فيه مسألتان :
الأولى : لما علم أنهم ملائكة - إذ أخبروه بأمر خارق للعادة وهو بشراهم بالولد - قال : فما خطبكم ؟ والخطب الأمر الخطير . أي فما أمركم وشأنكم وما الذي جئتم به .
قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين أي مشركين ضالين . وفي الكلام إضمار ; أي أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم .
إلا آل لوط أتباعه وأهل دينه .
إنا لمنجوهم أجمعين وقرأ حمزة " لمنجوهم " بالتخفيف من أنجى . الباقون : بالتشديد من نجى ، واختاره والكسائي أبو عبيد وأبو حاتم . والتنجية والإنجاء التخليص .
إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين إلا امرأته استثنى من آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلاك . وقد تقدمت قصة قوم لوط في " الأعراف " وسورة " هود " بما فيه كفاية . [ ص: 34 ] قدرنا إنها لمن الغابرين أي قضينا وكتبنا إنها لمن الباقين في العذاب . والغابر : الباقي . قال :
لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج
الأغبار بقايا اللبن . وقرأ أبو بكر والمفضل " قدرنا " بالتخفيف هنا وفي النمل ، وشدد الباقون . الهروي : يقال قدر وقدر ، بمعنى .الثانية : لا خلاف بين أهل اللسان وغيرهم أن ; فإذا الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ; ثبت الإقرار بسبعة ; لأن الدرهم مستثنى من الأربعة ، وهو مثبت لأنه مستثنى من منفي ، وكانت الأربعة منفية لأنها مستثناة من موجب وهو العشرة ، فعاد الدرهم إلى الستة فصارت سبعة . وكذلك لو قال رجل : له علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا درهما ; كان عليه أربعة دراهم وثلث . وكذلك إذا قال : لفلان علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة ; كان الاستثناء الثاني راجعا إلى ما قبله ، والثالث إلى الثاني فيكون عليه درهمان ; لأن العشرة إثبات والثمانية إثبات فيكون مجموعها ثمانية عشر . والتسعة نفي والسبعة نفي فيكون ستة عشر تسقط من ثمانية عشر ويبقى درهمان ، وهو القدر الواجب بالإقرار لا غير . فقوله سبحانه : قال : علي خمسة دراهم إلا درهما إلا ثلثيه إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته فاستثنى آل لوط من القوم المجرمين ، ثم قال : إلا امرأته فاستثناها من آل لوط ، فرجعت في التأويل إلى القوم المجرمين كما بينا . وهكذا الحكم في الطلاق ، لو قال لزوجته : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة طلقت اثنتين ; لأن الواحدة رجعت إلى الباقي من المستثنى منه وهي الثلاث . وكذا كل ما جاء من هذا ، فتفهمه .