باب في الحكمين في الصيد وأصناف الجزاء وحكم جنين الصيد وبيضه وأين تخرج الكفارة
وقال في مالك . الحكمين في الجزاء : يكونان عدلين فقيهين
يريد : فقيهين بما يحتاج إليه من ذلك . فإن اختلفا لم يأخذ بقول أرفعهما ، وابتدأ الحكم غيرهما .
قال في كتاب محمد : وليس له أن يأخذ بقول أرفقهما .
وجعله بمنزلة من أخرج الجزاء بقول واحد .
وإن اتفقا على خطأ بين ، فحكما بما فيه بدنة أو بقرة بشاة ؛ نقض حكمهما ، وإن أخرج على ما حكما به لم يجزه . وإن حكما بما فيه شاة ببدنة أو بقرة لم يجزه .
والاستحسان أن يجزئ ؛ لأنه أتى بما هو أفضل قطعا .
وإن حكما بما فيه الطعام بالنعم لم يجزه . وقال : إن أمرهما أن يحكما بالجزاء من النعم ففعلا ، ثم أراد أن ينتقل إلى الطعام ؛ جاز . وقال ابن القاسم : ذلك له قبل أن يحكما ، فإن حكما له لم يرد الحكم . ابن [ ص: 1328 ] شعبان
والأول أحسن ؛ لأن الإيجاب إلى الذي أصاب الصيد ، وليس رضاه مما يسقط التخيير الذي جعله الله تعالى . فجزاء مثل ما قتل من النعم . . . الآية [المائدة : 95] . والكفارة ثلاثة أصناف حسب ما جاء في كتاب الله -عز وجل-
فالأولى النظير من النعم ، وهي : الإبل ، والبقر ، والغنم . قال : ولا يجزئه في ذلك إلا ما يجوز في الهدي ؛ الثني فصاعدا ، إلا الضأن فإن جذعها يجزئ . فإن لم يكن له نظير من النعم ، أو كان وأحب أن يخرج الإطعام ؛ أخرج قيمته بالموضع الذي أصابه فيه إن أصابه في عمارة ، وإلا فأقرب موضع من العمارة ويقوم بالطعام من عيش ذلك الموضع . وإن قوم بالدراهم ، ثم اشترى به طعاما أجزأه . مالك
ويقوم على هيئته من الصغر والكبر على المستحسن من القول ، ولا يراعى عند الجمال ولا الفراهية . ويطعم على نحو ما يفعل في الكفارات : كل مسكين الوسط من الغداء أو العشاء . وإن كان عيشهم القمح ، وكان المد الوسط عندهم فهو . وإن كان عيشهم الشعير أو التمر ؛ قوم به ، وأطعم كل مسكين الوسط مما يكون غداء وعشاء . وإن أحب الصيام ؛ لم يصم على عدد الأمداد ، وإنما يراعى أعداد المساكين ، فيصوم على عددهم ، ويصوم على كسر المد يوما . والإطعام عن قيمة الصيد نفسه وليس عن قيمة نظيره من النعم وكذلك الصوم وهو عن الإطعام الذي هو قيمة الصيد . [ ص: 1329 ] مالك
وموضع القضاء في هذه الثلاثة مختلف ، فموضع النظير من النعم مكة ؛ لقوله تعالى : هديا بالغ الكعبة [المائدة : 95] .
. والصوم بحيث أحب من البلاد ، إلا على القول أن الكفارة على الفور ؛ فيؤمر أن يأتي به هناك ، ولا يؤخره . فإن تعدى وأخره ؛ صام بحيث هو ، ولا يرجع لأجله . وموضع الإطعام حيث أصاب الصيد وما يقاربه
ويفتقر إلى الحكمين في فصلين هما : الجزاء من النعم ، والإطعام . فإن حكما بالإطعام وقدر ما يستحقه كل مسكين ؛ لم يفتقر في الصوم إلى حكمين ، وهو يصوم عن كل مسكين يوما . واختلف في هذه الجملة في أسنان النظير من النعم وفي موضع نحره . وفي صفة القيمة إذا قوم بالطعام وكان صغيرا هل يقوم لو كان كبيرا أو ينظر ما يشبع لحمه ، وفي جنين الصيد إذا خرج حيا ولم يصرخ ، وفي بيض الصيد إذا لم يكن فيه فرخ ، وفي إفساد وكره إذا لم يهلك البيض . وإذا أخرج القيمة بغير الموضع الذي قوم فيه ، وفي قدر ما يغرمه عن الذر والنمل ، وهل يحتاج في مثل ذلك إلى حكمين ؟ .
فأجاز عمر بن الخطاب وابن عباس - رضي الله عنه - ، وعطاء وغيرهم ما دون الثني من غير الضأن . وابن مسعود
وذكر ذلك في الموطأ عن - رضي الله عنه - أنه قضى في الغزال بعنزة ، وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة . عمر بن الخطاب
وقال - رضي الله عنه - : في الأرنب حمل . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - وعطاء : في اليربوع جفرة . [ ص: 1330 ] ابن مسعود
وقال : سخلة . وهذا لقول الله تعالى : مجاهد مثل ما قتل [المائدة : 95] فمن أوجب فوق ذلك كان مخالفا للنص .
وقال محمد بن عبد الحكم : إن حكما بمثل ما قضى به عمر مضى . قال : ولا أقول في شيء قضى به عمر أنه يرد .
وقال مثل ذلك في غير ما موضع ، أنه إن قضى قاض بمختلف فيه ؛ مضى ، ولم يرد وإن خالف رأيه . مالك
وأما موضع نحره ؛ فهو مخير عند بين أن ينحره مالك بمكة ، وإن شاء نحره بمنى إن كان ساقه في حج . وقال أيضا في الصيد : يقوم بطعام على حاله التي كان عليها حين أصابه وهو حي ، وهو ظاهر قوله : إن قوم بدراهم .
وقال محمد : يقوم إذا كان صغيرا أو كان كبيرا . وذكر ابن اللباد رواية : أنه يطعم قدر ما يشبع لحم الصيد .
وهذا مثل قول في المدونة أنه : يقوم على قدره ، ولا يقوم غيره . وهو أحسن ؛ بقوله : مالك مثل ما قتل [المائدة : 95] . فلا يلزمه أكثر منه ، وليس مثل الدية ؛ لأن تلك ورد الأمر فيها على التساوي بين الصغير والكبير . وجعل الصيد موكولا إلى النظير من النعم والقيم على الأصل ، وفي الغرم على المتلفات ، وهو إذا أخرج القيمة من الطعام أبين أن يخرج قيمته على صغره ؛ لأن التعلق إذا أخرج النظير من النعم شبهه لأجل الهدايا ، ولا يعلق في القيمة [ ص: 1331 ] بالطعام والدراهم أن يغرم فوق ما أتلف .
ويختلف إذا أخرج الطعام بغير الموضع الذي صاد فيه الصيد ، فمنعه في المدونة ، وقال : يحكم عليه بالمدينة ، ويطعم بمصر! . قال محمد : إن حكم عليه بمصر ، فأطعم في المدينة ؛ أجزأه حيثما كان . وأرى إن حكم عليه بدراهم ، فاشترى بها بسعر الموضع الذي هو فيه ؛ أجزأه ، كان أرخص من الموضع الذي أصاب فيه الصيد أو أغلى . وإن حكم عليه بطعام ؛ لم يجزه أن يخرجه بموضع هو أرخص ، ويجزئه إن كان أغلى كما قال محمد .