يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق ، وهو ما يرى من النور اللامع ساطعا من خلل السحاب .
وروى ابن جرير أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق ، فقال : البرق : الماء .
وقوله : ( خوفا وطمعا ) قال قتادة : خوفا للمسافر ، يخاف أذاه ومشقته ، وطمعا للمقيم يرجو بركته ومنفعته ، ويطمع في رزق الله .
( وينشئ السحاب الثقال ) أي : ويخلقها منشأة جديدة ، وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الأرض .
قال مجاهد : والسحاب الثقال : الذي فيه الماء . [ ص: 441 ]
( ويسبح الرعد بحمده ) كما قال تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44 ] .
وقال : حدثنا الإمام أحمد يزيد ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، أخبرني أبي قال : كنت جالسا إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد ، فمر شيخ من بني غفار ، فأرسل إليه حميد ، فلما أقبل قال : يا ابن أخي ، وسع له فيما بيني وبينك ، فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه ، فقال له حميد : ما الحديث الذي حدثتني عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشيخ : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . " إن الله ينشئ السحاب ، فينطق أحسن النطق ، ويضحك أحسن الضحك "
والمراد - والله أعلم - أن نطقها الرعد ، وضحكها البرق .
وقال موسى بن عبيدة ، عن سعد بن إبراهيم قال : يبعث الله الغيث ، فلا أحسن منه مضحكا ، ولا آنس منه منطقا ، فضحكه البرق ، ومنطقه الرعد .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ، عن هشام بن عبيد الله الرازي محمد بن مسلم قال : بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه : وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بذنبه فذاك البرق .
وقال : حدثنا الإمام أحمد عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحجاج ، حدثني أبو مطر ، عن سالم ، عن أبيه قال : . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الرعد والصواعق قال : " اللهم ، لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك "
ورواه الترمذي ، في كتاب الأدب ، والبخاري في اليوم والليلة ، والنسائي في مستدركه ، من حديث والحاكم الحجاج بن أرطاة ، عن أبي مطر ، ولم يسم به .
وقال [ الإمام ] أبو جعفر بن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبيه عن رجل ، " سبحان من يسبح الرعد بحمده . عن أبي هريرة ، رفع الحديث قال : إنه كان إذا سمع الرعد قال : "
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال : سبحان من سبحت له . [ ص: 442 ]
وكذا روي عن ابن عباس ، ، والأسود بن يزيد : أنهم كانوا يقولون كذلك . وطاوس
وقال الأوزاعي : كان ابن أبي زكريا يقول : من قال حين يسمع الرعد : سبحان الله وبحمده ، لم تصبه صاعقة .
وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، ويقول : إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض . رواه مالك في الموطأ ، في كتاب الأدب . والبخاري
وقال : حدثنا الإمام أحمد ، حدثنا سليمان بن داود الطيالسي صدقة بن موسى ، حدثنا محمد بن واسع ، عن شتير بن نهار ، عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة . " قال ربكم عز وجل : لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل ، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولما أسمعتهم صوت الرعد "
وقال : حدثنا الطبراني زكريا بن يحيى الساجي ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا يحيى بن كثير أبو النضر ، حدثنا عبد الكريم ، حدثنا عطاء ، . عن ابن عباس قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله ، فإنه لا يصيب ذاكرا "
وقوله : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) أي : يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء ، ولهذا تكثر في آخر الزمان ، كما قال : الإمام أحمد
حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا عمارة عن ، عن أبي نضرة ، رضي الله عنه; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي سعيد الخدري . " تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة ، حتى يأتي الرجل القوم فيقول : من صعق تلكم الغداة ؟ فيقولون صعق فلان وفلان وفلان "
وقد روي في سبب نزولها ما رواه : الحافظ أبو يعلى الموصلي
حدثنا إسحاق ، حدثنا علي بن أبي سارة الشيباني ، حدثنا ثابت ، أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال : " اذهب فادعه لي " . قال : فذهب إليه فقال : يدعوك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : من رسول الله ؟ وما الله ؟ أمن ذهب هو ؟ أم من فضة هو ؟ أم من نحاس هو ؟ قال : فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : يا رسول الله ، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك ، [ ص: 443 ] قال لي كذا وكذا . فقال : " ارجع إليه الثانية " . أراه ، فذهب فقال له مثلها . فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك . قال : " ارجع إليه فادعه " . فرجع إليه الثالثة . قال : فأعاد عليه ذلك الكلام . فبينا هو يكلمه ، إذ بعث الله ، عز وجل ، سحابة حيال رأسه ، فرعدت ، فوقعت منها صاعقة ، فذهب بقحف رأسه فأنزل الله : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) عن
ورواه ابن جرير ، من حديث علي بن أبي سارة ، به ورواه ، عن الحافظ أبو بكر البزار عبدة بن عبد الله ، عن ، عن يزيد بن هارون ديلم بن غزوان ، عن ثابت ، عن أنس ، فذكر نحوه .
وقال : حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا عفان ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن عبد الرحمن بن صحار العبدي : أنه بلغه أن نبي الله بعثه إلى جبار يدعوه ، فقال : أرأيتم ربكم ، أذهب هو ؟ أو فضة هو ؟ ألؤلؤ هو ؟ قال : فبينا هو يجادلهم ، إذ بعث الله سحابة فرعدت فأرسل عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه ، ونزلت هذه الآية .
وقال أبو بكر بن عياش ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد قال : جاء يهودي فقال : يا محمد ، أخبرني عن ربك ، [ من أي شيء هو ] من نحاس هو ؟ من لؤلؤ ؟ أو ياقوت ؟ قال : فجاءت صاعقة فأخذته ، وأنزل الله : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء )
وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن ، وكذب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل الله صاعقة فأهلكته وأنزل : ( ويرسل الصواعق ) الآية .
وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة لما قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر فأبى عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له عامر بن الطفيل ، لعنه الله : أما والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يأبى الله عليك ذلك وأبناء قيلة . يعني : الأنصار ، ثم إنهما هما بالفتك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل أحدهما يخاطبه ، والآخر يستل سيفه ليقتله من ورائه ، فحماه الله منهما وعصمه ، فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب ، يجمعان الناس لحربه ، عليه السلام فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته . وأما عامر بن الطفيل فأرسل الله عليه الطاعون ، فخرجت فيه غدة عظيمة ، فجعل يقول : يا آل عامر ، غدة كغدة البكر ، وموت في بيت سلولية ؟ حتى ماتا لعنهما الله ، وأنزل الله في مثل ذلك : [ ص: 444 ]
( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة ، أخو أربد يرثيه :
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد فجعني الرعد والصواعق بال
فارس يوم الكريهة النجد
وقال : حدثنا الحافظ أبو القاسم الطبراني مسعدة بن سعد العطار ، حدثنا ، حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي عبد العزيز بن عمران ، حدثني عبد الرحمن وعبد الله ابنا ، عن أبيهما ، عن زيد بن أسلم ، عطاء بن يسار ابن عباس ، أن أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلاب ، وعامر بن الطفيل بن مالك ، قدما المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فانتهيا إليه وهو جالس ، فجلسا بين يديه ، فقال عامر بن الطفيل : يا محمد ، ما تجعل لي إن أسلمت ؟ فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لك ما للمسلمين ، وعليك ما عليهم " . قال عامر بن الطفيل : أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك ؟ قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ليس ذلك لك ولا لقومك ، ولكن لك أعنة الخيل " . قال : أنا الآن في أعنة خيل نجد ، اجعل لي الوبر ولك المدر . قال رسول الله : " لا " . فلما قفلا من عنده قال عامر : أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " يمنعك الله " . فلما خرج أربد وعامر ، قال عامر : يا أربد ، أنا أشغل عنك محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحديث ، فاضربه بالسيف ، فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ، ويكرهوا الحرب ، فنعطيهم الدية . قال أربد : أفعل . فأقبلا راجعين إليه ، فقال عامر : يا محمد ، قم معي أكلمك . فقام معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلسا إلى الجدار ، ووقف معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلمه ، وسل أربد السيف ، فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف ، فلم يستطع سل السيف ، فأبطأ أربد على عامر بالضرب ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أربد ، وما يصنع ، فانصرف عنهما . فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كانا بالحرة ، حرة واقم نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ فقالا اشخصا يا عدوي الله ، لعنكما الله . فقال وأسيد بن حضير عامر : من هذا يا سعد ؟ قال : هذا الكتائب فخرجا حتى إذا كانا بالرقم ، أرسل الله على أسيد بن حضير أربد صاعقة فقتلته ، وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم ، أرسل الله قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول : غدة كغدة الجمل في بيت سلولية ترغب أن يموت في بيتها! ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعا ، فأنزل الله فيهما : ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) إلى قوله : ( وما لهم من دونه من وال ) [ الرعد : 8 - 11 ] - قال : المعقبات من أمر الله يحفظون محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر أربد وما قتله به ، فقال : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) الآية . [ ص: 445 ] عن
وقوله : ( وهم يجادلون في الله ) أي : يشكون في عظمته ، وأنه لا إله إلا هو ، ( وهو شديد المحال )
قال ابن جرير : شديدة مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره .
وهذه الآية شبيهة بقوله : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) [ النمل : 50 ، 51 ] .
وعن علي ، رضي الله عنه : ( وهو شديد المحال ) أي : شديد الأخذ . وقال مجاهد : شديد القوة .