[ ص: 240 ] ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ( 126 ) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ( 127 ) )
يقول تعالى : أولا يرى هؤلاء المنافقون ( أنهم يفتنون ) أي : يختبرون ( في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ) أي : لا يتوبون من ذنوبهم السالفة ، ولا هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم .
قال مجاهد : يختبرون بالسنة والجوع .
وقال قتادة : بالغزو في السنة مرة أو مرتين .
وقال شريك ، عن جابر - هو الجعفي - عن أبي الضحى ، عن حذيفة : ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) قال : كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين ، فيضل بها فئام من الناس كثير . رواه ابن جرير .
وفي الحديث عن أنس : ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم . " لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا يزداد الناس إلا شحا ، وما من عام إلا والذي بعده شر منه "
وقوله : ( وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) هذا أيضا إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( نظر بعضهم إلى بعض ) أي : تلفتوا ، ( هل يراكم من أحد ثم انصرفوا ) أي : تولوا عن الحق وانصرفوا عنه ، وهذا حالهم في الدين لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يقيمونه كما قال تعالى : ( فما لهم عن التذكرة معرضين . كأنهم حمر مستنفرة . فرت من قسورة ) [ المدثر : 49 - 51 ] ، وقال تعالى : ( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين . عن اليمين وعن الشمال عزين ) [ المعارج : 36 ، 37 ] ، أي : ما لهؤلاء القوم يتقللون عنك يمينا وشمالا هروبا من الحق ، وذهابا إلى الباطل .
وقوله : ( ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم ) كقوله : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) [ الصف : 5 ] ، [ ص: 241 ] ( بأنهم قوم لا يفقهون ) أي : لا يفهمون عن الله خطابه ، ولا يقصدون لفهمه ولا يريدونه ، بل هم في شده عنه ونفور منه فلهذا صاروا إلى ما صاروا إليه .