الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر انخزال عدو الله ابن أبي بثلث العسكر

                                                                                                                                                                                                                              لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشوط انخزل عبد الله بن أبي بثلث الناس كافة كأنه هيق ، فقال : «أطاع الولدان ومن لا رأي له وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا أيها الناس ها هنا ؟ » فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق والريب ، وتبعهم عبد الله بن حرام - بالراء - يقول : يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر عدوهم ، يا قوم تعالوا فقاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، فقالوا : لو نعلم قتالا ما أسلمناكم ، لا نرى أن يكون قتال ، ولئن أطعتنا لترجعن معنا . فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال : أبعدكم الله ، أعداء الله ، فسيغني الله تعالى نبيه عنكم . وأنزل الله تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب [آل عمران 179 ] قال مجاهد : «ميزهم يوم أحد » وهم المرادون بقوله تعالى : وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون [آل عمران 167 ] .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عروة وموسى بن عقبة : أن بني سلمة - بكسر اللام - وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي سقط في أيديهما ، وهما أن يقتتلا فثبتهما الله تعالى ، ولهذا قال تعالى : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما [آل عمران 122 ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 189 ] وروى سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والشيخان ، والبيهقي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : فينا نزلت ، في بني حارثة وبني سلمة : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله تعالى : والله وليهما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير عن السدي في الآية قال : هم بنو سلمة وبنو حارثة هموا بالرجوع ، حين رجع عبد الله بن أبي فعصمهم الله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن زيد بن ثابت ، وابن إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قالا : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد خرج معه بأناس ، فرجعوا ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين ، فقالت فرقة : نقتلهم ، وقالت فرقة : لا نقتلهم ، فأنزل الله تعالى : فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا [النساء 88 ] ردهم إلى كفرهم بما كسبوا بأعمالهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة » .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الزهري أن الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع ابن أبي في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا حاجة لنا بهم » . قال الجمهور : بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وفرسه ، وفرس لأبي بردة . وقال ابن عقبة : لم يكن مع المسلمين فرس . ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، واستقبل المدينة ، وجعل عينين - الجبل - عن يمينه ، وصف المسلمون بأصل أحد ، وحانت الصلاة يوم السبت والمسلمون يرون المشركين ، فأذن بلال ، وأقام ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الصبح صفوفا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية