تنبيهات
الأول : قال جماعة من أهل المغازي كانت هذه السرية سنة ثمان . قال في زاد المعاد ، والبداية والنور : وفيه نظر لما رواه الشيخان من حديث رضي الله تعالى عنه أن [ ص: 179 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم يرصدون عيرا جابر لقريش ، وظاهر هذا الحديث أن هذه السرية كانت قبل الهدنة بالحديبية ، فإنه من حين صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا لم يكن ليرصد لهم عيرا بل كان زمن أمن وهدنة إلى حين الفتح . ويبعد أن تكون على هذا الوجه اتفقت مرتين مرة قبل الصلح ومرة بعده . قلت وسيأتي في الثالث من كلام الحافظ ما يروي الغليل . سرية الخبط
الثاني : قال في الهدي : قول من قال إنها كانت في رجب وهم غير محفوظ ، إذ لم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غزا في الشهر الحرام ولا أغار فيه ولا بعث فيه سرية ، وقد عير المشركون المسلمين بقتالهم في أول رجب في قصة وقالوا : استحل العلاء بن الحضرمي ، محمد الشهر الحرام وأنزل الله تعالى في ذلك : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله [البقرة 217] ولم يثبت نسخ هذا بنص يجب المصير إليه ولا أجمعت الأمة على نسخه . قال [البرهان] في النور : وهو كلام حسن مليح لكنه على ما اختاره من عدم نسخ وسلفه القتال في الشهر الحرام عطاء وأهل الظاهر وشيخه أبي العباس بن تيمية وهو خلاف ما عليه المعظم . وقوله في قصة صوابه العلاء بن الحضرمي عمرو بن الحضرمي أخو العلاء والعلاء ليس صاحب هذه السرية بل صاحبها وأميرها عبد الله بن جحش .
الثالث : قال في الفتح : لا يغاير ما في الصحيح أن هذه السرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لترصد عيرا لقريش ، وما ذكره ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم لحي من جهينة وأن ذلك كان في شهر رجب لإمكان الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة ، ويقوي هذا الجمع ما عند من طريق مسلم عبيد الله بن مقسم عن قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى أرض جابر جهينة ، فذكر القصة . لكن تلقي عير قريش ما يتصور أن يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان لأنهم حينئذ كانوا في الهدنة بل يقتضي ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست ، أو قبلها قبل الهدنة يحتمل أن يكون تلقيهم العير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة . ولهذا لم يقع في شيء من طرق الخبر أنهم قاتلوا أحدا بل أنهم أقاموا نصف شهر وأكثر في مكان واحد والله تعالى أعلم .
الرابع : وقع في رواية أبي حمزة الخولاني عن عن جابر في كتاب الأطعمة أن أمير هذه السرية ابن أبي عاصم قال قيس بن سعد بن عبادة . الحافظ : والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات الصحيحين أنه وكان أحد الرواة ظن من صنيع أبو عبيدة بن الجراح . قيس بن سعد في تلك الغزاة ما صنع من نحر الإبل التي نحرها أنه كان أمير السرية وليس كذلك .
الخامس : ظاهر قول «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا فخرجنا وكنا ببعض الطريق فني . [ ص: 180 ] جابر :
الزاد إلخ» . أنه كان لهم زاد بطريق العموم وزاد بطريق الخصوص . فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأي أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم ففعل فكان جميعه مزودا واحدا .
ووقع عند في رواية مسلم الزبير عن «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا جابر : أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره . فكان يعطينا تمرة تمرة» . أبو عبيدة
وظاهره مخالف لهذه الرواية . ويمكن الجمع بأن الزاد العام كان قدر جراب . فلما تعدد وجمع الزاد الخاص اتفق أنه صار قدر جراب ، ويكون كل من الراويين ذكر ما لم يذكر الآخر . وأما تفرقة ذلك تمرة تمرة ، فكان في ثاني الحال . وقد روى أبو عبيدة في الجهاد من طريق البخاري عن وهب بن كيسان «خرجنا ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا ففني زادنا حتى كان الرجل منا يأكل [كل يوم] تمرة» . وأما قول جابر : عياض : «يحتمل أنه لم يكن في أزوادهم تمر غير الجراب المذكور» فمردود لأن حديث الذي صدر به جابر صريح في أن الذي اجتمع من أزوادهم كان مزود تمر . ورواية البخاري صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فيصح أن التمر كان معهم من غير الجراب . وأما قول غيره يحتمل أن يكون تفرقته عليهم تمرة تمرة كان من الجراب النبوي صلى الله عليه وسلم قصدا للبركة ، وكان يفرق عليهم من الأزواد التي اجتمعت أكثر من ذلك فبعيد من ظاهر السياق ، بل في رواية أبي الزبير عند هشام بن عروة فقلت أزوادنا حتى كان يصيب الرجل منا التمرة . ابن عبد البر .
السادس : في رواية عن وهب بن كيسان «فأكل منه القوم ثماني عشرة ليلة» . جابر :
وفي رواية عمرو بن دينار : «فأكلنا منه نصف شهر» . وفي رواية «فأقمنا عليها شهرا» . ويجمع بين هذا الاختلاف بأن الذي قال : ثماني عشرة ، ضبط ما لم يضبط غيره أو أن من قال نصف شهر ألغى الكسر الزائد وهو ثلاثة أيام ، ومن قال شهرا جبر الكسر وضم بقية المدة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها . ورجح أبي الزبير : النووي رواية لما فيها من الزيادة . قال أبي الزبير ابن التين : إحدى الروايتين وهم . ووقع في رواية اثنا عشر يوما ، وهي شاذة وأشذ منها رواية الحاكم : الخولاني : أقمنا قبلها ثلاثا . ولعل الجمع الذي ذكرته أولى .
السابع : لا تخالف رواية أبي حمزة الخولاني رواية في لحم الحوت لأن رواية أبي الزبير أبي حمزة تحمل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ازديادا منه بعد أن أحضروا له منه ما ذكر ، أو قال ذلك قبل أن يحضروا له منه ، وكان الذي أحضروه معهم لم يروح فأكل منه صلى الله عليه وسلم . [ ص: 181 ]
الثامن : وقع في آخر صحيح من طريق مسلم عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم . فذكر الحديث ، وفيه فرأينا في مسجده . الحديث . وفيه سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط . الحديث . وفيه سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكان قوت كل أحد منا في كل يوم تمرة . الحديث . وفي آخره : شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «عسى الله أن يطعمكم» . فأتينا سيف البحر ، فزجر البحر زجرة فألقى دابة ، فأورينا على شقها النار فاطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا . قال جابر بن عبد الله فدخلت أنا وفلان حتى عد خمسة في فجاج عينها ما يرانا أحد ، وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقومناه ودعونا أعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطئ رأسه . قال جابر : الحافظ رحمه الله تعالى : وظاهر سياقه أن ذلك وقع في غزوة لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن يمكن حمل قوله : فأتينا سيف البحر على أنه معطوف على شيء محذوف تقديره : فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سفر فأتينا إلخ ، فتتحد مع القصة التي في صحيح البخاري .
التاسع : في بيان غريب ما سبق :
يرصد : بفتح التحتية .
العير : بكسر العين المهملة وبالراء الإبل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة .
الحي الواحد من أحياء العرب يقع على بني أب كثروا أم قلوا ، وعلى شعب يجمع القبائل من ذلك .
جهينة : بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون فتاء تأنيث .
القبلية : بفتح القاف والموحدة .
ساحل البحر : شاطئه وهو جانبه .
الخبط : بفتح الخاء المعجمة والموحدة ما سقط من ورق الشجر إذا خبط بالعصا لتعلفه الإبل .
سيف البحر : بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبالفاء جانبه .
عبادة : بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة .
الصامت : بلفظ اسم الفاعل .
الجراب : بكسر الجيم ، قال في التقريب وقد تفتح .
المزود : بكسر الميم وعاء التمر من أدم . [ ص: 182 ]
يقوتنا ، بفتح الفوقية وضم القاف والتخفيف من الثلاثي ، وبضم التحتية والتشديد من التقويت ومنعه ابن السكيت- بكسر السين المهملة والكاف المشددة وسكون التحتية فتاء .
العصي : بضم العين وكسر الصاد المهملتين جمع عصا .
يمصها : بفتح الميم وحكي ضمها .
تخبط : الشجرة تضربها فيتحات ورقها فتأكله (الإبل ) .
القسي : بكسر القاف جمع قوس .
تقرحت : تجرحت من خشونة الورق وحرارته .
الشدق : بفتح الشين المعجمة وكسرها وسكون الدال المهملة وبالقاف جانب الفم .
فأقسم : أحلف .
أخطأها : فاتته ومعناه أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم ، فيعطي كل إنسان تمرة كل يوم ، فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانا فلم يعطه تمرته وظن أنه أعطاه فتنازعا في ذلك ، فذهبنا معه وشهدنا له أن لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة .
فنعشه : فرفعه وتقيمه من شدة الضعف والجهد أو معناه تشد جانبه في دعواه وتشهد له .
مشفر البعير : بكسر الميم كالجحفلة من الفرس وهو لذي الحافر كالشفة للإنسان .
ناله : أصابه .
الجهد : بفتح الجيم- وتضم- وبالدال : المشقة ، وقيل بالفتح المشقة وبالضم الطاقة .
الغيلانيات : أجزاء من الحديث منسوبة لابن غيلان من المحدثين .
الجزور : بفتح الجيم من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى والجمع جزر بضمتين .
شقة من تمر [أي قطعة تشق منه] .
دليم : بضم الدال المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وبميم .
أما : بفتح الهمزة وتخفيف الميم .
يخني به بضم التحتية وسكون المعجمة وبالنون يسلمه .
فعلا : بكسر الفاء وسكون العين . وفي نسخة من العيون فعالا بفتح الفاء أي الكرم ولهذا وصفه بالمفرد فقال شريفا . ولو أراد الفعال بكسر الفاء الذي هو جمع فعل لقال شريفة .
خديج : بخاء معجمة فدال مهملة فتحتية فجيم وزن عظيم . [ ص: 183 ]
عزم عليه : أمره أمر جد بكسر الجيم .
أخفره : إذا نقض عهده واختفره إذا وفى له بالعهد والمراد الأول .
الذمة : بكسر الذال المعجمة تفسر تارة بالعهد والأمان وتارة بالضمان .
أبو ثابت : بثاء مثلثة وموحدة : كنية سعد بن عبادة .
الكل : بفتح الكاف وتشديد اللام : وهو الإعياء ثم استعمل في كل ضائع وأمر ثقيل .
الدابة : بالدال المهملة وتشديد الموحدة : كل حيوان في الأرض ويطلق على الذكر والأنثى .
العنبر : بلفظ المشموم : حوت كبير بليغ طوله خمسون ذراعا فأكثر .
الحوت : اسم جنس لجميع السمك وقيل مخصوص بما عظم منها .
الكثيب : بفتح الكاف وكسر الثاء المثلثة التل من الرمل .
الظرب : بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر الراء وبالموحدة الجبل الصغير .
الضخم : بفتح الضاد وسكون الخاء المعجمتين : العظيم .
الودك : بفتح الواو والدال المهملة : الشحم .
ثابت : بثاء مثلثة وموحدة ففوقية : رجعت .
الوقب : بفتح الواو وسكون القاف والموحدة النقرة التي تكون فيها الحدقة .
القلال : بكسر القاف جمع قلة وهي هنا [الحب العظيم] .
القدر : بكسر القاف وفتح الدال المهملة جمع قدرة بفتح فسكون : وهي القطعة من اللحم ومن غيره .
الثور : بالثاء المثلثة الذكر من البقر ، والأنثى ثورة والجمع ثيران وأثوار وثيرة مثل عنبة .
الضلع : بكسر الضاد المعجمة وسكون اللام تؤنث وجمعها أضلع وضلوع وهي عظام الجنبين . وقوله بضلعين فنصبا ، الوجه فنصبتا ، وكأنه أوله بعظمين أو عضوين . ونحو ذلك وأن التأنيث غير حقيقي فيجوز التذكير .
لم يروح : لم ينتن .
المجاعة : والمجوعة بفتح الميم من الجوع ضد الشبع .
نهيت : بالبناء للمفعول .
ذكوان : بفتح الذال المعجمة . [ ص: 184 ]
الحوائط : جمع حائط وهو هنا البستان .
أوفى : بمعنى أتم .
يجذ : يقال جذذت التمر وغيره قطعته وهذا زمن الجذاذ .
الشيمة : بكسر الشين المعجمة : الغريزة والطبيعة والجبلة .
يبخل علي ولدي [أي رماه بالبخل] .
الهدنة : بضم الهاء وسكون الدال المهملة وبضمها : الصلح والموادعة بين المتماريين .
الغليل : بفتح الغين المعجمة . العطشان .
مقسم : بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة .
الكفل : بكسر الكاف وسكون الفاء وباللام هنا الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط . [ ص: 185 ]