الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في العتق بالمثلة ومن مثل بزوجته أو عبد عبده

                                                                                                                                                                                        الأصل في ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كان لزنباع عبد يسمى سندر أو ابن سندر فوجده يقبل جارية له فجبه وجذع أنفه فأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : "من مثل بعبده أو أحرق بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله" .

                                                                                                                                                                                        وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أعتق أمة أحمى لها سيدها رضفا فأقعدها عليه فاحترق فرجها ، فأعتقها .

                                                                                                                                                                                        ويعتبر العتق بالمثلة من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                        أحدها : الوجه الذي كانت عليه من عمد أو خطأ . [ ص: 3849 ]

                                                                                                                                                                                        والثاني : صفة المثلة هل هي إزالة عضو أو شيء من غير إزالة .

                                                                                                                                                                                        والثالث : الممثل هل هو بالغ صحيح العقل أو غير ذلك .

                                                                                                                                                                                        فأما الوجه الذي تكون عنه المثلة فأربعة : يعتق في واحد وهو أن يكون عمدا على وجه العذاب . ولا يعتق في ثلاث : وهي أن تكون خطأ ، أو عمدا على وجه المداواة والعلاج ، أو شبيها بالعمد وليس بصريحة مثل أن يخذفه بسيف أو سكين فيبين منه عند ذلك عضوا .

                                                                                                                                                                                        قال عيسى بن دينار في شرح ابن مزين : ولا يكون مثلة برميه أو ضربه وإن كان عامدا بذلك إلا أن يكون عامدا للمثلة فأضجعه فمثل به ، وفي مثل ما يستقاد للابن من أبيه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : وهذا صحيح; لأن الغالب شفقة الإنسان على ماله ، وقد يريد تهديده بالرمي ولا يريد خروجه من ملكه بالعتق عن المثلة ، وقد يريد المثلة حقيقة وإذا احتمل فعله الوجهين أحلف أنه لم يقصد ذلك ويترك .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في كتاب ابنه : إذا ضرب رأسه فنزل الماء في عينيه لم يعتق عليه ولم يعتقه; لأنه يحتمل أن يكون قد قصد ضرب الرأس دون ما حدث عن الضربة . [ ص: 3850 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اختلف السيد والعبد ، فقال السيد : كانت خطأ ، وقال العبد : عمدا . أو مثل بزوجته ، فقال الزوج : خطأ ، وقالت الزوجة : عمدا . وقد فقأ عينه أو عينها وقال : كنت مؤدبا فأخطأت . فقال سحنون في العتبية : القول قول العبد والمرأة بخلاف الطبيب يقول : أخطأت . ثم رجع فقال : القول قول السيد والزوج . وهو أحسن; لأن الأمر محتمل فيحلف ولا يعتق العبد ولا تقتص الزوجة إلا أن يكون الزوج والسيد معروفين بالجرأة والاستخفاف والأذى فيقبل قول العبد والزوجة ، أو يكون ذلك بالحديد وما يقوم الدليل فيه أنه عمد فلا يصدق فتقتص الزوجة ويعتق العبد . وقال مالك في العتبية في الزوج يمثل بزوجته : تطلق عليه .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية