الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد

                                                                                                                                                                                                                              ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه السكب ، وتقلد القوس ، وأخذ قناة بيده ، والمسلمون عليهم السلاح ، منهم مائة دارع ، وخرج السعدان أمامه يعدوان : سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، كل منهما دارع ، والناس عن يمينه وشماله ، حتى إذا انتهى إلى رأس الثنية رأى كتيبة خشناء لها زجل فقال : ما هذا ؟ قالوا : هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي من يهود ، فقال : أسلموا ؟ فقيل : لا ، فقال : إنا لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 187 ] وسار صلى الله عليه وسلم فعسكر بالشيخين ، وهما أطمان ، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره ، فاستصغر غلمانا فردهم . قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيما نقله الشيخ نجم الدين القمولي - بفتح القاف وضم الميم - في بحره : أنه صلى الله عليه وسلم رد سبعة عشر شابا عرضوا عليه ، وهم أبناء أربع عشرة سنة ، لأنه لم يرهم بلغوا ، وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة ، فأجازهم . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وهم : عبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد ، والنعمان بن بشير - وفي ذكره نظر ، لأنه ولد في السنة الثانية قبل أحد بسنة - وزيد بن أرقم ، والبراء بن عازب - وروى السراج عنه أنه شهدها - ورافع بن خديج ، وأسيد بن ظهير - بضم الهمزة ، وأبوه ظهير بضم الظاء المعجمة - وعرابة بن أوس بن قيظي - بفتح القاف وسكون التحتية وبالظاء المعجمة المشالة ، وأوس هذا كان منافقا - وأبو سعيد الخدري - بالخاء المعجمة والدال المهملة - وأوس بن ثابت الأنصاري ، كذا رواه ابن فتحون عن ابن عمر بن الخطاب ، وسعد بن بحير - بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة ، قاله الدارقطني . وقال ابن سعيد : بضم الموحدة وكسر الجيم - ابن معاوية البجلي حليف الأنصار ، وسعيد ابن حبتة بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقية مفتوحة فتاء تأنيث - وهي أمه ، ولما كان يوم الخندق رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل قتالا شديدا ، فدعاه ومسح على رأسه ودعا له بالبركة في نسله وولده ، فكان عما لأربعين ، وأخا لأربعين ، وأبا لعشرين ، ومن ولده أبو يوسف القاضي الإمام ، وسعد بن عقيب - بعين مهملة مضمومة فقاف مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فموحدة وزن زبير - وزيد بن جارية - بالجيم والمثناة التحتية - ابن عمرو بن عوف ، وهو أخو مجمع بن جارية ، وجابر بن عبد الله ، وليس بالذي يروى عنه الحديث . وسمرة بن جندب ، ثم أجاز رافع بن خديج لما قيل له : إنه رام ، فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مري - بالتصغير - ابن سنان : أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرعه ، فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «تصارعا » ، فصرع سمرة رافعا فأجازه ، ونزل عبد الله بن أبي ابن سلول ناحية ، فلما فرغ العرض وغابت الشمس أذن بلال بالمغرب ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ، ثم أذن بالعشاء فصلى بهم ، وبات بالشيخين ، واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر . وقال صلى الله عليه وسلم : «من يحفظنا الليلة ؟ » فقام ذكوان بن عبد قيس فلبس درعه ، وأخذ درقته ، فكان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقه ، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان السحر ، فصلى الصبح ، ثم قال : «أين الأدلاء ؟ من رجل يخرج بنا من كثب لا يمر بنا عليهم ؟ » فقام أبو خيثمة الحارثي - كذا عند ابن إسحاق بخاء معجمة فتحتية فثاء مثلثة ، وعند ابن سعد وغيره : حتمة ، بفتح الحاء المهملة والمثناة الفوقية بعدها ميم فتاء تأنيث ، وصوبه أبو الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 188 ] قال الحافظ في الإصابة : ولم يأت على ذلك بدليل إلا قول أبي عمر : ليس في الصحابة أبي خيثمة سوى الجعفي والسالمي ، وفي هذا الحصر نظر - فقال أبو خيثمة : أنا يا رسول الله ، فسلك به في حرة بني حارثة وبين أموالهم ، حتى سلك في ماء مربع - بكسر الميم وفتح الموحدة - ابن قيظي - بفتح القاف فمثناة تحتية فظاء معجمة مشالة - وكان منافقا ضرير البصر ، فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب في وجوههم ، ويقول : إن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي ، وذكر أنه أخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : والله لو أعلم أني لا أصيب غيرك فضربت بها وجهك . فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر » . وقد بدر إليه سعد بن زيد الأشهلي قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضربه بالقوس فشجه ، فغضب له ناس من بني حارثة وهم قومه ، وكانوا على مثل رأيه ، فهم بهم أسيد بن حضير حتى أومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكف . وذب فرس أبي بردة بن نيار - بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وآخره راء - بذنبه ، فأصاب كلاب سيفه فاستله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يحب الفأل الحسن ولا يعتاف : «يا صاحب السيف ، شم سيفك ، إني أخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها » .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية