قوله تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا فضل دين الإسلام على سائر الأديان و أسلم وجهه لله معناه أخلص دينه لله وخضع له وتوجه إليه بالعبادة . قال ابن عباس : أراد أبا بكر الصديق رضي الله عنه . وانتصب دينا على البيان . وهو محسن ابتداء وخبر في موضع الحال ، أي موحد فلا يدخل فيه أهل الكتاب ؛ لأنهم تركوا الإيمان بمحمد عليه السلام . والملة : الدين ، والحنيف : المسلم ؛ وقد تقدم .
قوله تعالى : واتخذ الله إبراهيم خليلا قال ثعلب : إنما سمي الخليل خليلا لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللا إلا ملأته ؛ وأنشد قول بشار :
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل : هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب ، وإبراهيم كان محبا لله وكان محبوبا لله . وقيل : الخليل من الاختصاص فالله عز وجل أعلم اختص إبراهيم في وقته للرسالة . واختار هذا النحاس قال : والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم يعني نفسه . وقال صلى الله عليه وسلم : وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا أبا بكر خليلا أي لو كنت مختصا أحدا بشيء لاختصصت لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر . رضي الله عنه . وفي هذا . وقيل : الخليل المحتاج ؛ رد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص بعض أصحابه بشيء من الدين فإبراهيم خليل الله على معنى أنه فقير محتاج إلى الله تعالى ؛ كأنه الذي به الاختلال . وقال زهير يمدح هرم بن سنان :وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
من لم تكن في الله خلته فخليله منه على خطر
إذا ما كنت متخذا خليلا فلا تثقن بكل أخي إخاء
فإن خيرت بينهم فألصق بأهل العقل منهم والحياء
فإن العقل ليس له إذا ما تفاضلت الفضائل من كفاء
أخلاء الرجال هم كثير ولكن في البلاء هم قليل
[ ص: 343 ] فلا تغررك خلة من تؤاخي فما لك عند نائبة خليل
وكل أخ يقول أنا وفي ولكن ليس يفعل ما يقول
سوى خل له حسب ودين فذاك لما يقول هو الفعول