ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
والخطاب قيل : للرسول ، وهو بمعنى ما النافية . وقرأ الجمهور : تنقمون ; بكسر القاف ، والماضي نقم ، بفتحها ، وهي التي ذكرها ثعلب في الفصيح . ونقم ، بالكسر ، ينقم ، بالفتح ، لغة حكاها وغيره . وقرأ بها الكسائي أبو حيوة والنخعي وابن أبي عبلة وأبو البر هشيم ، وفسر تنقمون : بتسخطون وتتكرهون وتنكرون وتعيبون وكلها متقاربة . وإلا أن آمنا ; استثناء فرغ له الفاعل . وقرأ الجمهور : أنزل مبنيا للفاعل ، وذلك في اللفظين ، وقرأهما أبو نهيك : مبنيين للفاعل ، وقرأ نعيم بن ميسرة : وإن أكثركم فاسقون ، بكسر الهمزة ، وهو واضح المعنى ، أمره تعالى أن يقول لهم هاتين الجملتين ، وتضمنت الإخبار بفسق أكثرهم وتمردهم . وقرأ الجمهور : بفتح همزة أن ، وخرج ذلك على أنها في موضع رفع ، وفي موضع نصب ، وفي موضع جر . فالرفع : على الابتداء . وقدر الخبر مؤخرا محذوفا ; أي : وفسق [ ص: 517 ] أكثركم ثابت معلوم عندكم ، لأنكم علمتم أنا على الحق ، وأنكم على الباطل ، إلا أن حب الرياسة والرشا يمنعكم من الاعتراف . ولا ينبغي أن يقدم الخبر إلا مقدما ; أي : ومعلوم فسق أكثركم ، لأن الأصح أن لا يبدأ بها متقدمة إلا بعد أما فقط . والنصب من وجوه : أحدها : أن يكون معطوفا على أن آمنا ; أي : ما تنقمون منا إلا إيماننا وفسق أكثركم ، فيدخل الفسق فيما نقموه ، وهذا قول أكثر المتأولين . ولا يتجه معناه لأنهم لا يعتقدون فسق أكثرهم ، فكيف ينقمونه ؟ لكنه يحمل على أن المعنى ما تنقمون منا إلا هذا المجموع من أنا مؤمنون وأكثركم فاسقون ، وإن كانوا لا يسلمون أن أكثرهم فاسقون ، كما تقول : ما تنقم مني إلا أني صدقت وأنت كذبت ، وما كرهت مني إلا أني محبب إلى الناس وأنت مبغض ، وإن كان لا يعترف أنه كاذب ولا أنه مبغض ، وكأنه قيل : ما تنقمون منا إلا مخالفتكم حيث دخلنا في الإسلام وأنتم خارجون . والوجه الثاني : أن يكون معطوفا على أن آمنا ، إلا أنه على حذف مضاف ، تقديره : واعتقادنا فيكم أن أكثركم فاسقون ، وهذا معنى واضح . ويكون ذلك داخلا في ما تنقمون حقيقة . الثالث : أن تكون الواو واو مع ، فتكون في موضع نصب مفعولا معه ، التقدير : وفسق أكثرهم ; أي : تنقمون ذلك مع فسق أكثركم ; والمعنى : لا يحسن أن تنقموا مع وجود فسق أكثركم ، كما تقول : تسيء إلي مع أني أحسنت إليك . الرابع : أن تكون في موضع نصب مفعول بفعل مقدر يدل عليه ، هل تنقمون ; تقديره : ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون . والجر على أنه معطوف على قوله : بما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وبأن أكثركم فاسقون ، والجر على أنه معطوف على علة محذوفة ; التقدير : ما تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم وفسقكم . ويدل عليه تفسير الزمخشري الحسن بفسقكم : نقمتم ذلك علينا . فهذه سبعة وجوه في موضع أن وصلتها ، ويظهر وجه ثامن ولعله يكون الأرجح : وذلك أن نقم أصلها أن تتعدى بعلى ، تقول : نقمت على الرجل أنقم ، ثم تبنى منها افتعل فتعدى إذ ذاك بمن ، وتضمن معنى الإصابة بالمكروه .
قال تعالى : ( ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ) ومناسبة التضمين فيها أن من عاب على شخص فعله فهو كاره له لا محالة ومصيبه عليه بالمكروه ، وإن قدر ، فجاءت هنا فعل بمعنى افتعل ، لقولهم : وقد رأوه ; ولذلك عديت بمن دون التي أصلها أن يعدى بها ، فصار المعنى : وما تنالون منا أو وما تصيبوننا بما نكره إلا أن آمنا ; أي : لأن آمنا ، فيكون أن آمنا ، مفعولا من أجله ; ويكون وإن أكثركم فاسقون ; معطوفا على هذه العلة ، وهذا ، والله أعلم ، سبب تعديته بمن دون على ، وخص أكثركم بالفسق لأن فيهم من هدي إلى الإسلام ، أو لأن فساقهم وهم المبالغون في الخروج عن الطاعة هم الذين يقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون تقربا إلى الملوك ، وطلبا للجاه والرياسة ، فهم فساق في دينهم لا عدول ، وقد يكون الكافر عدلا في دينه ، ومعلوم أن كلهم لم يكونوا عدولا في دينهم ، فلذلك حكم على أكثرهم بالفسق .