فصل [في رجوع الزوجة عن شرطها عليه ألا يتزوج ولا يتسرى وما يعرض لها في ذلك]
واختلف فيمن ثم رجعت قبل أن يتزوج أو يتسرى، فقال تزوج امرأة على إن تزوج عليها أو تسرى أو خرج بها من بلدها كان أمرها بيدها، فأذنت له في ذلك، مالك لا رجوع لها في ذلك، وقال أيضا: إن رضيت عندما أراد التزويج أو التسري أو السفر لزمها، وإن كان على بعد لم [ ص: 2657 ] يلزمها، وقال وابن القاسم: لا يلزمها ذلك قرب أو بعد، ولها أن تقوم بحقها في ذلك إن تزوج أو تسرى أو سافر، ورأى أن تركها ذلك كان قبل الوجوب، وإن رضيت بذلك بعد أن تزوج لم يكن لها رجوع، وإن طلق التي تزوج كان له أن يرتجعها في العدة، وإن انقضت العدة لم يكن له أن يتزوجها إلا برضاها. أشهب:
واختلف في السفر والتسري هل لها أن ترجع، وإن كان رضاؤها بعد أن تسرى أو سافر ثم رجعت عن ذلك ومنعته التمادي على التسري أو السفر، فذكر محمد في ذلك قولين، وألا مقال لها في ذلك أحسن، إلا أن يريد في مقامه في السفر على عادته، أو على ما يرى أنه يقيم إذا لم تكن له عادة، وكذلك التسري لا مقال لها إلا أن يكون قد تقدمت له عادة في مقام الجواري عنده، فخرج عن العادة، وإذنها على ثلاثة أوجه، فإذا أذنت له في امرأة بعينها أو جارية بعينها أو سفر بعينه، فإن عينت كانت على شرطها فيما سوى ذلك المعين، ولا يمين عليها، فإن طلق تلك الزوجة أو باع الجارية عادت عليه فيها اليمين، ودخل في مجهول من حلف عليه، وإن لم تعين وأذنت أن يتزوج أو يتسرى أو يسافر كان محمله على مرة، قال محمد: وتحلف أنها لم تأذن إلا على مرة، وإن أسقطت ذلك جملة لم يكن بها قيام إلا على قول وقال في المدونة: إذا تزوج عليها فلم تقض شيئا، ثم تزوج أخرى كان لها أن تقضي وتحلف، وقول أشهب، محمد في هذا ألا يمين عليها أحسن; لأنها إنما رضيت بمعينة، واختلف إذا قال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق أو أمرها بيدك، فطلق زوجته ثلاثا ثم تزوجها بعد، هل [ ص: 2658 ] تعود اليمين عليه؟ وإذا طلقها واحدة وانقضت عدتها ثم تزوج امرأة، ثم تزوج الأولى على الثانية أو قال: إن تزوجت عليك فأمر التي أتزوج عليك بيدك، فتزوج عليها فلم تقض حتى طلق الأولى، واختلف في هذه الثلاث مسائل، فقال في المدونة: إذا قال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق أو أمرها بيدك فطلق الأولى ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج فلا شيء عليه، قال مالك محمد: إنما ذلك إذا كان اليمين بطلاق الأولى، وكل شرط كان لها في أصل النكاح أو بعده أو بغير شرط بتمليكها نفسها، وأما ما كان من طلاق غيرها فقال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق، أو إن تزوجت عليك فلانة أو من ولد فلان فهي طالق، فطلق زوجته ألبتة، ثم تزوجها بعد زوج، ثم تزوج عليها، فذلك لازم؛ لأن اليمين بالطلاق لم تكن فيها، قاله وهذا الخلاف راجع إلى هل تحمل الأيمان على موجب اللفظ أو على ما يقصده الحالف، فأما على مراعاة الألفاظ، فاليمين باقية؛ لأنه حلف ألا يتزوج عليها، فقد تزوج عليها، وعلى مراعاة المقاصد لا يحنث; لأنه إنما حلف لها في عصمة ملكها عليها ألا يدخل عليها فيها مضرة. مالك،
واختلف إذا طلق واحدة فانقضت عدتها ثم تزوج امرأة، ثم تزوجها هي هل هو حانث؟ فقال لا شيء عليه؛ لأنه لم ينكح عليها، إنما [ ص: 2659 ] ينكحها هي على غيرها، وقال أشهب: في كتاب مطرف إن كان ذلك شرطا في أصل النكاح فاليمين له لازمة؛ لأنه إنما أراد ألا يجمع معها غيرها، قال: وقال ابن حبيب: وإن كان ذلك طوعا من بعد عقد النكاح فلا شيء عليه، إنما زعم أنه لم يرد ألا يجمعها مع غيرها، أو لم يرد ألا يدخل عليها امرأة، قال: وكذلك قال مالك: في الذي يشترط لامرأته: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، أو كان ذلك طوعا بعد عقد النكاح إن النية له في الطوع، ولا نية له في الشرط. مالك
وقال في ثمانية أبي زيد: إذا قال: كل امرأة أتزوجها عليك فأمرها بيدك، فتزوج عليها، ثم لم تعلم حتى طلق الأولى، فعلمت وأرادت أن تطلق عليه الثانية، قال: فلا شيء لها. وقال ابن الماجشون لها أن تطلقها عليه، وهذا أشبه؛ لأنها قد ملكت طلاقها، وصار ذلك حقا بيدها، فلا يزيله طلاقه إياها. وقال أصبغ: محمد فيمن قال: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فتزوج عليها فلم تعلم حتى ماتت الثانية أو فارقها، قال: ذلك بيدها، تطلق نفسها إن شاءت، وعلى قول ليس لها أن تطلق نفسها. [ ص: 2660 ] عبد الملك: