قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79ومن الليل فتهجد به من للتبعيض . والفاء في قوله فتهجد ناسقة على مضمر ، أي قم فتهجد .
به أي بالقرآن . والتهجد من الهجود وهو من الأضداد . يقال : هجد نام ، وهجد سهر ; على الضد . قال الشاعر :
ألا زارت وأهل منى هجود وليت خيالها بمنى يعود
آخر :
ألا طرقتنا والرفاق هجود فباتت بعلات النوال تجود
يعني نياما . وهجد وتهجد بمعنى . وهجدته أي أنمته ، وهجدته أي أيقظته .
nindex.php?page=treesubj&link=1259والتهجد التيقظ بعد رقدة ، فصار اسما للصلاة ; لأنه ينتبه لها . فالتهجد القيام إلى الصلاة من النوم . قال معناه
الأسود وعلقمة nindex.php?page=showalam&ids=16333وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم . وروى
إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث
الحجاج بن عمر صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839747أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد ! إنما التهجد الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة . كذلك
[ ص: 277 ] كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : الهجود النوم . يقال : تهجد الرجل إذا سهر ، وألقى الهجود وهو النوم . ويسمى من قام إلى الصلاة متهجدا ; لأن المتهجد هو الذي يلقي الهجود الذي هو النوم عن نفسه . وهذا الفعل جار مجرى تحوب وتحرج وتأثم وتحنث وتقذر وتنجس ; إذا ألقى ذلك عن نفسه . ومثله قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فظلتم تفكهون معناه تندمون ; أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم ، وهي انبساط النفوس وسرورها . يقال : رجل فكه إذا كان كثير السرور والضحك . والمعنى في الآية : ووقتا من الليل اسهر به في صلاة وقراءة .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79نافلة لك أي كرامة لك ; قاله
مقاتل . واختلف العلماء في تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر دون أمته ; فقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=23660كانت صلاة الليل فريضة عليه لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79نافلة لك أي فريضة زائدة على الفريضة الموظفة على الأمة .
قلت : وفي هذا التأويل بعد لوجهين : أحدهما - تسمية الفرض بالنفل ، وذلك مجاز لا حقيقة . الثاني - قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835539خمس صلوات فرضهن الله على العباد وقوله - تعالى - : ( هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي ) وهذا نص ، فكيف يقال افترض عليه صلاة زائدة على الخمس ، هذا ما لا يصح ; وإن كان قد روي عنه - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839749nindex.php?page=treesubj&link=23660_23661ثلاث علي فريضة ولأمتي تطوع : قيام الليل والوتر والسواك . وقيل : كانت صلاة الليل تطوعا منه وكانت في الابتداء واجبة على الكل ، ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ; كما قالت
عائشة ، على ما يأتي مبينا في سورة [ المزمل ] إن شاء الله - تعالى - . وعلى هذا يكون الأمر بالتنفل على جهة الندب ويكون الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه مغفور له . فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك زيادة في الدرجات . وغيره من الأمة تطوعهم كفارات وتدارك لخلل يقع في الفرض ; قال معناه
مجاهد وغيره . وقيل : عطية ; لأن العبد لا ينال من السعادة عطاء أفضل من التوفيق في العبادة .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=31044المقام المحمود على أربعة أقوال :
[ ص: 278 ] [ الأول ] وهو أصحها - الشفاعة للناس يوم القيامة ; قاله
حذيفة بن اليمان . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
ابن عمر قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول : يا فلان اشفع ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود . وفي صحيح
مسلم عن
أنس قال حدثنا
محمد - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835540إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم - عليه السلام - فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى - عليه السلام - فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأوتى فأقول أنا لها . . . وذكر الحديث . وروى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835541قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا سئل عنها قال : هي الشفاعة قال : هذا حديث حسن صحيح .
الرابعة : إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء - عليهم السلام - ، حتى ينتهي الأمر إلى نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم ، وهي الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - ; ولأجل ذلك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835542أنا سيد ولد آدم ولا فخر . قال
النقاش :
nindex.php?page=treesubj&link=25036_30373لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث شفاعات : العامة ، وشفاعة في السبق إلى الجنة ، وشفاعة في أهل الكبائر .
ابن عطية : والمشهور أنهما شفاعتان فقط : العامة ، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار . وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي أبو الفضل عياض :
nindex.php?page=treesubj&link=30373_25036شفاعات نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة خمس شفاعات : العامة . والثانية في إدخال قوم الجنة دون حساب . الثالثة في قوم من موحدي أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيها نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة . وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة :
الخوارج والمعتزلة ، فمنعتها على أصولهم الفاسدة ، وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح . الرابعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجون بشفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم المؤمنين . الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها ، وهذه لا تنكرها
المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأول .
[ ص: 279 ] الخامسة : قال
القاضي عياض : وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغبتهم فيها ، وعلى هذا لا يلتفت لقول من قال : إنه يكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنها لا تكون إلا للمذنبين ، فإنها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات . ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق أن يكون من الهالكين ، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة ; لأنها لأصحاب الذنوب أيضا ، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف . روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835543من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة .
[ القول الثاني ] أن
nindex.php?page=treesubj&link=31044المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة .
قلت : وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول ; فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع روى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835544أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي " الحديث .
[ القول الثالث ] ما حكاه
الطبري عن فرقة ، منها
مجاهد ، أنها قالت :
nindex.php?page=treesubj&link=31044المقام المحمود هو أن يجلس الله - تعالى -
محمدا - صلى الله عليه وسلم - معه على كرسيه ; وروت في ذلك حديثا . وعضد
الطبري جواز ذلك بشطط من القول ، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى ، وفيه بعد . ولا ينكر مع ذلك أن يروى ، والعلم يتأوله . وذكر
النقاش عن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود السجستاني أنه قال : من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم ، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا ، من أنكر جوازه على تأويله . قال
أبو عمر ومجاهد : وإن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم : أحدهما هذا والثاني في تأويل قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة تنتظر الثواب ; ليس من النظر .
[ ص: 280 ] قلت : ذكره هذا في الباب
ابن شهاب في حديث التنزيل . وروي عن
مجاهد أيضا في هذه الآية قال : يجلسه على العرش . وهذا تأويل غير مستحيل ; لأن الله - تعالى - كان قبل خلقه الأشياء كلها والعرش - قائما بذاته ، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها ، بل إظهارا لقدرته وحكمته ، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة ، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا ، أو كان العرش له مكانا . قيل : هو الآن على الصفة التي كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان ; فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد
محمد على العرش أو على الأرض ; لأن استواء الله - تعالى - على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الأحوال من القيام والقعود والحال التي تشغل العرش ، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف . وليس إقعاده
محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية ، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه . وأما قوله في الإخبار : ( معه فهو بمنزلة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إن الذين عند ربك ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11رب ابن لي عندك بيتا في الجنة .
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وإن الله لمع المحسنين ونحو ذلك . كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة ، لا إلى المكان .
[ الرابع ] إخراجه من النار بشفاعته من يخرج ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله . ذكره
مسلم . وقد ذكرناه في ( كتاب التذكرة ) والله الموفق .
السادسة : اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين : أحدهما : أن البارئ - تعالى - يجعل ما شاء من فعله سببا لفضله من غير معرفة بوجه الحكمة فيه ، أو بمعرفة وجه الحكمة . الثاني : أن قيام الليل فيه الخلوة مع البارئ والمناجاة دون الناس ، فأعطي الخلوة به ومناجاته في قيامه وهو المقام المحمود . ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم ، فأجلهم فيه درجة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه يعطى ما لا يعطى أحد ويشفع ما لا يشفع أحد . وعسى من الله - عز وجل - واجبة . ومقاما نصب على الظرف . أي في مقام أو إلى مقام . وذكر
الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835545المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي . فالمقام الموضع الذي يقوم فيه الإنسان للأمور الجليلة كالمقامات بين يدي الملوك .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ : الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ . وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَتَهَجَّدْ نَاسِقَةٌ عَلَى مُضْمَرٍ ، أَيْ قُمْ فَتَهَجَّدْ .
بِهِ أَيْ بِالْقُرْآنِ . وَالتَّهَجُّدُ مِنَ الْهُجُودِ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ . يُقَالُ : هَجَدَ نَامَ ، وَهَجَدَ سَهِرَ ; عَلَى الضِّدِّ . قَالَ الشَّاعِرُ :
أَلَا زَارَتْ وَأَهْلُ مِنًى هُجُودُ وَلَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنًى يَعُودُ
آخَرُ :
أَلَا طَرَقَتْنَا وَالرِّفَاقُ هُجُودُ فَبَاتَتْ بِعَلَّاتِ النَّوَالِ تَجُودُ
يَعْنِي نِيَامًا . وَهَجَدَ وَتَهَجَّدَ بِمَعْنًى . وَهَجَّدْتُهُ أَيْ أَنَمْتُهُ ، وَهَجَّدْتُهُ أَيْ أَيْقَظْتُهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=1259وَالتَّهَجُّدُ التَّيَقُّظُ بَعْدَ رَقْدَةٍ ، فَصَارَ اسْمًا لِلصَّلَاةِ ; لِأَنَّهُ يَنْتَبِهُ لَهَا . فَالتَّهَجُّدُ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ مِنَ النَّوْمِ . قَالَ مَعْنَاهُ
الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=16333وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَغَيْرُهُمْ . وَرَوَى
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي مِنْ حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ بْنِ عُمَرَ صَاحِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839747أَيَحْسِبُ أَحَدُكُمْ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كُلِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ ! إِنَّمَا التَّهَجُّدُ الصَّلَاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلَاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلَاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ . كَذَلِكَ
[ ص: 277 ] كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقِيلَ : الْهُجُودُ النَّوْمُ . يُقَالُ : تَهَجَّدَ الرَّجُلُ إِذَا سَهِرَ ، وَأَلْقَى الْهُجُودَ وَهُوَ النَّوْمُ . وَيُسَمَّى مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مُتَهَجِّدًا ; لِأَنَّ الْمُتَهَجِّدَ هُوَ الَّذِي يُلْقِي الْهُجُودَ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ عَنْ نَفْسِهِ . وَهَذَا الْفِعْلُ جَارٍ مَجْرَى تَحَوَّبَ وَتَحَرَّجَ وَتَأَثَّمَ وَتَحَنَّثَ وَتَقَذَّرَ وَتَنَجَّسَ ; إِذَا أَلْقَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ مَعْنَاهُ تَنْدَمُونَ ; أَيْ تَطْرَحُونَ الْفُكَاهَةَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَهِيَ انْبِسَاطُ النُّفُوسِ وَسُرُورُهَا . يُقَالُ : رَجُلٌ فَكِهٌ إِذَا كَانَ كَثِيرَ السُّرُورِ وَالضَّحِكِ . وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ : وَوَقْتًا مِنَ اللَّيْلِ اسْهَرْ بِهِ فِي صَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79نَافِلَةً لَكَ أَيْ كَرَامَةً لَكَ ; قَالَهُ
مُقَاتِلٌ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَخْصِيصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذِّكْرِ دُونَ أُمَّتِهِ ; فَقِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=23660كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79نَافِلَةً لَكَ أَيْ فَرِيضَةً زَائِدَةً عَلَى الْفَرِيضَةِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَى الْأُمَّةِ .
قُلْتُ : وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ بُعْدٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا - تَسْمِيَةُ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ ، وَذَلِكَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ . الثَّانِي - قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835539خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَرَضَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : ( هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ) وَهَذَا نَصٌّ ، فَكَيْفَ يُقَالُ افْتَرَضَ عَلَيْهِ صَلَاةً زَائِدَةً عَلَى الْخَمْسِ ، هَذَا مَا لَا يَصِحُّ ; وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839749nindex.php?page=treesubj&link=23660_23661ثَلَاثٌ عَلَيَّ فَرِيضَةً وَلِأُمَّتِي تَطَوُّعٌ : قِيَامُ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ وَالسِّوَاكُ . وَقِيلَ : كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا مِنْهُ وَكَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ وَاجِبَةً عَلَى الْكُلِّ ، ثُمَّ نُسِخَ الْوُجُوبُ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ ; كَمَا قَالَتْ
عَائِشَةُ ، عَلَى مَا يَأْتِي مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ [ الْمُزَّمِّلِ ] إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - . وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالتَّنَفُّلِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَيَكُونُ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ . فَهُوَ إِذَا تَطَوَّعَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الدَّرَجَاتِ . وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَّةِ تَطَوُّعُهُمْ كَفَّارَاتٌ وَتَدَارُكٌ لِخَلَلٍ يَقَعُ فِي الْفَرْضِ ; قَالَ مَعْنَاهُ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ . وَقِيلَ : عَطِيَّةٌ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنَالُ مِنَ السَّعَادَةِ عَطَاءٌ أَفْضَلَ مِنَ التَّوْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا اخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31044الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :
[ ص: 278 ] [ الْأَوَّلُ ] وَهُوَ أَصَحُّهَا - الشَّفَاعَةُ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; قَالَهُ
حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ . وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا تَقُولُ : يَا فُلَانُ اشْفَعْ ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَذَلِكَ يَوْمُ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835540إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيُؤْتَى مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيُؤْتَى عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُوتَى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا . . . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835541قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا سُئِلَ عَنْهَا قَالَ : هِيَ الشَّفَاعَةُ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
الرَّابِعَةُ : إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ أَمْرُ الشَّفَاعَةِ الَّذِي يَتَدَافَعُهُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - ، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَشْفَعُ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِيُعَجِّلَ حِسَابَهُمْ وَيُرَاحُوا مِنْ هَوْلِ مَوْقِفِهِمْ ، وَهِيَ الْخَاصَّةُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835542أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ . قَالَ
النَّقَّاشُ :
nindex.php?page=treesubj&link=25036_30373لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ : الْعَامَّةُ ، وَشَفَاعَةٌ فِي السَّبْقِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَشَفَاعَةٌ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ .
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا شَفَاعَتَانِ فَقَطْ : الْعَامَّةُ ، وَشَفَاعَةٌ فِي إِخْرَاجِ الْمُذْنِبِينَ مِنَ النَّارِ . وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَتَدَافَعُهَا الْأَنْبِيَاءُ بَلْ يَشْفَعُونَ وَيَشْفَعُ الْعُلَمَاءُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=30373_25036شَفَاعَاتُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَمْسُ شَفَاعَاتٍ : الْعَامَّةُ . وَالثَّانِيَةُ فِي إِدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ دُونَ حِسَابٍ . الثَّالِثَةُ فِي قَوْمٍ مِنْ مُوَحِّدِي أُمَّتِهِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ بِذُنُوبِهِمْ فَيَشْفَعُ فِيهَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَشْفَعَ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ . وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ هِيَ الَّتِي أَنْكَرَتْهَا الْمُبْتَدِعَةُ :
الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ ، فَمَنَعَتْهَا عَلَى أُصُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ ، وَهِيَ الِاسْتِحْقَاقُ الْعَقْلِيُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ . الرَّابِعَةُ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنَ الْمُذْنِبِينَ فَيَخْرُجُونَ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَإِخْوَانِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ . الْخَامِسَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا وَتَرْفِيعِهَا ، وَهَذِهِ لَا تُنْكِرُهَا
الْمُعْتَزِلَةُ وَلَا تُنْكِرُ شَفَاعَةَ الْحَشْرِ الْأَوَّلِ .
[ ص: 279 ] الْخَامِسَةُ : قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَعُرِفَ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ سُؤَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ لِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَغْبَتُهُمْ فِيهَا ، وَعَلَى هَذَا لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَكَ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْمُذْنِبِينَ ، فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ كَمَا قَدَّمْنَا لِتَخْفِيفِ الْحِسَابِ وَزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ . ثُمَّ كُلُّ عَاقِلٍ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَفْوِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِعَمَلِهِ مُشْفِقٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ، وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَلَّا يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ ; لِأَنَّهَا لِأَصْحَابِ الذُّنُوبِ أَيْضًا ، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ مَا عُرِفَ مِنْ دُعَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835543مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
[ الْقَوْلُ الثَّانِي ] أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31044الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ إِعْطَاؤُهُ لِوَاءَ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
قُلْتُ : وَهَذَا الْقَوْلُ لَا تَنَافُرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ ; فَإِنَّهُ يَكُونُ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَيَشْفَعُ رَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835544أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي " الْحَدِيثَ .
[ الْقَوْلُ الثَّالِثُ ] مَا حَكَاهُ
الطَّبَرِيُّ عَنْ فِرْقَةٍ ، مِنْهَا
مُجَاهِدٌ ، أَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=treesubj&link=31044الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ هُوَ أَنْ يُجْلِسَ اللَّهُ - تَعَالَى -
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ عَلَى كُرْسِيِّهِ ; وَرَوَتْ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا . وَعَضَّدَ
الطَّبَرِيُّ جَوَازَ ذَلِكَ بِشَطَطٍ مِنَ الْقَوْلِ ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا عَلَى تَلَطُّفٍ فِي الْمَعْنَى ، وَفِيهِ بُعْدٌ . وَلَا يُنْكَرُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُرْوَى ، وَالْعِلْمُ يَتَأَوَّلُهُ . وَذَكَرَ
النَّقَّاشُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ عِنْدَنَا مُتَّهَمٌ ، مَا زَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَتَحَدَّثُونَ بِهَذَا ، مَنْ أَنْكَرَ جَوَازَهُ عَلَى تَأْوِيلِهِ . قَالَ
أَبُو عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ : وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ فَإِنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ مَهْجُورَيْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ تَنْتَظِرُ الثَّوَابَ ; لَيْسَ مِنَ النَّظَرِ .
[ ص: 280 ] قُلْتُ : ذَكَرَهُ هَذَا فِي الْبَابِ
ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِ التَّنْزِيلِ . وَرُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ . وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا وَالْعَرْشَ - قَائِمًا بِذَاتِهِ ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهَا ، بَلْ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَلِيُعْرَفَ وُجُودُهُ وَتَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ قُدْرَتِهِ وَعِلْمُهُ بِكُلِّ أَفْعَالِهِ الْمُحْكَمَةِ ، وَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ صَارَ لَهُ مُمَاسًّا ، أَوْ كَانَ الْعَرْشُ لَهُ مَكَانًا . قِيلَ : هُوَ الْآنَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ ; فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ أَقَعَدَ
مُحَمَّدٌ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ ; لِأَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْعَرْشِ لَيْسَ بِمَعْنَى الِانْتِقَالِ وَالزَّوَالِ وَتَحْوِيلِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْحَالِ الَّتِي تَشْغَلُ الْعَرْشَ ، بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا كَيْفٍ . وَلَيْسَ إِقْعَادُهُ
مُحَمَّدًا عَلَى الْعَرْشِ مُوجِبًا لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ أَوْ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ ، بَلْ هُوَ رَفْعٌ لِمَحَلِّهِ وَتَشْرِيفٌ لَهُ عَلَى خَلْقِهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْإِخْبَارِ : ( مَعَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=11رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=69وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ . كُلُّ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالْحُظْوَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ ، لَا إِلَى الْمَكَانِ .
[ الرَّابِعُ ] إِخْرَاجُهُ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِهِ مَنْ يَخْرُجُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . ذَكَرَهُ
مُسْلِمٌ . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ( كِتَابِ التَّذْكِرَةِ ) وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
السَّادِسَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ الْقِيَامِ بِاللَّيْلِ سَبَبًا لِلْمَقَامِ الْمَحْمُودِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْبَارِئَ - تَعَالَى - يَجْعَلُ مَا شَاءَ مِنْ فِعْلِهِ سَبَبًا لِفَضْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِوَجْهِ الْحِكْمَةِ فِيهِ ، أَوْ بِمَعْرِفَةِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ . الثَّانِي : أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ فِيهِ الْخَلْوَةُ مَعَ الْبَارِئِ وَالْمُنَاجَاةُ دُونَ النَّاسِ ، فَأُعْطِيَ الْخَلْوَةَ بِهِ وَمُنَاجَاتَهُ فِي قِيَامِهِ وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ . وَيَتَفَاضَلُ فِيهِ الْخَلْقُ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِمْ ، فَأَجَلُّهُمْ فِيهِ دَرَجَةً
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّهُ يُعْطَى مَا لَا يُعْطَى أَحَدٌ وَيَشْفَعُ مَا لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ . وَعَسَى مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَاجِبَةٌ . وَمَقَامًا نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ . أَيْ فِي مَقَامٍ أَوْ إِلَى مَقَامٍ . وَذَكَرَ
الطَّبَرِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835545الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِي . فَالْمَقَامُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ الْإِنْسَانُ لِلْأُمُورِ الْجَلِيلَةِ كَالْمَقَامَاتِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُلُوكِ .