قوله : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون
[ ص: 249 ] فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : إنكم وما تعبدون قال ابن عباس : آية لا يسألني الناس عنها ! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها ، أو جهلوها فلا يسألون عنها ؛ فقيل : وما هي ؟ قال : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لما أنزلت شق على كفار قريش ، وقالوا : شتم آلهتنا ، وأتوا ابن الزبعرى وأخبروه ، فقال : لو حضرته لرددت عليه . قالوا : وما كنت تقول ؟ قال : كنت أقول له : هذا المسيح تعبده النصارى و اليهود تعبد عزيرا أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته ، ورأوا أن محمدا قد خصم ؛ فأنزل الله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون وفيه نزل ولما ضرب ابن مريم مثلا يعني ابن الزبعرى إذا قومك منه يصدون بكسر الصاد ؛ أي يضجون ؛ وسيأتي .
الثانية : هذه الآية أصل القول بالعموم وأن له صيغا مخصوصة ، خلافا لمن قال : ليست له صيغة موضوعة للدلالة عليه ، وهو باطل بما دلت عليه هذه الآية وغيرها ؛ فهذا عبد الله بن الزبعرى قد فهم ( ما ) في جاهليته جميع من عبد ، ووافقه على ذلك قريش وهم العرب الفصحاء ، واللسن البلغاء ، ولو لم تكن للعموم لما صح أن يستثنى منها ، وقد وجد ذلك فهي للعموم وهذا واضح .
الثالثة : قراءة العامة بالصاد المهملة أي إنكم يا معشر الكفار والأوثان التي تعبدونها من دون الله وقود جهنم ؛ قاله ابن عباس . وقال مجاهد وعكرمة وقتادة : حطبها . وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليهما ( حطب جهنم ) بالطاء . وقرأ وعائشة ابن عباس ( حضب ) بالضاد المعجمة ؛ قال الفراء : يريد الحصب . قال : وذكر لنا أن الحضب في لغة أهل اليمن الحطب ، وكل ما هيجت به النار وأوقدتها به فهو حضب ؛ ذكره الجوهري . والموقد محضب . وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : حصب جهنم كل ما ألقيته في النار فقد حصبتها به . ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبدون من الأصنام حطب لجهنم . ونظير هذه الآية قوله تعالى : فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة . وقيل : إن المراد بالحجارة حجارة الكبريت ؛ على ما تقدم في ( البقرة ) وأن النار لا تكون على الأصنام عذابا ولا عقوبة ؛ لأنها لم تذنب ، [ ص: 250 ] ولكن تكون عذابا على من عبدها : أول شيء بالحسرة ، ثم تجمع على النار فتكون نارها أشد من كل نار ، ثم يعذبون بها . وقيل : تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم وقيل : إنما جعلت في النار تبكيتا لعبادتهم .
الرابعة : قوله تعالى : أنتم لها واردون أي فيها داخلون . والخطاب للمشركين عبدة الأصنام ؛ أي أنتم واردوها مع الأصنام . ويجوز أن يقال : الخطاب للأصنام وعبدتها ؛ لأن الأصنام وإن كانت جمادات فقد يخبر عنها بكنايات الآدميين . وقال العلماء : لا يدخل في هذا عيسى ولا عزير ولا الملائكة صلوات الله عليهم ؛ لأن ( ما ) لغير الآدميين . فلو أراد ذلك لقال : ( ومن ) . قال الزجاج : ولأن المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة دون غيرهم .
قوله تعالى : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها أي لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار . وقيل : ما وردها العابدون والمعبودون ؛ ولهذا قال : وكل فيها خالدون .
قوله تعالى : لهم فيها زفير أي لهؤلاء الذين وردوا النار من الكفار والشياطين ؛ فأما الأصنام فعلى الخلاف فيها ؛ هل يحييها الله تعالى ويعذبها حتى يكون لها زفير أو لا ؟ قولان : والزفير صوت نفس المغموم يخرج من القلب . وقد تقدم في ( هود ) . وهم فيها لا يسمعون قيل : في الكلام حذف ؛ والمعنى وهم فيها لا يسمعون شيئا ؛ لأنهم يحشرون صما ، كما قال الله تعالى : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما . وفي سماع الأشياء روح وأنس ، فمنع الله الكفار ذلك في النار . وقيل : لا يسمعون ما يسرهم ، بل يسمعون صوت من يتولى تعذيبهم من الزبانية . وقيل : إذا قيل لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون يصيرون حينئذ صما بكما ؛ كما قال ابن مسعود : إذا بقي من يخلد في النار في جهنم جعلوا في توابيت من نار ، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار ، فلا يسمعون شيئا ، ولا يرى أحد منهم أن في النار من يعذب غيره .