الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق والشيخان والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت - وفي لفظ أريت - أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة : يثرب ، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا - وفي لفظ سيفي ذا الفقار - فانقطع صدره - وفي لفظ : رأيت في ذباب سيفي ثلما - فإذا هو ما أصيب به المؤمنون يوم أحد ، قال عروة : وكان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه . وقال ابن هشام : وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع كلمة المؤمنين ، ورأيت فيها والله خيرا ، رأيت بقرا تذبح والله خير ، فإذا هو النفر من المؤمنين يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد ، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ، قال ابن عباس : وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد ، قال : وكان مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قبل أن يلبس الأداة ، إني رأيت أني في درع حصينة ، فأولتها المدينة ، وأني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة ، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم ، ورأيت بقرا تذبح فبقر ، والله خير ، فبقر والله خير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا ، وكأن ظبة سيفي انكسرت ، فأولت إرداف الكبش أننا نقتل كبش القوم ، وأولت كسر ظبة سيفي قتل رجل من عترتي ، فقتل حمزة ، وقتل طلحة بن أبي طلحة وكان صاحب اللواء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والنسائي والدارمي والضياء المقدسي بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «رأيت أني في درع حصينة ، ورأيت بقرا تنحر . فأولت الدرع الحصينة المدينة ، وأن البقر بقر ، والله خير » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 185 ] وروى الطبراني والبزار ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما نزل أبو سفيان وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : إني رأيت في المنام سيفي ذا الفقار انكسر ، وهي مصيبة ، ورأيت بقرا تذبح ، وهي مصيبة ، ورأيت علي درعا وهي مدينتكم لا يصلون إليها ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن ابن شهاب قال : يقول رجال : كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عتبة وابن إسحاق وابن سعد وغيرهم : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا ليلة الجمعة ، فلما أصبح جاء أصحابه ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم ذكر الرؤيا لهم وقال : إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة ونجعل النساء والذرية في الآطام ، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وإن دخلوا علينا قاتلناهم في الأزقة فنحن أعلم بها منهم ، ورموا من فوق الصياصي والآطام ، وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن ، وكان هذا الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي الأكابر من المهاجرين والأنصار ، وكان عبد الله بن أبي يرى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال جماعة من المسلمين غالبهم أحداث لم يشهدوا بدرا ، وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدو ، وأكرمهم الله تعالى بالشهادة يوم أحد : يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنا عنهم ، فقال عبد الله بن أبي : يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا ، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه ، فدعهم يا رسول الله ، فإن أقاموا بشر مجلس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم الصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا . فقال حمزة بن عبد المطلب ، وسعد بن عبادة ، والنعمان بن مالك في طائفة من الأنصار : إنا نخشى يا رسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم ، فيكون هذا جرأة منهم علينا ، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل ، فظفرك الله تعالى عليهم ، ونحن اليوم بشر كثير ، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله تعالى به ، فساقه الله تعالى إلينا في ساحتنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرى من إلحاحهم كاره ، وقد لبسوا السلاح .

                                                                                                                                                                                                                              وقال إياس بن أوس بن عتيك ، نحن بنو عبد الأشهل ، إنا لنرجو أن نكون البقر المذبح .

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره : هي إحدى الحسنيين : الظفر أو الشهادة ، والله لا تطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا . وقال حمزة : والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي [ ص: 186 ] خارج المدينة . وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما .

                                                                                                                                                                                                                              وقال النعمان بن مالك : يا رسول الله لا تحرمنا الجنة ، فوالذي نفسي بيده لأدخلنها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لمه ؟ » قال : لأني أحب الله تعالى ورسوله - وفي لفظ : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - ولا أفر يوم الزحف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صدقت » . فاستشهد يومئذ ، وحث مالك بن سنان الخدري وإياس بن عتيك وجماعة على الخروج للقتال فلما أبوا إلا ذلك صلى - صلى الله عليه وسلم - الجمعة بالناس فوعظهم ، وأمرهم بالجد والاجتهاد ، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا ، ففرح الناس بالشخوص إلى عدوهم ، وكره ذلك المخرج بشر كثير . ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالناس وقد حشدوا ، وحضر أهل العوالي ، ورفعوا النساء في الآطام . ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، فعمماه وألبساه ، وقد صف الناس له بين حجرته إلى منبره ، ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء سعيد بن معاذ وأسيد - بضم الهمزة وفتح السين المهملة - ابن حضير - بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة - فقالا للناس : استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلتم له ما قلتم ، والوحي ينزل عليه من السماء ، فردوا الأمر إليه ، فما أمركم به فافعلوه ، وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه . فبينما هم على ذلك إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس الدرع فأظهرها ، وحزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أدم ، واعتم ، وتقلد السيف ، وندم الناس على إكراهه ، فقالوا : يا رسول الله استكرهناك ، ولم يكن لنا ذلك ، فإن شئت فاقعد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم ، ولا ينبغي لنبي إذ لبس لأمته أن يضعها ، حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه - وفي رواية : حتى يقاتل - انظروا ما أمركم به فاتبعوه ، امضوا على اسم الله تعالى ، فلكم النصر ما صبرتم .

                                                                                                                                                                                                                              ووجد مالك بن عمرو النجاري - ويقال : بل هو محرر بمهملات ، قال الأمير : وزن محمد ، وقال الدارقطني : آخره زاي معجمة وزن مقبل بن عامر النجاري - قد مات ، ووضعوه عند موضع الجنائز ، فصلى عليه ، ثم دعا بثلاثة رماح فعقد ثلاثة ألوية ، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر ، ويقال : إلى سعد بن عبادة ، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي في المدينة .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية