المطلب الثاني
الوصية بغير معين
وتحته مسائل:
المسألة الأولى: الوصية بعين مبهمة غير شائعة في جنسها ولا في مال الموصي:
مثل الوصية بشاة أو نخلة أو سيارة أو دار هكذا مبهمة، وقد اختلف الفقهاء في صحتها وبطلانها على قولين:
القول الأول: صحتها.
وهو قول جمهور أهل العلم ; لعموم أدلة الوصية.
القول الثاني: ببطلانها إذا مات ولا غنم له.
وبه قال بعض الحنفية .
[ ص: 189 ] والراجح: قول جمهور أهل العلم; لاتفاقهم على صحة الوصية بالمجهول، وهذا منه.
وقد اختلف العلماء فيما يجب فيها على أقوال:
القول الأول: أن الواجب فيها قيمة الوسط من الموصى له، فإذا كانت الوصية بشاة لزمهم قيمة شاة وسط، وإذا كانت بدار لزمهم قيمة دار وسط، ولا يلزم الورثة شراؤها، إذا لم تكن في التركة كما لا يلزم إعطاؤها إذا كانت في التركة.
وهو قول المالكية .
وحجته: حمل اللفظ على أوسط مدلولاته.
وفي قول للمالكية: أن الواجب فيها العين الموصى بها يعطونها له من التركة، أو يشترونها له إذا لم تكن في التركة.
وحجته: وقوفا مع لفظ الموصي; لأنه أوصى بالعين ولم يوص بالقيمة.
القول الثاني: أن الورثة بالخيار في إعطاء العين الموصى بها، أو قيمتها الوسط.
وهو قول الحنفية .
وحجته: ما تقدم من حجة القول الأول.
القول الثالث: أنه يجب فيها أقل ما يصدق عليه الاسم، فإذا كانت بشاة لزمهم أقل ما يسمى شاة صغيرة، أو كبيرة سليمة، أو معيبة، وهكذا إذا كانت [ ص: 190 ] الوصية بدار أو سيارة أو فرس، ففي الجميع يلزمهم ما يسمى بذلك الاسم لغة، ولا يلزمهم أن يعطوه مما في التركة، ولا يجوز إعطاء القيمة.
وهو قول الشافعية ، والحنابلة .
وحجتهم: حمل اللفظ على أقل مدلولاته، فيلزم عليه أقل ما يسمى بذلك الاسم.
ولعل سبب هذا الخلاف: راجع إلى الخلاف في حمل اللفظ على أقل مدلولاته، أو أعلاها، أو وسطها، فمن قال يحمل على الوسط قال هنا بلزوم الوسط، ومن رأى حمله على أقل مدلولاته، قال هنا يلزمهم أقل ما يسمى بذلك الاسم.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - أن يقال: إن الواجب الوسط من جنس ما أوصى به الميت; إذ هو العدل إلا إن رضي الموصى له بالقيمة، فيعطى قيمة الوسط لما تقدم.
ولم يقل أحد هنا بلزوم الأعلى; لأن الأصل براءة الذمة مما زاد على الأقل فلا يلزم إلا بيقين، ولأن الزائد مشكوك فيه والأموال لا تنتقل بالشك، ولأن الشك في السبب يؤدي إلى بطلان المسبب.