منصوبا على الإغراء وقف على ما قبله ، أما إذا عمل فيه ما قبله فلا .

وأما احتياجه إلى القراءات : فلما تقدم من أن الوقف قد يكون تاما على قراءة غير تام على أخرى .

وأما احتياجه إلى التفسير فلأنه إذا وقف على : فإنها محرمة عليهم أربعين سنة [ المائدة : 26 ] كان المعنى : إنها محرمة عليهم هذه المدة ، وإذا وقف على ( عليهم ) كان المعنى إنها محرمة عليهم أبدا ، وأن التيه أربعين ; فرجع هذا إلى التفسير وقد تقدم أيضا أن الوقف - يكون - تاما على تفسير وإعراب ، غير تام على تفسير وإعراب آخر .

وأما احتياجه إلى المعنى : فضرورة ; لأن معرفة مقاطع الكلام إنما تكون بعد معرفة معناه ، كقوله : ولا يحزنك قولهم إن العزة لله [ يونس : 65 ] فقوله : ( إن العزة ) استئناف ، لا مقولهم . وقوله : فلا يصلون إليكما بآياتنا ويبتدئ ( أنتما ) [ القصص : 35 ] .

وقال الشيخ عز الدين : الأحسن الوقف على إليكما ; لأن إضافة الغلبة إلى الآيات [ ص: 288 ] أولى من إضافة عدم الوصول إليها ; لأن المراد بالآيات العصا وصفاتها ، وقد غلبوا بها السحرة ، ولم تمنع عنهم فرعون .

وكذا الوقف على قوله : ولقد همت به ويبتدئ ( وهم بها ) [ يوسف : 24 ] على أن المعنى : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فقدم جواب لولا ويكون همه منتفيا ، فعلم بذلك أن معرفة المعنى أصل في ذلك كبير .

السادس : حكى ابن برهان النحوي ، عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة : أنه ذهب إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام والناقص والحسن والقبيح وتسميته بذلك بدعة ، ومتعمد الوقوف على نحوه مبتدع ; قال : لأن القرآن معجز ، وهو كاللفظة الواحدة فكله قرآن ، وبعضه قرآن ، وكله تام حسن ، وبعضه تام حسن .

السابع : لأئمة القراء مذاهب في الوقف والابتداء .

فنافع : كان يراعي تجانسهما بحسب المعنى .

وابن كثير وحمزة : حيث ينقطع النفس ، واستثنى ابن كثير : وما يعلم تأويله إلا الله [ آل عمران : 7 ] . وما يشعركم [ الأنعام : 109 ] . إنما يعلمه بشر [ النحل : 103 ] فتعمد الوقف عليها .

وعاصم والكسائي : حيث تم الكلام .

وأبو عمرو يتعمد رءوس الآي ، ويقول : هو أحب إلي ، فقد قال بعضهم : إن الوقف عليه سنة .

وقال البيهقي في " الشعب " وآخرون : الأفضل الوقف على رءوس الآيات ، وإن تعلقت بما بعدها اتباعا لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته .

روى أبو داود وغيره : عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية ، يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يقف الحمد لله رب العالمين ، ثم يقف الرحمن الرحيم ، ثم يقف .

الثامن : الوقف والقطع والسكت . عبارات يطلقها المتقدمون غالبا مرادا بها الوقف . والمتأخرون فرقوا فقالوا : [ ص: 289 ] القطع : عبارة ، عن قطع القراءة رأسا ، فهو كالانتهاء ، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة ، والمنتقل إلى حالة أخرى غيرها ، وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة ، ولا يكون إلا على رأس آية ; لأن رءوس الآي في نفسها مقاطع .

وأخرج سعيد بن منصور في سننه : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل أنه قال : كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآيات ويدعوا بعضها . إسناده صحيح ، وعبد الله بن أبي الهذيل تابعي كبير ، وقوله : ( كانوا ) يدل على أن الصحابة كانوا يكرهون ذلك .

والوقف : عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة ، بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض ، ويكون في رءوس الآي وأوساطها ولا يأتي في وسط الكلمة ، ولا فيما اتصل رسما .

والسكت : عبارة عن قطع الصوت زمنا ، هو دون زمن الوقف عادة ، من غير تنفس . واختلاف ألفاظ الأئمة في التأدية عنه مما يدل على طوله وقصره : فعن حمزة في السكت على الساكن قبل الهمزة سكتة يسيرة . وقال الأشناني : قصيرة ، وعن الكسائي : سكتة مختلسة من غير إشباع . وقال ابن غلبون : وقفة يسيرة . وقال مكي : وقفة خفيفة . وقال ابن شريح : وقيفة . وعن قتيبة من غير قطع نفس . وقال الداني : سكتة لطيفة من غير قطع . وقال الجعبري : قطع الصوت زمنا قليلا أقصر من زمن إخراج النفس لأنه إن طال صار وقفا . في عبارات أخر . قال ابن الجزري : والصحيح أنه مقيد بالسماع والنقل ، ولا يجوز إلا فيما صحت الرواية به ، لمعنى مقصود بذاته . وقيل : يجوز في رءوس الآي مطلقا حالة الوصل ، لقصد البيان . وحمل بعضهم الحديث الوارد على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية