( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ) قال الكلبي : كانوا إذا نودي بالصلاة قام المسلمون إليها فتقول اليهود : قاموا لا قاموا ، صلوا لا صلوا ، ركعوا لا ركعوا ، على طريق الاستهزاء والضحك فنزلت . وقال : كان نصراني السدي بالمدينة يقول إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أن محمدا رسول الله ، أحرق الكاذب ، فطارت شرارة في بيته فاحترق هو وأهله ، فنزلت . وقيل : حسد اليهود الرسول حين سمعوا الآذان وقالوا : ابتدعت شيئا لم يكن للأنبياء ، فمن أين لك الصياح كصياح العير ؟ فما أقبحه من صوت . فأنزل الله هذه الآية . وأنزل : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) الآية . انتهى ; والمعنى : إذا نادى بعضكم إلى الصلاة ، لأن الجميع لا ينادون . ولما قدم أنهم الذين اتخذوا الدين هزوا ولعبا اندرج في ذلك جميع ما انطوى عليه الدين ، فجرد من ذلك أعظم أركان الدين [ ص: 516 ] ونص عليه بخصوصه وهي الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه ، فنبه على أن من استهزأ بالصلاة ينبغي أن لا يتخذ وليا ويطرد ، فهذه الآية جاءت كالتوكيد للآية قبلها . وقال بعض العلماء : في هذه الآية دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب ، لا بالمنام وحده . انتهى . ولا دليل في ذلك على مشروعيته لأنه قال وإذا ناديتم ، ولم يقل نادوا على سبيل الأمر ، وإنما هذه جملة شرطية دلت على سبق المشروعية لا على إنشائها بالشرط . والظاهر أن الضمير في اتخذوها عائد على الصلاة ، ويحتمل أن يعود على المصدر المفهوم من ناديتم ; أي : اتخذوا المناداة والهزء والسخرية واللعب الأخذ في غير طريق .
( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) أي : ذلك الفعل منهم ، ونفى العقل عنهم لما لم ينتفعوا به في الدين ، واتخذوا دين الله هزوا ولعبا فعل من لا عقل له .