الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في أحكام المعتق بعضه وكيف تكون نفقته وكسوته وخدمته والسفر به

                                                                                                                                                                                        والمعتق بعضه ماله موقوف بيده ينفق منه ويكتسي; لأن ماله شركة بينهما نصفين ونفقته وكسوته مفضوضة ، على العبد نصفها وعلى السيد نصفها ، فإذا أخذ ذلك من جملة المال كان قد أخذ كل واحد منهما من ذلك المال بقدر ما استحق منه ، وإن لم يكن له مال أنفق عليه السيد النصف ونظر العبد لنفسه في نصف نفقته وكسوته وأخرج السيد نصف كسوته ، وإن كان في يده مال يفضل بعد نفقته ترك في يديه ولم يكن للسيد أن يأخذ نصفه .

                                                                                                                                                                                        قال مالك : وإن بيع بيع بماله وليس لبائعه ولا لمشتريه أن يأخذ من ماله شيئا ، وإن استثنى البائع نصف ماله لم يجز ورد البيع إلا أن يرضى البائع بتسليم شرطه أو يرضى العبد أن يمضي المال للبائع; لأنه لو رضي العبد لسيده بذلك من غير بيع جاز ، وإن بيع على جهل من موجب الحكم في المال أو على أن [ ص: 3845 ] يسأل عن ذلك لمن يكون فيمضي لكان البيع فاسدا ونقض واستأنفا البيع على وجه جائز .

                                                                                                                                                                                        وأما منافعه ، فإن كان عبد خدمة اختدمه السيد يوما وكان للعبد يوما يعمل فيه ما أحب ، وإن تراضيا على اقتسام الخدمة أربعة وأربعة أو خمسة وخمسة جاز . وأجاز عند محمد أن تكون شهرا بشهر .

                                                                                                                                                                                        وإن كان عبد إجارة اقتسما ما يصيب في إجارته; لأنها غلة فكان للسيد أن يأخذ نصيبه منها بخلاف ما يكسبه من غير خراجه ، وإن قال السيد : تعمل لنفسك يوما ولي يوما ويعمل له شيئا يأتيه به ، أو آجرك في تلك الصنعة في يومي كان ذلك له ، وإن كان تاجرا فتجر بمال قراض أو بضاعة كان للسيد أن يأخذ نصف ما أخذ عن ذلك; لأنه آجر نفسه ، وإن تجر في مال في يديه لم يكن للسيد أن يأخذ نصيبه من ذلك الربح وهو بمنزلة ماله ، وإن قال السيد : أنا أستخدمك في يومي أو آجرك في صناعة تحسنها; لأن تجرك لا يفيدني ولا أتوصل إليه . كان ذلك له . [ ص: 3846 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أحب السفر; فقال محمد : إن أبى الغلام وقال : يقطعني عن عملي فإن كان سفرا قريبا فذلك للسيد .

                                                                                                                                                                                        قال مالك : إن كان بعيدا كتب له القاضي كتابا وأشهد له شهودا من أهل البلد الذي يخرج إليه إن خاف أن يباع أو يركب بظلم ، وإن كان سيده غير مأمون منع من الخروج له . قال : ونفقته وكراؤه على السيد حتى يقر قراره .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : لا يخرج به مأمونا كان أو غير مأمون ; لأنه شريك معه في نفسه ملك من نفسه ما كان يملك غيره . وهو أحسن; لأن العبد يحل فيما أعتق منه محل معتقه وإذا كان عبد بين شريكين لم يكن لأحدهما أن يسافر به دون رضا شريكه ، وأيضا فإنه يظلمه في أيام السفر وفي ذلك مضرة عليه; لأنه قد يكون السفر شهرا ومنافع ذلك الشهر بينهما نصفين [ ص: 3847 ] فيصير له جميعها في سفره ، فإذا وصل لم يحاسب منها بشيء .

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب : للعبد أن يرجع على سيده بإجارة مثله بقدر ما له فيه من الحرية حتى يرجع إلى قراره . وهذا أشبه إلا أن يكون ذا صنعة يعملها في الحاضرة ولا يوفي إجارة المثل فلا يكون له أن يخرج به إلا أن يغرم له عن نصف القدر الذي كان يجده قبل سفره . [ ص: 3848 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية