الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث الرابع: الشرط الرابع: أن يكون الموصى له حرا

        وفيه مطلبان:

        المطلب الأول: وصية السيد لرقيقه

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: الوصية له بمعين :

        وصورة ذلك: أن يوصي له بسيارة، أو بيت، ونحو ذلك:

        اختلف العلماء - رحمهم الله - على أقوال:

        القول الأول: أنها وصية صحيحة:

        وبه قال الإمام مالك ، ورواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الظاهرية ، وأبو ثور .

        وعند المالكية : إذا أوصى له بعدد كمائة، فإنه يعتق من ذلك العدد وباقيه له كماله، فإن لم يحمله ذلك العدد عتق منه محمله وكمل باقيه من ماله.

        القول الثاني: أن الوصية موقوفة على إجازة الورثة.

        وبه قال الحسن البصري ، وابن سيرين .

        [ ص: 440 ] القول الثالث: أنها وصية باطلة.

        وبه قال الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ، والثوري ، وإسحاق .

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (الصحة):

        1 - ما تقدم من الأدلة على أن الرقيق يملك.

        2 - قول الله عز وجل: فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بإنكاح الإماء، وإيتائهن مهورهن، فدل ذلك على أن الأمة تملك، وإذا كانت تملك جازت الوصية لها.

        ونوقش هذا الاستدلال: بعدم تسليم هذا التفسير، وإنما المراد أحد أمرين:

        الأمر الأول: أن المراد إعطاؤهن المهر بشرط إذن السيد، كما كان إذنه مشروطا في التزويج، فيكون التقدير: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بإذنهم)، فهو كقوله تعالى: والحافظين فروجهم والحافظات ، أي: والحافظات فروجهن.

        الأمر الثاني: أن يكون أضاف الإعطاء إليه والمراد المولى، كما لو تزوج صبية صغيرة أو أمة صغيرة بإذن الأب والمولى جاز أن يقال: أعطهما مهريهما، ويكون المراد إعطاء الأب أو المولى، ألا ترى أنه يصح أن يقال لمن عليه دين ليتيم قد مطله به: إنه مانع لليتيم حقه وإن كان اليتيم لا يستحق قبضه، ويقال: أعط اليتيم حقه؟ وقال تعالى: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل [ ص: 441 ] وقد انتظم ذلك الصغار والكبار من أهل هذه الأصناف; وإعطاء الصغار إنما يكون بإعطاء أوليائهم، فكذلك جاز للورثة أن ينزعوا ما أوصى به الموصي للعبد لكانت وصية الميت غير نافذة.

        3 - أن الأصل هو تنفيذ ما يوصي به الموصي، ولو جاز للورثة أن ينزعوا ما أوصى به الموصي للعبد لكانت وصية الميت غير نافذة.

        ونوقش هذا الاستدلال: أن الوصية إذا لم يكن لها فائدة، أو مخالفة للشرع فإنها لا تنفذ ، وههنا الوصية لا تنفذ؛ لعدم الفائدة منها، ولما سبق أن ذكرنا من أن الموصي أوصى لورثته بما يرثونه.

        4 - أنه تصح له الصدقة، فكذا الوصية.

        دليل القول الثاني: وأما القائلون بأن الوصية موقوفة على إجازة الورثة فلم أجد لهم دليلا.

        دليل القول الثالث: (البطلان):

        استدل لهذا الرأي: أن العبد يصير ملكا للورثة، فما أوصى به فهو لهم، فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه، فلا فائدة فيه.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم -: هو القول الأول; لقوة دليله بملكية الرقيق، ولأن الوصية يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية