انطلقوا إلى ظل أي دخان ذي ثلاث شعب يعني الدخان الذي يرتفع ثم يتشعب إلى ثلاث شعب . وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب .
ثم وصف الظل فقال : لا ظليل أي ليس كالظل الذي يقي حر الشمس ولا يغني من اللهب أي لا يدفع من لهب جهنم شيئا . واللهب ما يعلو على النار إذ اضطرمت ، من أحمر وأصفر وأخضر .
وقيل : إن الشعب الثلاث هي الضريع والزقوم والغسلين ; قاله الضحاك . وقيل : اللهب ثم الشرر ثم الدخان ; لأنها ثلاثة أحوال ، هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت . وقيل : عنق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب . فأما النور فيقف على رؤوس المؤمنين ، وأما الدخان فيقف على رؤوس المنافقين ، وأما اللهب [ ص: 142 ] الصافي فيقف على رؤوس الكافرين . وقيل : هو السرادق ، وهو لسان من نار يحيط بهم ، ثم يتشعب منه ثلاث شعب ، فتظللهم حتى يفرغ من حسابهم إلى النار . وقيل : هو الظل من يحموم ; كما قال تعالى : في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم على ما تقدم . وفي الحديث : وليس عليهم يومئذ لباس ولا لهم أكفان فتلحقهم الشمس وتأخذ بأنفاسهم ومد ذلك اليوم ، ثم ينجي الله برحمته من يشاء إلى ظل من ظله فهنالك يقولون : الشمس تدنو من رؤوس الخلائق فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم " ويقال للمكذبين : " إن انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب فيكون أولياء الله - جل ثناؤه - في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل ، إلى أن يفرغ من الحساب ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار .
ثم وصف النار فقال : إنها ترمي بشرر كالقصر الشرر : واحدته شررة . والشرار : واحدته شرارة ، وهو ما تطاير من النار في كل جهة ، وأصله من شررت الثوب إذا بسطته للشمس ليجف . والقصر البناء العالي . وقراءة العامة كالقصر بإسكان الصاد : أي الحصون والمدائن في العظم وهو واحد القصور . قاله ابن عباس . وهو في معنى الجمع على طريق الجنس . وقيل : القصر جمع قصرة ساكنة الصاد ، مثل جمرة وجمر وتمرة وتمر . والقصرة : الواحدة من جزل الحطب الغليظ . وابن مسعود
وفي عن البخاري ابن عباس أيضا : ترمي بشرر كالقصر قال كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل ، فترفعه للشتاء ، فنسميه القصر ، وقال سعيد بن جبير والضحاك : هي أصول الشجر والنخل العظام إذا وقع وقطع . وقيل : أعناقه . وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد والسلمي ( كالقصر ) بفتح الصاد ، أراد أعناق النخل . والقصرة العنق ، جمعها قصر وقصرات . وقال قتادة : أعناق الإبل . قرأ سعيد بن جبير بكسر القاف وفتح الصاد ، وهي أيضا جمع قصرة مثل بدرة وبدر وقصعة وقصع وحلقة وحلق ، لحلق الحديد . وقال أبو حاتم : ولعله لغة ، كما قالوا : حاجة وحوج .
وقيل : القصر : الجبل ، فشبه الشرر بالقصر في مقاديره ، ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر ، وهي الإبل السود ; والعرب تسمي السود من الإبل صفرا ; قال الشاعر [ الأعشى ] :
تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب
أي هن سود . وإنما سميت السود من الإبل صفرا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة ; كما قيل لبيض الظباء : الأدم ; لأن بياضها تعلوه كدرة : والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون [ ص: 143 ] النار ، أشبه شيء بالإبل السود ، لما يشوبها من صفرة . وفي شعر : عمران بن حطان الخارجيدعتهم بأعلى صوتها ورمتهم بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى
والقصر : واحد القصور . وقصر الظلام : اختلاطه ويقال : أتيته قصرا أي عشيا ، فهو مشترك ; قال [ ] : كثير عزة
كأنهم قصرا مصابيح راهب بموزن روى بالسليط ذبالها