قوله تعالى : ويوم يحشرهم قرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وحفص ويعقوب وأبو عمرو في رواية الدوري : يحشرهم بالياء . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ; لقوله في أول الكلام : كان على ربك وفي آخره أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء . الباقون بالنون على التعظيم . وما يعبدون من دون الله من الملائكة والإنس والجن والمسيح وعزير ; قاله مجاهد . وابن جريج الضحاك وعكرمة : الأصنام . فيقول قراءة العامة بالياء وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقرأ ابن عامر وأبو حيوة بالنون على التعظيم . أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل وهذا استفهام توبيخ للكفار . قالوا سبحانك أي قال المعبودون من دون [ ص: 12 ] الله سبحانك ; أي تنزيها لك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء فإن قيل : فإن كانت الأصنام التي تعبد تحشر فكيف تنطق وهي جماد ؟ قيل له : ينطقها الله تعالى يوم القيامة كما ينطق الأيدي والأرجل . وقرأ الحسن وأبو جعفر : " أن نتخذ " بضم النون وفتح الخاء على الفعل المجهول . وقد تكلم في هذه القراءة النحويون ; فقال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر : لا يجوز " نتخذ " وقال أبو عمرو : لو كانت " نتخذ " لحذفت " من " الثانية ، فقلت : أن نتخذ من دونك أولياء . كذلك قال أبو عبيدة ، لا يجوز " نتخذ " لأن الله تعالى ذكر " من " مرتين ، ولو كان كما قرأ لقال : أن نتخذ من دونك أولياء . وقيل : إن " من " الثانية صلة . قال النحاس : ومثل أبي عمرو على جلالته ومحله يستحسن ما قال ; لأنه جاء ببينة . وشرح ما قال أنه يقال : ما اتخذت رجلا وليا ; فيجوز أن يقع هذا للواحد بعينه ; ثم يقال : ما اتخذت من رجل وليا فيكون نفيا عاما ، وقولك ( وليا ) تابع لما قبله فلا يجوز أن تدخل فيه " من " لأنه لا فائدة في ذلك . ولكن متعتهم وآباءهم أي في الدنيا بالصحة والغنى وطول العمر بعد موت الرسل صلوات الله عليهم . حتى نسوا الذكر أي تركوا ذكرك فأشركوا بك بطرا وجهلا فعبدونا من غير أن أمرناهم بذلك .
وفي " الذكر " قولان : أحدهما : القرآن المنزل على الرسل ; تركوا العمل به ; قاله ابن زيد . الثاني : الشكر على الإحسان إليهم والإنعام عليهم . إنهم كانوا قوما بورا ، أي هلكى ; قاله ابن عباس . مأخوذ من البوار وهو الهلاك . وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وقد أشرف على أهل حمص : يا أهل حمص ! هلم إلى أخ ، لكم ناصح ، فلما اجتمعوا حوله قال : ما لكم لا تستحون ! تبنون ما لا تسكنون ، وتجمعون ما لا تأكلون ، وتأملون ما لا تدركون ، إن من كان قبلكم بنوا مشيدا وجمعوا عبيدا ، وأملوا بعيدا ، فأصبح جمعهم بورا ، وآمالهم غرورا ، ومساكنهم قبورا . فقوله : بورا أي هلكى . وفي خبر آخر : فأصبحت منازلهم بورا ; أي خالية لا شيء فيها . وقال الحسن : بورا لا خير فيهم . مأخوذ من بوار الأرض ، وهو تعطيلها من الزرع فلا يكون فيها خير . وقال شهر بن حوشب : البوار : الفساد والكساد ; مأخوذ من قولهم : بارت السلعة : إذا كسدت كساد الفاسد ; ومنه الحديث : " " . وهو اسم مصدر كالزور يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث . قال نعوذ بالله من بوار الأيم ابن الزبعرى :
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغ
ي ومن مال ميله مثبور
[ ص: 13 ] وقال بعضهم : الواحد بائر والجمع بور . كما يقال : عائذ وعوذ ، وهائد وهود . وقيل : بورا عميا عن الحق .
فقد كذبوكم بما تقولون أي يقول الله تعالى عند تبري المعبودين : قوله تعالى : فقد كذبوكم بما تقولون أي في قولكم إنهم آلهة . فما يستطيعون يعني الآلهة ، صرف العذاب عنكم ولا نصركم . وقيل : فما يستطيع هؤلاء الكفار لما كذبهم المعبودون صرفا للعذاب ولا نصرا من الله . وقال ابن زيد : المعنى فقد كذبكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد ; وعلى هذا فمعنى بما تقولون بما تقولون من الحق . وقال أبو عبيد : المعنى ; فيما تقولون فما يستطيعون لكم صرفا عن الحق الذي هداكم الله إليه ، ولا نصرا لأنفسهم مما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم . وقراءة العامة بما تقولون بالتاء على الخطاب . وقد بينا معناه . وحكى الفراء أنه يقرأ فقد كذبوكم مخففا ، بما يقولون . وكذا قرأ مجاهد والبزي بالياء ، ويكون معنى يقولون : بقولهم . وقرأ أبو حيوة : بما يقولون بياء فما تستطيعون بتاء على الخطاب لمتخذي الشركاء . ومن قرأ بالياء فالمعنى : فما يستطيع الشركاء . ومن يظلم منكم قال ابن عباس : من يشرك منكم ثم مات عليه . نذقه أي في الآخرة . عذابا كبيرا أي شديدا ، كقوله تعالى : ولتعلن علوا كبيرا أي شديدا .