[ ص: 172 ] قوله تعالى : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء إلى قوله : ( معروفا ) فيه تسع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ( ولا جناح ) أي لا إثم ، والجناح الإثم ، وهو أصح في الشرع وقيل : بل هو الأمر الشاق ، وهو أصح في اللغة ، قال الشماخ :
إذا تعلو براكبها خليجا تذكر ما لديه من الجناح
وقوله : عليكم فيما عرضتم المخاطبة لجميع الناس ، والمراد بحكمها هو الرجل الذي في نفسه تزوج معتدة ، أي لا وزر عليكم في . والتعريض : ضد التصريح ، وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره وهو من عرض الشيء وهو جانبه ، كأنه يحوم به على الشيء ولا يظهره . وقيل ، هو من قولك عرضت الرجل ، أي أهديت إليه تحفة ، وفي الحديث : التعريض بالخطبة في عدة الوفاة أن ركبا من المسلمين عرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضاء ، أي أهدوا لهما . فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه .الثانية : قال ابن عطية : أجمعت الأمة على أن وتنبيه عليه لا يجوز ، وكذلك أجمعت الأمة على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز ، وكذلك ما أشبهه ، وجوز ما عدا ذلك . ومن أعظمه قربا إلى التصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها : لفاطمة بنت قيس . ولا يجوز كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك إجماعا لأنها كالزوجة . وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض لخطبتها والله أعلم . وروي في تفسير التعريض ألفاظ كثيرة جماعها يرجع إلى قسمين : الأول : أن يذكرها لوليها يقول له لا تسبقني بها . والثاني : أن يشير بذلك إليها دون واسطة ، فيقول لها : إني أريد التزويج ، أو إنك لجميلة ، إنك لصالحة ، إن الله لسائق إليك خيرا ، إني فيك لراغب ، ومن يرغب عنك ، إنك لنافقة ، وإن حاجتي في النساء ، وإن يقدر الله أمرا يكن . هذا هو تمثيل التعريض لخطبة الرجعية مالك وابن شهاب . وقال ابن عباس : لا بأس أن يقول : لا تسبقيني بنفسك ، ولا بأس أن يهدي إليها ، وأن يقوم بشغلها في العدة إذا كانت من شأنه ، قاله إبراهيم . [ ص: 173 ] وجائز أن يمدح نفسه ويذكر مآثره على وجه التعريض بالزواج ، وقد فعله ، قالت أبو جعفر محمد بن علي بن حسين سكينة بنت حنظلة استأذن علي محمد بن علي ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال : قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتي من علي وموضعي في العرب . قلت غفر الله لك يا أبا جعفر ، إنك رجل يؤخذ عنك ، تخطبني في عدتي ، قال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي . وقد أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال : لقد علمت أني رسول الله وخيرته وموضعي في قومي كانت تلك خطبة ، أخرجه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على . الدارقطني جائزة ، وهى من التعريض ، قاله والهدية إلى المعتدة سحنون وكثير من العلماء وقاله إبراهيم . وكره مجاهد أن يقول لها : لا تسبقيني بنفسك ورآه من المواعدة سرا . قال القاضي أبو محمد بن عطية : وهذا عندي على أن يتأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أنه على جهة الرأي لها فيمن يتزوجها لا أنه أرادها لنفسه وإلا فهو خلاف لقول النبي صلى الله عليه وسلم .
الثالثة : قوله تعالى : من خطبة النساء الخطبة ( بكسر الخاء ) : فعل الخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول . يقال : خطبها يخطبها خطبا وخطبة . ورجل خطاب كثير التصرف في الخطبة ، ومنه قول الشاعر :
برح بالعينين خطاب الكثب يقول إني خاطب وقد كذب
وإنما يخطب عسا من حلب
والخطيب : الخاطب . والخطيبى : الخطبة ، قال : عدي بن زيد يذكر قصة جذيمة الأبرش لخطبة الزباء :لخطيبى التي غدرت وخانت وهن ذوات غائلة لحينا
الرابعة : أو أكننتم في أنفسكم معناه سترتم وأضمرتم من التزوج بها بعد انقضاء عدتها . والإكنان : الستر والإخفاء ، يقال : كننته وأكننته بمعنى واحد . وقيل : كننته أي صنته حتى لا تصيبه آفة وإن لم يكن مستورا ، ومنه بيض مكنون ودر مكنون . وأكننته أسررته [ ص: 174 ] وسترته . وقيل : كننت الشيء من الأجرام إذا سترته بثوب أو بيت أو أرض ونحوه . وأكننت الأمر في نفسي . ولم يسمع من العرب كننته في نفسي . ويقال : أكن البيت الإنسان ، ونحو هذا . فرفع الله الجناح عمن أراد تزوج المعتدة مع التعريض ومع الإكنان ، ونهى عن المواعدة التي هي تصريح بالتزويج وبناء عليه واتفاق على وعد . ورخص لعلمه تعالى بغلبة النفوس وطمحها وضعف البشر عن ملكها . قوله تعالى :
الخامسة : استدلت الشافعية بهذه الآية على أن التعريض لا يجب فيه حد ، وقالوا : لما رفع الله تعالى الحرج في التعريض في النكاح دل على أن لا يوجب الحد ؛ لأن الله سبحانه لم يجعل التعريض في النكاح مقام التصريح . التعريض بالقذف
قلنا : هذا ساقط لأن الله سبحانه وتعالى لم يأذن في التصريح بالنكاح في الخطبة ، وأذن في التعريض الذي يفهم منه النكاح ، فهذا دليل على أن التعريض يفهم منه القذف ، والأعراض يجب صيانتها ، وذلك يوجب حد المعرض ، لئلا يتطرق الفسقة إلى أخذ الأعراض بالتعريض الذي يفهم منه ما يفهم بالتصريح .
السادسة : قوله تعالى : علم الله أنكم ستذكرونهن أي إما سرا وإما إعلانا في نفوسكم وبألسنتكم ، فرخص في التعريض دون التصريح . الحسن : معناه ستخطبونهن .
السابعة : ولكن لا تواعدوهن سرا أي على سر فحذف الحرف ؛ لأنه مما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر . قوله تعالى :
واختلف العلماء في معنى قوله تعالى : سرا فقيل ، معناه نكاحا ، أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني ، بل يعرض إن أراد ، ولا يأخذ ميثاقها وعهدها ألا تنكح غيره في استسرار وخفية ، هذا قول ابن عباس وابن جبير وأصحابه ومالك ومجاهد وعكرمة والشعبي وجمهور أهل العلم . " وسرا " على هذا التأويل نصب على الحال ، أي مستسرين . وقيل : السر الزنا ، أي لا يكونن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزوج بعدها . قال معناه والسدي جابر بن زيد وأبو مجلز لاحق بن حميد ، والحسن بن أبي الحسن وقتادة والنخعي والضحاك ، وأن السر في هذه الآية الزنا ، أي لا تواعدوهن زنا ، واختاره الطبري ، ومنه قول الأعشى :
فلا تقربن جارة إن سرها عليك حرام فانكحن أو تأبدا
ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وألا يحسن السر أمثالي
فكف عن إسرارها بعد الغسق
أي كف عن جماعها بعد ملازمته لذلك . وقد يكون السر عقدة النكاح ، سرا كان أو جهرا ، قال الأعشى :فلن يطلبوا سرها للغنى ولن يسلموها لإزهادها
الثامنة : قال القاضي أبو محمد بن عطية : أجمعت الأمة على كراهة . قال المواعدة في العدة للمرأة في نفسها ، وللأب في ابنته البكر ، وللسيد في أمته ابن المواز : وأما الولي الذي لا يملك الجبر فأكرهه وإن نزل لم أفسخه . وقال مالك رحمه الله فيمن يواعد في العدة ثم يتزوج بعدها : فراقها أحب إلي ، دخل بها أو لم يدخل ، وتكون تطليقة واحدة ، فإذا حلت خطبها مع الخطاب ، هذه رواية ابن وهب . وروى أشهب عن مالك أنه يفرق بينهما إيجابا ، وقاله ابن القاسم . وحكى ابن الحارث مثله عن ابن الماجشون ، وزاد ما يقتضي أن التحريم يتأبد . وقال : إن الشافعي فالنكاح ثابت والتصريح لهما مكروه لأن النكاح حادث بعد الخطبة ، قاله صرح بالخطبة وصرحت له بالإجابة ولم يعقد النكاح حتى تنقضي العدة ابن المنذر .
التاسعة : إلا أن تقولوا قولا معروفا استثناء منقطع بمعنى لكن ، كقوله قوله تعالى : إلا خطأ ؛ أي لكن خطأ . والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض . وقد ذكر الضحاك أن من القول المعروف أن يقول للمعتدة : احبسي علي نفسك فإن لي بك رغبة ، فتقول هي : وأنا مثل ذلك ، وهذا شبه المواعدة .
[ ص: 176 ] ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله فيه تسع مسائل : قوله تعالى :
الأولى : قوله تعالى : ولا تعزموا قد تقدم القول في معنى العزم ، يقال : عزم الشيء وعزم عليه . والمعنى هنا : ولا تعزموا على عقدة النكاح . ومن الأمر البين أن القرآن أفصح كلام ، فما ورد فيه فلا معترض عليه ، ولا يشك في صحته وفصاحته ، وقد قال الله تعالى : وإن عزموا الطلاق ، وقال هنا : ولا تعزموا عقدة النكاح والمعنى : لا تعزموا على عقدة النكاح في زمان العدة ثم حذف على ما تقدم . وحكى : ضرب فلان الظهر والبطن ، أي على . قال سيبويه : والحذف في هذه الأشياء لا يقاس عليه . قال سيبويه النحاس : ويجوز أن يكون ( لا تعقدوا عقدة النكاح ) ؛ لأن معنى " تعزموا " وتعقدوا واحد . ويقال : " تعزموا " بضم الزاي .
الثانية : حتى يبلغ الكتاب أجله يريد تمام العدة . والكتاب هنا هو الحد الذي جعل والقدر الذي رسم من المدة ، سماها كتابا إذ قد حده وفرضه كتاب الله كما قال قوله تعالى : كتاب الله عليكم وكما قال : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا . فالكتاب : الفرض ، أي حتى يبلغ الفرض أجله ، كتب عليكم الصيام ؛ أي فرض . وقيل : في الكلام حذف ، أي حتى يبلغ فرض الكتاب أجله ، فالكتاب على هذا التأويل بمعنى القرآن . وعلى الأول لا حذف فهو أولى ، والله أعلم .
الثالثة : حرم الله تعالى بقوله تعالى : عقد النكاح في العدة ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وهذا من المحكم المجمع على تأويله ، أن بلوغ أجله انقضاء العدة . وأباح بقوله : التعريض في العدة ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الآية . ولم يختلف العلماء في إباحة ذلك ، واختلفوا في على ما تقدم . واختلفوا في ألفاظ التعريض ، أو يواعدها ويعقد بعد العدة ، وقد تقدم هذا في الآية التي قبلها . واختلفوا إن عزم العقدة في العدة وعثر عليه ففسخ الحاكم نكاحه ، وذلك قبل الدخول وهي : الرجل يخطب امرأة في عدتها جاهلا
الرابعة : فقول عمر بن الخطاب وجماعة من العلماء أن ذلك لا يؤبد تحريما ، وأنه يكون خاطبا من الخطاب ، وقاله مالك وابن القاسم في المدونة في آخر الباب الذي يليه ( ضرب أجل المفقود ) . وحكى ابن الجلاب عن مالك رواية أن التحريم يتأبد في العقد وإن فسخ قبل الدخول ، ووجهه أنه نكاح في العدة فوجب أن يتأبد به التحريم ، أصله إذا بنى بها . وأما إن عقد في العدة ودخل بعد انقضائها وهي :
[ ص: 177 ] الخامسة : فقال قوم من أهل العلم : ذلك كالدخول في العدة ، يتأبد التحريم بينهما . وقال قوم من أهل العلم : لا يتأبد بذلك تحريم . وقال مالك : يتأبد التحريم . وقال مرة : وما التحريم بذلك بالبين ، والقولان له في المدونة في طلاق السنة . وأما إن دخل في العدة وهي :
السادسة : فقال مالك والليث : يفرق بينهما ولا تحل له أبدا . قال والأوزاعي مالك : ولا بملك اليمين ، مع أنهم جوزوا التزويج بالمزني بها . واحتجوا بأن والليث عمر بن الخطاب قال : لا يجتمعان أبدا . قال سعيد : ولها مهرها بما استحل من فرجها ، أخرجه مالك في موطئه وسيأتي . وقال الثوري والكوفيون : يفرق بينهما ولا يتأبد التحريم بل يفسخ بينهما ثم تعتد منه ، ثم يكون خاطبا من الخطاب . واحتجوا بإجماع العلماء على أنه لو زنى بها لم يحرم عليه تزويجها ، فكذلك وطؤه إياها في العدة . قالوا : وهو قول والشافعي علي . ذكره عبد الرزاق . وذكر عن ابن مسعود مثله ، وعن الحسن أيضا . وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك وجعلهما يجتمعان . وذكر في المنتقى فقال : لا يخلو القاضي أبو الوليد الباجي أن يبني بها في العدة أو بعدها ، فإن كان بنى بها في العدة فإن المشهور من المذهب أن التحريم يتأبد ، وبه قال الناكح في العدة إذا بنى بها . وروى أحمد بن حنبل الشيخ أبو القاسم في تفريعه أن في التي يتزوجها الرجل في عدة من طلاق أو وفاة عالما بالتحريم روايتين ، إحداهما : أن تحريمه يتأبد على ما قدمناه . والثانية : أنه زان وعليه الحد ، ولا يلحق به الولد ، وله أن يتزوجها إذا انقضت عدتها ، وبه قال الشافعي . ووجه الرواية الأولى - وهي المشهورة - ما ثبت من قضاء وأبو حنيفة عمر بذلك ، وقيامه بذلك في الناس ، وكانت قضاياه تسير وتنتشر وتنقل في الأمصار ، ولم يعلم له مخالف ، فثبت أنه إجماع . قال القاضي أبو محمد : وقد روي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب ولا مخالف لهما مع شهرة ذلك وانتشاره ، وهذا حكم الإجماع . ووجه الرواية الثانية أن هذا وطء ممنوع فلم يتأبد تحريمه ، كما لو زوجت نفسها أو تزوجت متعة أو زنت . وقد قال القاضي أبو الحسن : إن مذهب مالك المشهور في ذلك ضعيف من جهة النظر . والله أعلم . وأسند أبو عمر : حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا عن قاسم بن أصبغ عن محمد بن إسماعيل نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن أشعث عن الشعبي عن مسروق قال : بلغ عمر بن الخطاب أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما وقال : لا تنكحها أبدا وجعل صداقها في بيت المال ، وفشا ذلك في الناس فبلغ عليا فقال : يرحم الله أمير المؤمنين ، ما بال الصداق وبيت المال ، إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة . قيل : فما تقول أنت [ ص: 178 ] فيهما ؟ فقال : لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الأول ، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء ثم يخطبها إن شاء . فبلغ عمر فخطب الناس فقال : أيها الناس ، ردوا الجهالات إلى السنة . قال الكيا الطبري : ولا خلاف بين الفقهاء أن من أن النكاح فاسد . وفي اتفاق عقد على امرأة نكاحها وهي في عدة من غيره عمر وعلي على نفي الحد عنهما ما يدل على أن ، إلا أنه مع الجهل بالتحريم متفق عليه ، ومع العلم به مختلف فيه . واختلفوا هل تعتد منهما جميعا وهذه مسألة العدتين وهي : النكاح الفاسد لا يوجب الحد
السابعة : فروى المدنيون عن مالك أنها تتم بقية عدتها من الأول ، وتستأنف عدة أخرى من الآخر ، وهو قول الليث والحسن بن حي والشافعي وأحمد وإسحاق . وروي عن علي كما ذكرنا ، وعن عمر على ما يأتي . وروى محمد بن القاسم عن وابن وهب مالك : أن عدتها من الثاني تكفيها من يوم فرق بينه وبينها ، سواء كانت بالحمل أو بالأقراء أو بالشهور ، وهو قول الثوري والأوزاعي . وحجتهم الإجماع على أن الأول لا ينكحها في بقية العدة منه ، فدل على أنها في عدة من الثاني ، ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه . أجاب الأولون فقالوا : هذا غير لازم لأن منع الأول من أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني ، وهما حقان قد وجبا عليها لزوجين كسائر حقوق الآدميين ، لا يدخل أحدهما في صاحبه . وخرج وأبي حنيفة مالك عن ابن شهاب عن وعن سعيد بن المسيب سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ، ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول ، ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب ، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ، ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا . قال مالك : وقال : ولها مهرها بما استحل من فرجها . قال سعيد بن المسيب أبو عمر : وأما طليحة هذه فهي طليحة بنت عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التيمي ، وفي بعض نسخ الموطأ من رواية يحيى : طليحة الأسدية وذلك خطأ وجهل ، ولا أعلم أحدا قاله .
الثامنة : قوله ( فضربها عمر بالمخفقة وضرب زوجها ضربات ) يريد على وجه العقوبة لما ارتكباه من المحظور وهو . وقال النكاح في العدة الزهري : فلا أدري كم بلغ ذلك الجلد . قال : وجلد عبد الملك في ذلك كل واحد منهما أربعين جلدة . قال : فسئل عن ذلك قبيصة بن [ ص: 179 ] ذؤيب فقال : لو كنتم خففتم فجلدتم عشرين ، وقال ابن حبيب في التي على وجه اللذة أن على الزوجين العقوبة وعلى الولي وعلى الشهود ومن علم منهم أنها في عدة ، ومن جهل منهم ذلك فلا عقوبة عليه . وقال تتزوج في العدة فيمسها الرجل أو يقبل أو يباشر أو يغمز أو ينظر ابن المواز : يجلد الزوجان الحد إن كانا تعمدا ذلك ، فيحمل قول ابن حبيب على من علم بالعدة ، ولعله جهل التحريم ولم يتعمد ارتكاب المحظور فذلك الذي يعاقب ، وعلى ذلك كان ضرب عمر المرأة وزوجها بالمخفقة ضربات . وتكون العقوبة والأدب في ذلك بحسب حال المعاقب . ويحمل قول ابن المواز على أنهما علما التحريم واقتحما ارتكاب المحظور جرأة وإقداما . وقد قال الشيخ أبو القاسم : إنهما روايتان في التعمد ، إحداهما يحد ، والثانية يعاقب ولا يحد .
التاسعة : قوله تعالى : واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه هذا نهاية التحذير من الوقوع فيما نهى عنه .