الباب التاسع والأربعون في أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى خضرة ووقعة سرية ابن أبي حدرد في شعبان سنة ثمان .
روى ، والإمام ابن إسحاق أحمد ، ومحمد بن عمر عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال : تزوجت ابنة سراقة بن حارثة النجاري وقد قتل ببدر ، فلم أصب شيئا من الدنيا كان أحب إلى من نكاحها ، وأصدقتها مائتي درهم ، فلم أجد شيئا أسوقه إليها ، فقلت : على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم المعول . فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : «كم سقت إليها ؟ » فقلت : مائتي درهم يا رسول الله . فقال : «سبحان الله والله لو كنتم تغترفونه من ناحية بطحان- وفي رواية- «لو كنتم تغترفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم» . فقلت : يا رسول الله أعني على صداقها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكن قد أجمعت أن أبعث أبا قتادة في أربعة عشر رجلا في سرية فهل لك أن تخرج فيها ؟ فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك» . فقلت : نعم .
وعند فلبثت أياما ثم أقبل رجل من ابن إسحاق : بني جشم حتى نزل بقومه وبمن معه الغابة يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم وشرف في جشم .
فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين فقال : «اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوني منه بخبر وعلم» . وقدم لنا شارفا عجفاء يحمل عليها أحدنا فو الله ما قامت به [ضعفا] حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت ، ثم قال : «تبلغوا عليها واعتقبوها» . وفي حديث محمد بن عمر ، واللفظ للأول : فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف فكنا ستة عشر رجلا وأحمد بأبي قتادة وهو أميرنا . فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غطفان نحو نجد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيروا الليل واكمنوا النهار وشنوا الغارة ولا تقتلوا النساء والصبيان» .
قال : فخرجنا حتى جئنا ناحية غطفان .
وفي حديث : فخرجنا حتى جئنا الحاضر ممسين ، فلما ذهبت فحمة العشاء قال أحمد محمد بن عمر قال : وخطبنا وأوصانا بتقوى الله تعالى وألف بين كل رجلين وقال : «لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إلي فيخبرني خبره ، ولا يأتين رجل فأسأله عن صاحبه فيقول لا علم لي به ، وإذا كبرت فكبروا ، وإذا حملت فاحملوا ولا تمعنوا في الطلب» . [ ص: 186 ] أبو قتادة
فأحطنا بالحاضر ، فسمعت رجلا يصرخ : يا خضرة ، فتفاءلت وقلت : لأصيبن خيرا ولأجمعن إلي امرأتي ، وقد أتيناهم ليلا .
قال فجرد سيفه وكبر ، وجردنا سيوفنا وكبرنا معه فشددنا على الحاضر وقاتلنا رجالا ، وإذا أنا برجل طويل قد جرد سيفه وهو يمشي القهقرى ، مرة يقبل علي بوجهه ، ومرة يدبر عني بوجهه ، كأنه يريد أن يستطردني فأتبعه ، ثم يقول : يا مسلم هلم إلى الجنة فأتبعه ، ثم قال : إن صاحبكم لذو مكيدة أمره هذا الأمر ، وهو يقول الجنة الجنة ، يتهكم بنا ، فعرفت أنه مستقتل فخرجت في أثره وناديت أين صاحبي ؟ لا تبعد فقد نهانا أميرنا عن أن نمعن في الطلب فأدركته وملت عليه فقتلته ، وأخذت سيفه ، وقد جعل زميلي يناديني أين تذهب ؟ إني والله إن ذهبت إلى أبو قتادة أبي قتادة فسألني عنك أخبرته . قال : فلقيته قبل أبي قتادة . فقلت : أسأل الأمير عني ؟ قال : نعم وقد تغيظ علي وعليك . وأخبرني أنهم قد جمعوا الغنائم وقتلوا من أشرافهم . فجئت أبا قتادة فلامني فقلت : قتلت رجلا كان من أمره كذا وكذا وأخبرته بقوله كله . ثم سقنا النعم وحملنا النساء وجفون السيوف معلقة بالأقتاب ، فأصبحت وبعيري مقطور بامرأة كأنها ظبي .
فجعلت تكثر الالتفات خلفها وتبكي ، فقلت : إلى أي شيء تنظرين ؟ قالت : أنظر والله إلى رجل لئن كان حيا لاستنقذنا منكم . فوقع في نفسي أنه هو الذي قتلت . فقلت : قد والله قتلته ، وهذا والله سيفه معلق بالقتب . قالت : فألق إلي غمده . فقلت : هذا غمد سيفه . قالت : فشمه إن كنت صادقا . قال : فشمته فطبق . قال : فبكت ويئست .
وفي حديث قال ابن إسحاق : عبد الله بن أبي حدرد : فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر [عشيشية] مع غروب الشمس كمنت في ناحية وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما : إذا [سمعتماني قد] كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي .
قال : فو الله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم أو أن نصيب منهم شيئا غشينا الليل فذهبت فحمة العشاء ، وكان راعيهم قد أبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه . فقام صاحبهم رفاعة بن قبس فأخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال : والله لأتبعن أثر راعينا هذا فلقد أصابه شر . فقال بعض من معه . نحن نكفيك فلا تذهب . فقال : والله لا يذهب إلا أنا . فقالوا : ونحن معك . قال : والله لا يتبعني أحد منكم . وخرج حتى مر بي ، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده فو الله ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه وشددت في ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا .
فو الله ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة . [ ص: 187 ]
وعند محمد بن عمر عن جعفر بن عمر : وقالوا : غابوا خمس عشرة ليلة وجاءوا بمائتي بعير وألف شاة وسبوا سبيا كثيرا وجمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه وعدل البعير بعشرين من الغنم .
وروى الإمام والشيخان أحمد وأبو داود رضي الله تعالى عنهما قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فخرجت فيها فغنمنا إبلا وغنما كثيرة فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا كل إنسان ، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم علينا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس ، وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع . ابن عمر وفي رواية عن . نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا فكان لكل إنسان ثلاثة عشر بعيرا
قال عبد الله بن أبي حدرد : فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجئت برأس رفاعة أحمله معي فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل ثلاثة عشرة بعيرا فدخلت بزوجتي ورزقني الله خيرا كثيرا .
وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن أبي حدرد قال : أصابنا في وجهنا أربع نسوة فيهن فتاة كأنها ظبي ، بها من الحداثة والحلاوة شيء عجيب ، وأطفال وجوار ، فاقتسمنا السبي وصارت تلك الجارية الوضيئة لأبي قتادة
فجاء محمية بن جزء الزبيدي فقال : يا رسول الله إن أبا قتادة قد أصاب في وجهه هذا جارية وضيئة ، وقد كنت وعدتني جارية من أول فيء يفيء الله به عليك . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي قتادة . فقال : «هب لي الجارية» . فقال : نعم يا رسول الله : فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إلى محمية بن جزء الزبيدي .