مسألة نقل عن داود وأصحاب الظاهر أن كل وهذا يزيد على من أفتى في حادثة بحكم يريد به التقرب إلى الله فهو مصيب سواء كان مجتهدا أو لم يكن العنبري ، لأن ذاك صوب كل مجتهد في الأصل ، وهذا صوب في كل شيء وإن لم يكن مجتهدا بعدما بذل وسعه . تنبيهات الأول : من صوب المجتهدين شرط في ذلك أن لا يكون مذهب الخصم مستندا إلى دليل ينقض الحكم المستند إليه ، قاله الشيخ عز الدين في قواعده " . قال : ولهذا لم يكن شرب الحنفي للنبيذ مباحا وإن قلنا [ ص: 309 ] بتصويبهم . وقد أورد على القائلين به قولهم : إنه لا حكم في النازلة معينا ، فصار كمن يقول : ليس في البيت متاع ، وكل من وجد فيه متاعا وجده . وأجيب بأنه يعني : لا حكم أي معينا فيها فيدرك قبل الطلب ، كما يدرك بغير طلب من النص الظاهر ، بل فيها حكم لها ولغيرها يدركه المجتهد عند تصفح قوانين الشرع الكلية ، تلحق بها الجزيئات ، ففي كل مسألة حكم معين على هذا الوجه قال تعالى : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } . الثاني : قيل على أصول المصوبة : إنا نقطع بالأحكام ، وإن المخطئة تظنها ظنا . قال ابن المنير : وهو عندي وهم على القوم ، وذلك لأن المصوبة تقول : لا يكفيه أي ظن كان ، بل لا بد من اجتهاد وبذل وسع . في تصحيح المقتضى وتحقيق الشرط ورفع المعارضات ، بحيث لو دخل بذلك لكان مخطئا آثما . الثالث : قيل : قول من قال من المجتهدين : ليس كل مجتهد مصيبا ، لأنه إن أصاب فما قاله حق ، وإن أخطأ فقد نقض قوله فلم يكن كل مجتهد مصيبا ، ولك في حل هذه الشبهة طرق : إحداها - أن المسألة قطعية ، كما صرح به الأصوليون والخلاف في " أن المصيب واحد " إنما هو في المسائل الاجتهادية . أما المسائل الأصولية القطعية فالمصيب فيها واحد قطعا . الثانية - يلتزم أنه مصيب في قوله : ليس كل مجتهد مصيبا ولكن لما الدليل على أنه ليس كل مجتهد مصيبا قلت : أنه يلزم من ذلك أن يكون الواقع في نفس الأمر . ليس إلا أنه ليس كل مجتهد مصيبا . وقولك أنه مصيب قلنا : وكذلك خصمه أيضا مصيب . بناء على القول المصوب بحكم الله في حق هذا أنه ليس كل مجتهد مصيبا ، غير أنه في حق خصمه أن كل مجتهد مصيب .
[ ص: 310 ] الرابع - سلمنا أن هذه المسألة من المسائل الاجتهادية الفقهية ، لكن ما الذي يعني القائل بأن كل مجتهد مصيب ؟ إما أن يعتقد بطلان قول القائل بأن المصيب واحد أو يعتقد صحته . وإن عنيت بالباطل ما لا يكون مطابقا لما في نفس الأمر ، وبالصحة ما يكون مطابقا له فهو فاسد منا ، لأنه محل النزاع ، كيف وأن مذهب القائل بتصويب الجميع أنه لا حكم له أصلا ، وإنما الأحكام تابعة لظنون المجتهدين . وإن عنيت بالباطل والحق ما في ظن المجتهدين من غير أن يكون في الواقعة حكم معين في نفس الأمر فجميع الأحكام الاجتهادية على هذا التقدير حق وصواب ، فإذا القول بتصويب الكل وعدمه حق وصواب ، لأنه غالب على ظن تقييده . الخامس : إن من فروع هذه المسألة اقتداء الشافعي ، كما قال إمام الحرمين في النهاية " والأصح فيه الصحة إلا أن يتحقق إخلاله بما يشترطه ويوجبه ، لأنا نقطع بالمخالفة حينئذ ، لاحتمال أن يكون مذهبا راجحا عنده . ولهذا قال : القاضي أبو الطيب [ فيها ] غير صحيح أبي حنيفة ، لأنه يعين على ما يعتقد تحريمه . قال : ولكن يجوز أن يفوض إليه الحكم فيها ، لاحتمال أن يتغير اجتهاده فيوافق لا يجوز للشافعي أن يفوض القضاء إلى الحنفي في مسألة يعتقد المفوض أن مذهب ، فلا يكون المفوض عند التفويض معينا على ما يعتقد منعه . الشافعي