(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28977ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ) ، ( قضى ) ، إن كانت هنا بمعنى قدر وكتب ، كانت ( ثم ) هنا للترتيب في الذكر ، لا في الزمان; لأن ذلك سابق على خلقنا ، إذ هي صفة ذات ، وإن كانت بمعنى ( أظهر ) ، كانت للترتيب الزماني على أصل وضعها; لأن ذلك متأخر عن خلقنا ، فهي صفة فعل . والظاهر من تنكير الأجلين ، أنه تعالى أبهم أمرهما . وقال
الحسن :
ومجاهد وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=15822وخصيف وقتادة : الأول أجل الدنيا من وقت الخلق إلى الموت ، والثاني أجل الآخرة; لأن الحياة في الآخرة ، لا انقضاء لها ، ولا يعلم كيفية الحال في هذا الأجل ، إلا الله تعالى . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الأول ، هو وفاته بالنوم ، والثاني بالموت . وقال أيضا : الأول أجل الدنيا ، والثاني الآخرة . وقال
مجاهد أيضا : الأول الآخرة ، والثاني الدنيا . وقال
ابن زيد : الأول ، هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم ، والمسمى في هذه الحياة الدنيا . وقال
أبو مسلم : الأول أجل الماضين ، والثاني أجل الباقين ، ووصفه بأنه مسمى عنده; لأنه تعالى مختص به بخلاف الماضين ، فإنهم لما ماتوا علمت آجالهم . وقيل : الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ . وقيل : الأول مقدار ما انقضى من عمر كل إنسان ، والثاني مقدار ما بقي . وقيل : الأول أجل الأمم السالفة ، والثاني أجل هذه الأمة . وقيل : الأول ما علمناه أنه لا نبي بعد
محمد - صلى الله عليه وسلم - ،
[ ص: 71 ] والثاني من الآخرة . وقيل : الأول ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن ، والثاني قيام الساعة . وقيل : الأول من أوقات الأهلة وما أشبهها ، والثاني موت الإنسان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد أيضا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2قضى أجلا ) بانقضاء الدنيا ، والثاني لابتداء الآخرة . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : لكل أحد أجلان ، فإن كان تقيا وصولا للرحم ، زيد له من أجل البعث في أجل العمر ، وإن كان بالعكس ، نقص من أجل العمر ، وزيد في أجل البعث . وقال
أبو عبد الله الرازي : لكل إنسان أجلان الطبيعي والاخترامي . فالطبيعي; هو الذي لو بقي ذلك المزاج مصونا عن العوارض الخارجة ، لانتهت مدة بقائه إلى الأوقات الفلكية . والاخترامي; هو الذي يحصل بسبب الأسباب الخارجية ، كالحرق والغرق ، ولدغ الحشرات وغيرها من الأمور المنفصلة انتهى . وهذا قول المعتزلة ، وهو نقله عنهم وقال : هذا قول حكماء الإسلام انتهى . ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2مسمى عنده ) معلوم عنده ، أو مذكور في اللوح المحفوظ ، وعنده مجاز عن علمه ، ولا يراد به المكان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفا ، وجب تقديمه فلما جاز تقديمه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وأجل مسمى عنده ) .
قلت : لأنه تخصيص بالصفة فقارب المعرفة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221ولعبد مؤمن خير من مشرك ) انتهى . وهذا الذي ذكره من مسوغ الابتداء بالنكرة; لكونها وصفت لا يتعين هنا أن يكون هو المسوغ; لأنه يجوز أن يكون المسوغ هو التفصيل; لأن من مسوغات الابتداء بالنكرة ، أن يكون الموضع موضع تفصيل ، نحو قوله :
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له بشق وشق عندنا لم يحول
وقد سبق كلامنا على هذا البيت ، وبينا أنه لا يجوز أن يكون عندنا في موضع الصفة ، بل يتعين أن يكون في موضع الخبر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : الكلام السائر أن يقال : عندي ثوب جيد ، ولي عبد كيس ، وما أشبه ذلك . قلت : أوجبه أن المعنى وأي ( أجل مسمى عنده ) تعظيما لشأن الساعة ، فلما جرى فيه هذا المعنى ، وجب التقديم انتهى . وهذا لا يجوز لأنه إذا كان التقدير وأي ( أجل مسمى عنده ) ، كانت أي صفة لموصوف محذوف ، تقديره : وأجل أي ( أجل مسمى عنده ) ، ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت أيا ، ولا حذف موصوفها وإبقاؤها ، فلو قلت : مررت بأي رجل ، تريد برجل أي رجل ، لم يجز ( وتمترون ) معناه تشكون أو تجادلون جدال الشاكين ، والتماري المجادلة على مذهب الشك ، قاله بعض المفسرين . والكلام في ( ثم ) هنا كالكلام فيها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثم الذين كفروا ) والذي يظهر لي أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هو الذي خلقكم ) على جهة الخطاب ، هو التفات من الغائب الذي هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثم الذين كفروا ) ، وإن كان الخلق وقضاء الأجل ليس مختصا بالكفار ، إذ اشترك فيه المؤمن والكافر ، لكنه قصد به الكافر; تنبيها له على أصل خلقه ، وقضاء الله تعالى عليه وقدرته ، وإنما قلت إنه من باب الالتفات; لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثم أنتم تمترون ) ، لا يمكن أن يندرج في هذا الخطاب من اصطفاه الله بالنبوة والإيمان .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) لما تقدم ما يدل على القدرة التامة والاختيار ، ذكر ما
[ ص: 72 ] يدل على العلم التام ، فكان في التنبيه على هذه الأوصاف دلالة على كونه تعالى قادرا مختارا عالما بالكليات والجزئيات ، وإبطالا لشبه منكر المعاد . والظاهر أن ( هو ) ضمير عائد على ما عادت عليه الضمائر قبله (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله ) وهذا قول الجمهور ، قاله
الكرماني . وقال
أبو علي : ( هو ) ضمير الشأن ( والله ) مبتدأ خبره ما بعده ، والجملة مفسرة لضمير الشأن ، وإنما فر إلى هذا; لأنه إذا لم يكن ضمير الشأن كان عائدا على الله تعالى ، فيصير التقدير الله و ( الله ) ، فينعقد مبتدأ وخبر من اسمين متحدين لفظا ومعنى ، لا نسبة بينهما إسنادية ، وذلك لا يجوز ، فلذلك ، والله أعلم ، تأول .
أبو علي : الآية على أن الضمير ضمير الأمر ( والله ) ، خبره يعلم في (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3السماوات وفي الأرض ) متعلق بـ ( يعلم ) ، والتقدير; الله يعلم (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات وفي الأرض ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3سركم وجهركم ) ، ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج إلى أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) متعلق بما تضمنه اسم الله من المعاني ، كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب . قال
ابن عطية : وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى ، وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه ، وآثار قدرته وإحاطته واستيلائه ، ونحو هذه الصفات ، فجمع هذه كلها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله ) أي الذي له هذه كلها (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات وفي الأرض ) ، كأنه قال : وهو الخالق الرازق ، والمحيي المحيط في السماوات ، وفي الأرض ، كما تقول : زيد السلطان في
الشام والعراق ، فلو قصدت ذات زيد ، لقلت : محالا ، وإذا كان مقصد قولك زيد السلطان ، الآمر الناهي ، الناقض المبرم ، الذي يعزل ويولي في الشام والعراق ، فأقمت السلطان مقام هذه كلها ، كان فصيحا صحيحا ، فكذلك في الآية أقام لفظة ( الله ) مقام تلك الصفات المذكورة انتهى . وما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وأوضحه
ابن عطية صحيح من حيث المعنى ، لكن صناعة النحو لا تساعد عليه; لأنهما زعما أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) متعلق بلفظ ( الله ) لما تضمنه من المعاني ، ولا تعمل تلك المعاني جميعها في اللفظ; لأنه لو صرح بها جميعها ، لم تعمل فيه ، بل العمل من حيث اللفظ لواحد منها ، وإن كان (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) متعلقا بها جميعها من حيث المعنى ، بل الأولى أن يعمل في المجرور ما تضمنه لفظ ( الله ) من معنى الألوهية ، وإن كان لفظ ( الله ) علما; لأن الظرف والمجرور قد يعمل فيهما العلم بما تضمنه من المعنى ، كما قال : أنا
أبو المنهال بعض الأحيان ، فـ ( بعض ) منصوب بما تضمنه أبو المنهال ، كأنه قال : أنا المشهور بعض الأحيان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : نحوا من هذا ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) متعلق بمعنى اسم الله ، كأنه قيل : وهو المعبود فيهما ، ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) أي : وهو المعروف بالإلهية ، أو المتوحد بالإلهية فيها ، أو هو الذي يقال له : الله فيها لا يشرك في هذا الاسم انتهى . فانظر
[ ص: 73 ] تقاديره كلها ، كيف قدر العامل واحدا من المعاني لا جميعها . وقالت فرقة ( هو ) على تقدير صفة حذفت ، وهي مرادة في المعنى ، كأنه قيل : هو الله المعبود (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات وفي الأرض ) وقدرها بعضهم ، وهو الله المدبر (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات وفي الأرض ) . وقالت فرقة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله ) تم الكلام هنا . ثم استأنف ما بعده ، وتعلق المجرور بـ ( يعلم ) . وقالت فرقة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله ) تام ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات وفي الأرض ) متعلق بمفعول ( يعلم ) وهو (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3سركم وجهركم ) ، والتقدير يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض ، وهذا يضعف; لأن فيه تقديم مفعول المصدر الموصول عليه . والعجب من النحاس حيث قال : هذا من أحسن ما قيل : فيه . وقالت فرقة : هو ضمير الأمر ، والله مرفوع على الابتداء ، وخبره (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) ، والجملة خبر عن ضمير الأمر; وتم الكلام ، ثم استأنف فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ) أي : ويعلم في الأرض . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير نحوا من هذا ، إلا أن ( هو ) عائد على ما عادت عليه الضمائر قبل ، وليس ضمير الأمر ، وقيل : يتعلق (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) بقوله : ( تكسبون ) هذا خطأ لأن ( ما ) موصولة بـ ( تكسبون ) ، وسواء كانت حرفا مصدريا ، أم اسما بمعنى ( الذي ) ، فإنه لا يجوز تقديم معمول الصلة على الموصول . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) حال من المصدر الذي هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3سركم وجهركم ) تقدم على ذي الحال ، وعلى العامل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3الله في السماوات ) خبرا بعد خبر ، على معنى أنه الله ، وأنه في السماوات والأرض ، بمعنى أنه عالم بما فيهما ، لا يخفى عليه شيء منه ، كأن ذاته فيها ، وهو ضعيف; لأن المجرور بـ ( في ) لا يدل على وصف خاص ، إنما يدل على كون مطلق . وعلى هذه الأقوال ينبني إعراب هذه الآية ، وإنما ذهب أهل العلم إلى هذه التأويلات ، والخروج عن ظاهر (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات وفي الأرض ) لما قام عليه دليل العقل من استحالة حلول الله تعالى في الأماكن ، ومماسة الإجرام ، ومحاذاته لها ، وتحيزه في جهة ، قال معناه ، وبعض لفظه
ابن عطية . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3يعلم سركم ) إلى آخره خبر في ضمنه تحذير وزجر . قال
أبو عبد الله الرازي : المراد بالسر : صفات القلوب ، وهو الدواعي والصوارف ، وبالجهر أعمال الجوارح ، وقدم السر لأن ذكر المؤثر في الفعل ، هو مجموع القدرة مع الداعي ، فالداعية التي هي من باب السر ، هي المؤثرة في أعمال الجوارح المسماة بالجهر ، وقد ثبت أن العلم بالعلة ، علة العلم بالمعلول ، والعلة متقدمة على المعلول ، والمقدم بالذات يجب تقديمه بحسب اللفظ انتهى . قال
التبريزي : معناه يعلم ما تخفونه من أعمالكم ونياتكم ، وما تظهرون من أعمالكم ، وما تكسبون عام لجميع الاعتقادات والأقوال والأفعال ، وكسب كل إنسان عمله المفضي به إلى اجتلاب نفع ، أو دفع ضر ، ولهذا لا يوصف به الله تعالى . وقال
أبو عبد الله الرازي : وفي أول كلامه شيء من معنى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، يجب حمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3ما تكسبون ) على ما يستحقه الإنسان على فعله من ثواب وعقاب ، فهو محمول على المكتسب ، كما يقال هذا المال كسب فلان; أي مكتسبه ، ولا يجوز حمله على نفس الكسب ، وإلا لزم عطف الشيء على نفسه . وفي هذه الآية رد على
المعطلة والثنوية والحشوية والفلاسفة انتهى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : كيف موقع قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3يعلم سركم وجهركم ) ، قلت : إن أراد المتوحد بالإلهية ، كان تقريرا له; لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية ، هو الله وحده ، وكذلك إذا جعلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات ) خبرا بعد خبر ، وإلا فهو كلام مبتدأ ، أو خبر ثالث انتهى . وهذا على مذهب من يجيز أن يكون للمبتدأ أخبار متعددة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28977وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) . ( من ) الأولى زائدة لاستغراق الجنس ، ومعنى الزيادة فيها أن ما بعدها معمول لما قبلها فاعل بقوله : ( تأتيهم ) ، فإذا كانت
[ ص: 74 ] النكرة بعدها مما لا يستعمل إلا في النفي العام ، كانت ( من ) لتأكيد الاستغراق ، نحو : ما في الدار من أحد ، وإذا كانت مما يجوز أن يراد بها الاستغراق ، ويجوز أن يراد بها نفي الوحدة ، أو نفي الكمال ، كانت ( من ) ، دالة على الاستغراق ، نحو : ما قام من رجل . و ( من ) الثانية للتبعيض . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يعني وما يظهر لهم قط دليل من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار ، إلا كانوا عنه ( معرضين ) تاركين للنظر ، لا يلتفتون إليه ، ولا يرفعون به رأسا; لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب انتهى . واستعمال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قط مع المضارع في قوله : وما يظهر لهم قط دليل ، ليس بجيد; لأن قط ظرف مختص بالماضي ، إلا إن كان أراد بقوله : وما يظهر ، وما ظهر ، ولا حاجة إلى استعمال ذلك . وقيل : ( الآية ) هنا العلامة على وحدانية الله ، وانفراده بالألوهية . وقيل : الرسالة . وقيل : المعجز الخارق . وقيل : القرآن ، ومعنى ( عنها ) أي : عن قبولها أو سماعها ، والإعراض ضد الإقبال ، وهو مجاز ، إذ حقيقته في الأجسام ، والجملة من قوله : ( كانوا ) ومتعلقها في موضع الحال ، فيكون ( تأتيهم ) ماضي المعنى; لقوله : ( كانوا ) ، أو يكون ( كانوا ) مضارع المعنى; لقوله : ( تأتيهم ) ، وذو الحال ، هو الضمير في ( تأتيهم ) ، ولا يأتي ماضيا إلا بأحد شرطين ، أحدهما : أن يسبقه فعل كما في هذا الآية ، والثاني أن تدخل على ذلك الماضي ( قد ) ، نحو ما زيد إلا قد ضرب عمرا ، وهذا التفات ، وخروج من الخطاب إلى الغيبة ، والضمير عائد على ( الذين كفروا ) . وتضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء ( الذين كفروا ) بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم ، ولما تقدم الكلام أولا في التوحيد ، وثانيا في المعاد ، وثالثا في تقرير هذين المطلوبين ، ذكر بعد ذلك ما يتعلق بتقرير النبوة ، وبين فيه أنهم أعرضوا عن تأمل الدلائل ، ويدل ذلك على أن التقليد باطل ، وأن التأمل في الدلائل ، واجب ، ولذلك ذموا بإعراضهم عن الدلائل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28977فقد كذبوا بالحق لما جاءهم ) ، ( الحق ) القرآن أو الإسلام أو
محمد أو انشقاق القمر أو الوعد أو الوعيد ، أقوال ، والذي يظهر أنه الآية التي تأتيهم ، وكأنه قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فقد كذبوا ) بالآية التي تأتيهم ، وهي ( الحق ) فأقام الظاهر مقام المضمر; لما في ذلك من وصفه بالحق ، وحقيقته كونه من آيات الله تعالى . وظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فقد كذبوا ) أن الفاء للتعقيب ، وأن إعراضهم عن الآية أعقبه التكذيب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فقد كذبوا ) مردود على كلام محذوف ، كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فقد كذبوا ) بما هو أعظم آية وأكبرها ، وهو الحق لما جاءهم ، يعني القرآن الذي تحدوا به على تبالغهم في الفصاحة ، فعجزوا عنه انتهى . ولا ضرورة تدعو إلى شرط محذوف ، إذ الكلام منتظم بدون هذا التقدير .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ) هذا يدل على أنهم وقع منهم الاستهزاء ،
[ ص: 75 ] فيكون في الكلام معطوف محذوف ، دل عليه آخر الآية ، وتقديره : واستهزءوا به (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فسوف يأتيهم ) وهذه رتب ثلاث صدرت من هؤلاء الكفار ، الإعراض عن تأمل الدلائل ، ثم أعقب الإعراض التكذيب ، وهو أزيد من الإعراض ، إذ المعرض قد يكون غافلا عن الشيء ، ثم أعقب التكذيب الاستهزاء ، وهو أزيد من التكذيب ، إذ المكذب قد لا يبلغ إلى حد الاستهزاء ، وهذه هي المبالغة في الإنكار . والنبأ : الخبر الذي يعظم وقعه ، وفي الكلام حذف مضاف; أي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فسوف يأتيهم ) مضمن ( أنباء ) ، فقال قوم : المراد ما عذبوا به في الدنيا من القتل والسبي والنهب والإجلاء ، وغير ذلك ، وخصص بعضهم ذلك بيوم بدر . وقيل : هو عذاب الآخرة ، وتضمنت هذه الجملة التهديد والزجر والوعيد ، كما تقول : اصنع ما تشاء ، فسيأتيك الخبر ، وعلق التهديد بالاستهزاء دون الإعراض والتكذيب ، لتضمنه إياهما ، إذ هو الغاية القصوى في إنكار الحق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وهو القرآن; أي أخباره وأحواله ، بمعنى سيعلمون بأي شيء استهزءوا ، وسيظهر لهم أنه لم يكن موضع استهزاء ، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته انتهى . وهو على عادته في الإسهاب وشرح اللفظ والمعنى مما لا يدلان عليه . وجاء هنا تقييد الكذب بالحق ، والتنفيس بـ ( سوف ) . وفي الشعراء ، فقد كذبوا فسيأتيهم; لأن الأنعام متقدمة في النزول على الشعراء ، فاستوفى فيها اللفظ ، وحذف من الشعراء ، وهو مراد حالة على الأول ، وناسب الحذف الاختصار في حرف التنفيس ، فجاء بالسين . والظاهر أن ( ما ) في قوله : ( ما كانوا ) موصولة اسمية ، بمعنى ( الذي ) ، والضمير في ( به ) عائد عليها . وقال
ابن عطية : يصح أن تكون مصدرية . التقدير ( أنباء ) كونهم مستهزئين ، فعلى هذا يكون الضمير في ( به ) عائدا على الحق ، لا على مذهب
الأخفش ، حيث زعم أن ( ما ) المصدرية اسم لا حرف ، ولا ضرورة تدعو إلى كونها مصدرية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28977ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ) ، ( قَضَى ) ، إِنْ كَانَتْ هُنَا بِمَعْنَى قَدَّرَ وَكَتَبَ ، كَانَتْ ( ثُمَّ ) هُنَا لِلتَّرْتِيبِ فِي الذِّكْرِ ، لَا فِي الزَّمَانِ; لِأَنَّ ذَلِكَ سَابِقٌ عَلَى خَلْقِنَا ، إِذْ هِيَ صِفَةُ ذَاتٍ ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى ( أَظْهَرَ ) ، كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهَا; لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ خَلْقِنَا ، فَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ . وَالظَّاهِرُ مِنْ تَنْكِيرِ الْأَجَلَيْنِ ، أَنَّهُ تَعَالَى أَبْهَمَ أَمْرَهُمَا . وَقَالَ
الْحَسَنُ :
وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15822وَخَصِيفٌ وَقَتَادَةُ : الْأَوَّلُ أَجَلُ الدُّنْيَا مِنْ وَقْتِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَوْتِ ، وَالثَّانِي أَجَلُ الْآخِرَةِ; لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي الْآخِرَةِ ، لَا انْقِضَاءَ لَهَا ، وَلَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ الْحَالِ فِي هَذَا الْأَجَلِ ، إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَوَّلَ ، هُوَ وَفَاتُهُ بِالنَّوْمِ ، وَالثَّانِي بِالْمَوْتِ . وَقَالَ أَيْضًا : الْأَوَّلُ أَجَلُ الدُّنْيَا ، وَالثَّانِي الْآخِرَةُ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ أَيْضًا : الْأَوَّلُ الْآخِرَةُ ، وَالثَّانِي الدُّنْيَا . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : الْأَوَّلُ ، هُوَ فِي وَقْتِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَى بَنِي آدَمَ حِينَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ، وَالْمُسَمَّى فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الْأَوَّلُ أَجَلُ الْمَاضِينَ ، وَالثَّانِي أَجَلُ الْبَاقِينَ ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُسَمًّى عِنْدَهُ; لِأَنَّهُ تَعَالَى مُخْتَصٌّ بِهِ بِخِلَافِ الْمَاضِينَ ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا عُلِمَتْ آجَالُهُمْ . وَقِيلَ : الْأَوَّلُ مَا بَيْنَ أَنْ يُخْلَقَ إِلَى أَنْ يَمُوتَ ، وَالثَّانِي مَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ ، وَهُوَ الْبَرْزَخُ . وَقِيلَ : الْأَوَّلُ مِقْدَارُ مَا انْقَضَى مِنْ عُمْرِ كُلِّ إِنْسَانٍ ، وَالثَّانِي مِقْدَارُ مَا بَقِيَ . وَقِيلَ : الْأَوَّلُ أَجَلُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ، وَالثَّانِي أَجَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَقِيلَ : الْأَوَّلُ مَا عَلِمْنَاهُ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ،
[ ص: 71 ] وَالثَّانِي مِنَ الْآخِرَةِ . وَقِيلَ : الْأَوَّلُ مَا عَرَفَ النَّاسُ مِنْ آجَالِ الْأَهِلَّةِ وَالسِّنِينَ وَالْكَوَائِنِ ، وَالثَّانِي قِيَامُ السَّاعَةِ . وَقِيلَ : الْأَوَّلُ مِنْ أَوْقَاتِ الْأَهِلَّةِ وَمَا أَشْبَهَهَا ، وَالثَّانِي مَوْتُ الْإِنْسَانِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2قَضَى أَجَلًا ) بِانْقِضَاءِ الدُّنْيَا ، وَالثَّانِي لِابْتِدَاءِ الْآخِرَةِ . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لِكُلِّ أَحَدٍ أَجَلَانِ ، فَإِنْ كَانَ تَقِيًّا وَصُوَلًا لِلرَّحِمِ ، زِيدَ لَهُ مِنْ أَجَلِ الْبَعْثِ فِي أَجَلِ الْعُمْرِ ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ ، نُقِصَ مِنْ أَجَلِ الْعُمْرِ ، وَزِيدَ فِي أَجَلِ الْبَعْثِ . وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَجَلَانِ الطَّبِيعِيُّ وَالِاخْتَرَامِيُّ . فَالطَّبِيعِيُّ; هُوَ الَّذِي لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ الْمِزَاجُ مَصُونًا عَنِ الْعَوَارِضِ الْخَارِجَةِ ، لَانْتَهَتْ مُدَّةُ بَقَائِهِ إِلَى الْأَوْقَاتِ الْفَلَكِيَّةِ . وَالِاخْتَرَامِيُّ; هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِسَبَبِ الْأَسْبَابِ الْخَارِجِيَّةِ ، كَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ ، وَلَدْغِ الْحَشَرَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُنْفَصِلَةِ انْتَهَى . وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَهُوَ نَقَلَهُ عَنْهُمْ وَقَالَ : هَذَا قَوْلُ حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى . وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2مُسَمًّى عِنْدَهُ ) مَعْلُومٌ عِنْدَهُ ، أَوْ مَذْكُورٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ، وَعِنْدَهُ مَجَازٌ عَنْ عِلْمِهِ ، وَلَا يُرَادُ بِهِ الْمَكَانُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : الْمُبْتَدَأُ النَّكِرَةُ إِذَا كَانَ خَبَرُهُ ظَرْفًا ، وَجَبَ تَقْدِيمُهُ فَلَمَّا جَازَ تَقْدِيمُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) .
قُلْتُ : لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالصِّفَةِ فَقَارَبَ الْمَعْرِفَةَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=221وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ) انْتَهَى . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ مُسَوِّغِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ; لِكَوْنِهَا وُصِفَتْ لَا يَتَعَيَّنُ هُنَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسَوِّغَ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَوِّغُ هُوَ التَّفْصِيلَ; لِأَنَّ مِنْ مُسَوِّغَاتِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ ، أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ تَفْصِيلٍ ، نَحْوَ قَوْلِهِ :
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْحَرَفَتْ لَهُ بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوَّلِ
وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُنَا عَلَى هَذَا الْبَيْتِ ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : الْكَلَامُ السَّائِرُ أَنْ يُقَالَ : عِنْدِي ثَوْبٌ جَيِّدٌ ، وَلِي عَبْدٌ كَيِّسٌ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . قُلْتُ : أَوْجَبَهُ أَنَّ الْمَعْنَى وَأَيُّ ( أَجَلٍ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) تَعْظِيمًا لِشَأْنِ السَّاعَةِ ، فَلَمَّا جَرَى فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى ، وَجَبَ التَّقْدِيمُ انْتَهَى . وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ وَأَيُّ ( أَجَلٍ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) ، كَانَتْ أَيٌّ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ ، تَقْدِيرُهُ : وَأَجَلٌ أَيُّ ( أَجَلٍ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ الصِّفَةِ إِذَا كَانَتْ أَيًّا ، وَلَا حَذْفُ مَوْصُوفِهَا وَإِبْقَاؤُهَا ، فَلَوْ قُلْتَ : مَرَرْتُ بِأَيِّ رَجُلٍ ، تُرِيدُ بِرَجُلٍ أَيِّ رَجُلٍ ، لَمْ يَجُزْ ( وَتَمْتَرُونَ ) مَعْنَاهُ تَشُكُّونَ أَوْ تُجَادِلُونَ جِدَالَ الشَّاكِّينَ ، وَالتَّمَّارِي الْمُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ ، قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ . وَالْكَلَامُ فِي ( ثُمَّ ) هُنَا كَالْكَلَامِ فِيهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) عَلَى جِهَةِ الْخِطَابِ ، هُوَ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَائِبِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، وَإِنْ كَانَ الْخَلْقُ وَقَضَاءُ الْأَجَلِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكُفَّارِ ، إِذِ اشْتَرَكَ فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ ، لَكِنَّهُ قُصِدَ بِهِ الْكَافِرُ; تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى أَصْلِ خَلْقِهِ ، وَقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَإِنَّمَا قُلْتُ إِنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=2ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ) ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْدَرِجَ فِي هَذَا الْخِطَابِ مَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِيمَانِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) لَمَّا تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالِاخْتِيَارِ ، ذَكَرَ مَا
[ ص: 72 ] يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ التَّامِّ ، فَكَانَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ ، وَإِبْطَالًا لِشُبَهِ مُنْكِرِ الْمَعَادِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( هُوَ ) ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى مَا عَادَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ قَبْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ ) وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، قَالَهُ
الْكِرْمَانِيُّ . وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : ( هُوَ ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ ( وَاللَّهُ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ ، وَالْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِضَمِيرِ الشَّأْنِ ، وَإِنَّمَا فَرَّ إِلَى هَذَا; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ضَمِيرَ الشَّأْنِ كَانَ عَائِدًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ اللَّهُ وَ ( اللَّهُ ) ، فَيَنْعَقِدُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مِنَ اسْمَيْنِ مُتَّحِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا إِسْنَادِيَّةً ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، فَلِذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، تَأَوَّلَ .
أَبُو عَلِيٍّ : الْآيَةَ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ ضَمِيرُ الْأَمْرِ ( وَاللَّهُ ) ، خَبَرُهُ يَعْلَمُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ ( يَعْلَمُ ) ، وَالتَّقْدِيرُ; اللَّهُ يَعْلَمُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ) ، ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ اسْمُ اللَّهِ مِنَ الْمَعَانِي ، كَمَا يُقَالُ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْخَلِيفَةُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا عِنْدِي أَفْضَلُ الْأَقْوَالِ وَأَكْثَرُهَا إِحْرَازًا لِفَصَاحَةِ اللَّفْظِ وَجَزَالَةِ الْمَعْنَى ، وَإِيضَاحِهِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى خَلْقِهِ ، وَآثَارِ قُدْرَتِهِ وَإِحَاطَتِهِ وَاسْتِيلَائِهِ ، وَنَحْوَ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، فَجَمَعَ هَذِهِ كُلَّهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ ) أَيِ الَّذِي لَهُ هَذِهِ كُلُّهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَهُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ ، وَالْمُحْيِي الْمُحِيطُ فِي السَّمَاوَاتِ ، وَفِي الْأَرْضِ ، كَمَا تَقُولُ : زَيْدٌ السُّلْطَانُ فِي
الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، فَلَوْ قَصَدْتَ ذَاتَ زَيْدٍ ، لَقُلْتَ : مُحَالًا ، وَإِذَا كَانَ مَقْصِدُ قَوْلِكَ زَيْدٌ السُّلْطَانُ ، الْآمِرُ النَّاهِي ، النَّاقِضُ الْمُبْرِمُ ، الَّذِي يَعْزِلُ وَيُوَلِّي فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، فَأَقَمْتَ السُّلْطَانَ مَقَامَ هَذِهِ كُلِّهَا ، كَانَ فَصِيحًا صَحِيحًا ، فَكَذَلِكَ فِي الْآيَةِ أَقَامَ لَفْظَةَ ( اللَّهُ ) مَقَامَ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى . وَمَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ وَأَوْضَحَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، لَكِنَّ صِنَاعَةَ النَّحْوِ لَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ ( اللَّهُ ) لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْمَعَانِي ، وَلَا تَعْمَلُ تِلْكَ الْمَعَانِي جَمِيعُهَا فِي اللَّفْظِ; لِأَنَّهُ لَوْ صُرِّحَ بِهَا جَمِيعِهَا ، لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ ، بَلِ الْعَمَلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لِوَاحِدٍ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) مُتَعَلِّقًا بِهَا جَمِيعِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمَجْرُورِ مَا تَضَمَّنَهُ لَفْظُ ( اللَّهُ ) مِنْ مَعْنَى الْأُلُوهِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ ( اللَّهُ ) عَلَمًا; لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَجْرُورَ قَدْ يَعْمَلُ فِيهِمَا الْعَلَمُ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْمَعْنَى ، كَمَا قَالَ : أَنَا
أَبُو الْمِنْهَالِ بَعْضَ الْأَحْيَانِ ، فَـ ( بَعْضَ ) مَنْصُوبٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ أَبُو الْمِنْهَالِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَنَا الْمَشْهُورُ بَعْضَ الْأَحْيَانِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : نَحْوًا مِنْ هَذَا ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى اسْمِ اللَّهِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَهُوَ الْمَعْبُودُ فِيهِمَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ) أَيْ : وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْإِلَهِيَّةِ ، أَوِ الْمُتَوَحِّدُ بِالْإِلَهِيَّةِ فِيهَا ، أَوْ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : اللَّهُ فِيهَا لَا يُشْرَكُ فِي هَذَا الِاسْمِ انْتَهَى . فَانْظُرْ
[ ص: 73 ] تَقَادِيرَهُ كُلَّهَا ، كَيْفَ قَدَّرَ الْعَامِلَ وَاحِدًا مِنَ الْمَعَانِي لَا جَمِيعِهَا . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ ( هُوَ ) عَلَى تَقْدِيرِ صِفَةٍ حُذِفَتْ ، وَهِيَ مُرَادَةٌ فِي الْمَعْنَى ، كَأَنَّهُ قِيلَ : هُوَ اللَّهُ الْمَعْبُودُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ اللَّهُ الْمُدَبِّرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ ) تَمَّ الْكَلَامُ هُنَا . ثُمَّ اسْتَأْنَفَ مَا بَعْدَهُ ، وَتَعَلَّقَ الْمَجْرُورُ بِـ ( يَعْلَمُ ) . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ ) تَامٌّ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَفْعُولِ ( يَعْلَمُ ) وَهُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ) ، وَالتَّقْدِيرُ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ، وَهَذَا يَضْعُفُ; لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ مَفْعُولِ الْمَصْدَرِ الْمَوْصُولِ عَلَيْهِ . وَالْعَجَبُ مِنَ النَّحَّاسِ حَيْثُ قَالَ : هَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ : فِيهِ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : هُوَ ضَمِيرُ الْأَمْرِ ، وَاللَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَخَبَرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الْأَمْرِ; وَتَمَّ الْكَلَامُ ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ) أَيْ : وَيَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا ، إِلَّا أَنَّ ( هُوَ ) عَائِدٌ عَلَى مَا عَادَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ قَبْلُ ، وَلَيْسَ ضَمِيرَ الْأَمْرِ ، وَقِيلَ : يَتَعَلَّقُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) بِقَوْلِهِ : ( تَكْسِبُونَ ) هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ ( مَا ) مَوْصُولَةٌ بِـ ( تَكْسِبُونَ ) ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا ، أَمِ اسْمًا بِمَعْنَى ( الَّذِي ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ الصِّلَةِ عَلَى الْمَوْصُولِ . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) حَالٌ مِنَ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ) تَقَدَّمَ عَلَى ذِي الْحَالِ ، وَعَلَى الْعَامِلِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ ) خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ اللَّهُ ، وَأَنَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا فِيهِمَا ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ ، كَأَنَّ ذَاتَهُ فِيهَا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ; لِأَنَّ الْمَجْرُورَ بِـ ( فِي ) لَا يَدُلُّ عَلَى وَصْفٍ خَاصٍّ ، إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنٍ مُطْلَقٍ . وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَنْبَنِي إِعْرَابُ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ ، وَالْخُرُوجِ عَنْ ظَاهِرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) لِمَا قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْعَقْلِ مِنِ اسْتِحَالَةِ حُلُولِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَمَاكِنِ ، وَمُمَاسَّةِ الْإِجْرَامِ ، وَمُحَاذَاتِهِ لَهَا ، وَتَحَيُّزِهِ فِي جِهَةٍ ، قَالَ مَعْنَاهُ ، وَبَعْضَ لَفْظِهِ
ابْنُ عَطِيَّةَ . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3يَعْلَمُ سِرَّكُمْ ) إِلَى آخِرِهِ خَبَرٌ فِي ضِمْنِهِ تَحْذِيرٌ وَزَجْرٌ . قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : الْمُرَادُ بِالسِّرِّ : صِفَاتُ الْقُلُوبِ ، وَهُوَ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفُ ، وَبِالْجَهْرِ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ ، وَقُدِّمَ السِّرُّ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُؤَثِّرِ فِي الْفِعْلِ ، هُوَ مَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ مَعَ الدَّاعِي ، فَالدَّاعِيَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ السِّرِّ ، هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الْمُسَمَّاةِ بِالْجَهْرِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ ، عِلَّةُ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُولِ ، وَالْعِلَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ ، وَالْمُقَدَّمُ بِالذَّاتِ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ انْتَهَى . قَالَ
التَّبْرِيزِيُّ : مَعْنَاهُ يَعْلَمُ مَا تُخْفُونَهُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ ، وَمَا تُظْهِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، وَمَا تَكْسِبُونَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ ، وَكَسْبُ كُلِّ إِنْسَانٍ عَمَلُهُ الْمُفْضِي بِهِ إِلَى اجْتِلَابِ نَفْعٍ ، أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ ، وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : وَفِي أَوَّلِ كَلَامِهِ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ ، يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3مَا تَكْسِبُونَ ) عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُكْتَسَبِ ، كَمَا يُقَالُ هَذَا الْمَالُ كَسْبُ فُلَانٍ; أَيْ مُكْتَسَبُهُ ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْسِ الْكَسْبِ ، وَإِلَّا لَزِمَ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى
الْمُعَطِّلَةِ وَالثَّنَوِيَّةِ وَالْحَشَوِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ انْتَهَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ مَوْقِعُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ) ، قُلْتُ : إِنْ أَرَادَ الْمُتَوَحِّدُ بِالْإِلَهِيَّةِ ، كَانَ تَقْرِيرًا لَهُ; لِأَنَّ الَّذِي اسْتَوَى فِي عِلْمِهِ السِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ ، هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، وَكَذَلِكَ إِذَا جَعَلْتَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ ) خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ ، وَإِلَّا فَهُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ ، أَوْ خَبَرٌ ثَالِثٌ انْتَهَى . وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُبْتَدَأِ أَخْبَارٌ مُتَعَدِّدَةٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28977وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) . ( مِنْ ) الْأُولَى زَائِدَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ ، وَمَعْنَى الزِّيَادَةِ فِيهَا أَنَّ مَا بَعْدَهَا مَعْمُولٌ لِمَا قَبْلَهَا فَاعِلٌ بِقَوْلِهِ : ( تَأْتِيهِمْ ) ، فَإِذَا كَانَتِ
[ ص: 74 ] النَّكِرَةُ بَعْدَهَا مِمَّا لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النَّفْيِ الْعَامِّ ، كَانَتْ ( مِنْ ) لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ ، نَحْوَ : مَا فِي الدَّارِ مِنْ أَحَدٍ ، وَإِذَا كَانَتْ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الِاسْتِغْرَاقُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا نَفْيُ الْوَحْدَةِ ، أَوْ نَفْيُ الْكَمَالِ ، كَانَتْ ( مِنْ ) ، دَالَّةً عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ ، نَحْوَ : مَا قَامَ مِنْ رَجُلٍ . وَ ( مِنْ ) الثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَعْنِي وَمَا يَظْهَرُ لَهُمْ قَطُّ دَلِيلٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ وَالِاعْتِبَارُ ، إِلَّا كَانُوا عَنْهُ ( مُعْرِضِينَ ) تَارِكِينَ لِلنَّظَرِ ، لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ ، وَلَا يَرْفَعُونَ بِهِ رَأْسًا; لِقِلَّةِ خَوْفِهِمْ وَتَدَبُّرِهِمْ لِلْعَوَاقِبِ انْتَهَى . وَاسْتِعْمَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ قَطُّ مَعَ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ : وَمَا يَظْهَرُ لَهُمْ قَطُّ دَلِيلٌ ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ; لِأَنَّ قَطُّ ظَرْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْمَاضِي ، إِلَّا إِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : وَمَا يَظْهَرُ ، وَمَا ظَهَرَ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ . وَقِيلَ : ( الْآيَةُ ) هُنَا الْعَلَامَةُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ ، وَانْفِرَادِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ . وَقِيلَ : الرِّسَالَةُ . وَقِيلَ : الْمُعْجِزُ الْخَارِقُ . وَقِيلَ : الْقُرْآنُ ، وَمَعْنَى ( عَنْهَا ) أَيْ : عَنْ قَبُولِهَا أَوْ سَمَاعِهَا ، وَالْإِعْرَاضُ ضِدُّ الْإِقْبَالِ ، وَهُوَ مَجَازٌ ، إِذْ حَقِيقَتُهُ فِي الْأَجْسَامِ ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ : ( كَانُوا ) وَمُتَعَلِّقُهَا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، فَيَكُونُ ( تَأْتِيهِمْ ) مَاضِي الْمَعْنَى; لِقَوْلِهِ : ( كَانُوا ) ، أَوْ يَكُونُ ( كَانُوا ) مُضَارِعٌ الْمَعْنَى; لِقَوْلِهِ : ( تَأْتِيهِمْ ) ، وَذُو الْحَالِ ، هُوَ الضَّمِيرُ فِي ( تَأْتِيهِمْ ) ، وَلَا يَأْتِي مَاضِيًا إِلَّا بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : أَنْ يَسْبِقَهُ فِعْلٌ كَمَا فِي هَذَا الْآيَةِ ، وَالثَّانِي أَنْ تَدَخُلَ عَلَى ذَلِكَ الْمَاضِي ( قَدْ ) ، نَحْوَ مَا زَيْدٌ إِلَّا قَدْ ضَرَبَ عَمْرًا ، وَهَذَا الْتِفَاتٌ ، وَخُرُوجٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) . وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَذَمَّةَ هَؤُلَاءِ ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) بِأَنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْ كُلِّ آيَةٍ تَرِدُ عَلَيْهِمْ ، وَلَمَّا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ أَوَّلًا فِي التَّوْحِيدِ ، وَثَانِيًا فِي الْمَعَادِ ، وَثَالِثًا فِي تَقْرِيرِ هَذَيْنِ الْمَطْلُوبَيْنِ ، ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَقْرِيرِ النُّبُوَّةِ ، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ تَأَمُّلِ الدَّلَائِلِ ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ بَاطِلٌ ، وَأَنَّ التَّأَمُّلَ فِي الدَّلَائِلِ ، وَاجِبٌ ، وَلِذَلِكَ ذُمُّوا بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الدَّلَائِلِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28977فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ) ، ( الْحَقُّ ) الْقُرْآنُ أَوِ الْإِسْلَامُ أَوْ
مُحَمَّدٌ أَوِ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ أَوِ الْوَعْدُ أَوِ الْوَعِيدُ ، أَقْوَالٌ ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ الْآيَةُ الَّتِي تَأْتِيهِمْ ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَقَدْ كَذَّبُوا ) بِالْآيَةِ الَّتِي تَأْتِيهِمْ ، وَهِيَ ( الْحَقُّ ) فَأَقَامَ الظَّاهِرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْحَقِّ ، وَحَقِيقَتُهُ كَوْنُهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى . وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَقَدْ كَذَّبُوا ) أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ ، وَأَنَّ إِعْرَاضَهُمْ عَنِ الْآيَةِ أَعَقَبَهُ التَّكْذِيبُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَقَدْ كَذَّبُوا ) مَرْدُودٌ عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوفٍ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنْ كَانُوا مُعْرِضِينَ عَنِ الْآيَاتِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَقَدْ كَذَّبُوا ) بِمَا هُوَ أَعْظَمُ آيَةٍ وَأَكْبَرُهَا ، وَهُوَ الْحَقُّ لَمَّا جَاءَهُمْ ، يَعْنِي الْقُرْآنَ الَّذِي تُحُدُّوا بِهِ عَلَى تَبَالُغِهِمْ فِي الْفَصَاحَةِ ، فَعَجَزُوا عَنْهُ انْتَهَى . وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى شَرْطٍ مَحْذُوفٍ ، إِذِ الْكَلَامُ مُنْتَظِمٌ بِدُونِ هَذَا التَّقْدِيرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ وَقَعَ مِنْهُمُ الِاسْتِهْزَاءُ ،
[ ص: 75 ] فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ ، دَلَّ عَلَيْهِ آخِرُ الْآيَةِ ، وَتَقْدِيرُهُ : وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ ) وَهَذِهِ رُتَبٌ ثَلَاثٌ صَدَرَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ ، الْإِعْرَاضُ عَنْ تَأَمُّلِ الدَّلَائِلِ ، ثُمَّ أَعْقَبَ الْإِعْرَاضَ التَّكْذِيبُ ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنَ الْإِعْرَاضِ ، إِذِ الْمُعْرِضُ قَدْ يَكُونُ غَافِلًا عَنِ الشَّيْءِ ، ثُمَّ أَعْقَبَ التَّكْذِيبَ الِاسْتِهْزَاءُ ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنَ التَّكْذِيبِ ، إِذِ الْمُكَذِّبُ قَدْ لَا يَبْلُغُ إِلَى حَدِّ الِاسْتِهْزَاءِ ، وَهَذِهِ هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ . وَالنَّبَأُ : الْخَبَرُ الَّذِي يَعْظُمُ وَقْعُهُ ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ مُضَافٌ; أَيْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ ) مُضْمَنُ ( أَنْبَاءِ ) ، فَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ مَا عُذِّبُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَالْإِجْلَاءِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَخَصَّصَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِيَوْمِ بَدْرٍ . وَقِيلَ : هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ ، وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ التَّهْدِيدَ وَالزَّجْرَ وَالْوَعِيدَ ، كَمَا تَقُولُ : اصْنَعْ مَا تَشَاءُ ، فَسَيَأْتِيكَ الْخَبَرُ ، وَعَلَّقَ التَّهْدِيدَ بِالِاسْتِهْزَاءِ دُونَ الْإِعْرَاضِ وَالتَّكْذِيبِ ، لِتَضَمُّنِهِ إِيَّاهُمَا ، إِذْ هُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى فِي إِنْكَارِ الْحَقِّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَهُوَ الْقُرْآنُ; أَيْ أَخْبَارُهُ وَأَحْوَالُهُ ، بِمَعْنَى سَيَعْلَمُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَهْزَءُوا ، وَسَيَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ اسْتِهْزَاءٍ ، وَذَلِكَ عِنْدَ إِرْسَالِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَوْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ عِنْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّ كَلِمَتِهِ انْتَهَى . وَهُوَ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِسْهَابِ وَشَرْحِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مِمَّا لَا يَدُلَّانِ عَلَيْهِ . وَجَاءَ هُنَا تَقْيِيدُ الْكَذِبِ بِالْحَقِّ ، وَالتَّنْفِيسُ بِـ ( سَوْفَ ) . وَفِي الشُّعَرَاءِ ، فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ; لِأَنَّ الْأَنْعَامَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي النُّزُولِ عَلَى الشُّعَرَاءِ ، فَاسْتَوْفَى فِيهَا اللَّفْظَ ، وَحُذِفَ مِنَ الشُّعَرَاءِ ، وَهُوَ مُرَادٌ حَالَةً عَلَى الْأَوَّلِ ، وَنَاسَبَ الْحَذْفَ الِاخْتِصَارُ فِي حَرْفِ التَّنْفِيسِ ، فَجَاءَ بِالسِّينِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( مَا ) فِي قَوْلِهِ : ( مَا كَانُوا ) مَوْصُولَةٌ اسْمِيَّةٌ ، بِمَعْنَى ( الَّذِي ) ، وَالضَّمِيرُ فِي ( بِهِ ) عَائِدٌ عَلَيْهَا . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً . التَّقْدِيرُ ( أَنْبَاءُ ) كَوْنِهِمْ مُسْتَهْزِئِينَ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الضَّمِيرُ فِي ( بِهِ ) عَائِدًا عَلَى الْحَقِّ ، لَا عَلَى مَذْهَبِ
الْأَخْفَشِ ، حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ ( مَا ) الْمَصْدَرِيَّةَ اسْمٌ لَا حَرْفٌ ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى كَوْنِهَا مَصْدَرِيَّةً .