فصل .
ومنها قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } فتأمل هذا المثل ومطابقته لحال من أشرك بالله وتعلق بغيره ، ويجوز لك في هذا التشبيه أمران :
أحدهما : أن تجعله تشبيها مركبا ، ويكون قد شبه من أشرك بالله وعبد معه غيره برجل قد تسبب إلى هلاك نفسه هلاكا لا يرجى معه نجاة ، فصور بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير في الهوي فتمزق مزقا في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة ، وعلى هذا لا تنظر إلى كل فرد من أفراد المشبه ومقابله من المشبه به .
والثاني : أن يكون من التشبيه المفرق ، فيقابل كل واحد من أجزاء الممثل بالممثل به ، وعلى هذا فيكون قد شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه ، فمنها هبط إلى الأرض ، وإليها يصعد منها ، إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير الذي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله سبحانه وتعالى عليه وتؤزه أزا وتزعجه وتقلقه إلى مظان هلاكه ; فكل شيطان له [ ص: 139 ] مزعة من دينه وقلبه ، كما أن لكل طير مزعة من لحمه وأعضائه ، والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي حمله على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده من السماء . وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء