الباب الثاني في طول الأمل وفضيلة قصر الأمل وسبب طوله وكيفية معالجته .
. فضيلة قصر الأمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ، وخذ من حياتك لموتك ، ومن صحتك لسقمك ، فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غدا وروى كرم الله وجهه أنه صلى الله عليه وسلم قال : إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما علي فإنه الحب للدنيا . ثم قال إلا : إن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ويبغض ، وإذا أحب عبدا أعطاه الإيمان ، ألا إن للدين أبناء ، وللدنيا أبناء ، فكونوا من أبناء الدين ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، ألا إن الدنيا قد ارتحلت مولية ألا إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ألا وإنكم في يوم عمل ليس فيه حساب ، ألا وإنكم توشكون في يوم حساب ليس فيه عمل وقالت أم المنذر طول الأمل
وقال اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عشية إلى الناس فقال : أيها الناس أما تستحيون من الله ، قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : تجمعون ما لا تأكلون ، وتؤملون ما لا تدركون ، وتبنون ما لا تسكنون . اشترى أسامة بن زيد من زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر ، إن أسامة لطويل الأمل ، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ، ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض ، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت . ثم قال : يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين " وعن أبو سعيد الخدري رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يهريق الماء فيتمسح بالتراب فأقول له : يا رسول الله إن الماء منك قريب ، فيقول : ما يدريني لعلي لا أبلغه . ابن عباس
وروي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثلاثة أعواد ، فغرز عودا بين يديه ، والآخر إلى جنبه ، وأما الثالث فأبعده فقال : هل تدرون ما هذا صورة بالأصل ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا الإنسان ، وهذا الأجل ، وذاك الأمل يتعاطاه ابن آدم ، ويختلجه الأجل دون الأمل قال وقال عليه السلام : مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية ، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم هذا المرء ، وهذه الحتوف حوله شوارع إليه والهرم وراء الحتوف ، والأمل وراء الهرم ، فهو يؤمل ، وهذه الحتوف شوارع إليه فأيها ، أمر به أخذه ، فإن أخطأته الحتوف قتله الهرم ، وهو ينتظر الأمل . ابن مسعود
قال عبد الله وقال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط وسطه خطا ، وخط خطوطا إلى جنب الخط ، وخط خطا خارجا ، وقال : أتدرون ما هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا الإنسان للخط الذي في الوسط ، وهذا الأجل محيط به ، وهذه الأعراض للخطوط التي حوله تنهشه ، إن أخطأه هذا نهشه هذا ، وذاك الأمل . يعني الخط الخارج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يهرم ابن آدم ، ويبقى معه اثنتان الحرص والأمل وفي رواية وتشب معه اثنتان : الحرص على المال ، والحرص على العمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنس
: نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل .
وقيل : بينما عيسى عليه السلام جالس وشيخ يعمل بمسحاة يثير بها الأرض فقال عيسى اللهم انزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع فلبث ساعة فقال عيسى اللهم اردد إليه الأمل فقام فجعل يعمل فسأله عيسى عن ذلك فقال : بينما أنا أعمل إذ قالت لي نفسي إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير ، فألقيت المسحاة واضطجعت ، ثم قالت لي نفسي والله لا بد لك من عيش ما بقيت ، فقمت إلى مسحاتي .
وقال الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكلكم يحب أن يدخل الجنة ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : قصروا من الأمل ، وثبتوا آجالكم بين أبصاركم ، واستحيوا من الله حق الحياء وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : اللهم إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة ، وأعوذ بك من حياة تمنع خير الممات ، وأعوذ بك من أمل يمنع خير العمل .