[ ] : وأما قوله : " ولا يفسد عقد إلا بالعقد نفسه ، ولا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره ، ولا بتوهم ، ولا أمارة عليه " يريد أن الشرط المتقدم لا يفسد العقد إذا عرى صلب العقد عن مقارنته ، وهذا أصل قد خالفه فيه جمهور أهل العلم ، وقالوا : لا فرق بين الشرط المتقدم والمقارن ; إذ مفسدة الشرط المتقدم لم تزل بتقدمه وإسلافه ، بل مفسدته مقارنا كمفسدته متقدما ، وأي مفسدة زالت بتقدم الشرط إذا كانا قد علما وعلم الله تعالى والحاضرون أنهما إنما عقدا على ذلك الشرط الباطل المحرم وأظهرا صورة العقد مطلقا ؟ وهو مقيد في نفس الأمر بذلك الشرط المحرم ؟ فإذا اشترطا قبل العقد أن النكاح نكاح تحليل أو متعة أو شغار ، وتعاهدا على ذلك ، وتواطآ عليه ، ثم عقدا على ما اتفقا عليه ، وسكتا عن إعادة الشرط في صلب العقد اعتمادا على تقدم ذكره والتزامه ، لم يخرج العقد بذلك عن كونه عقد تحليل ومتعة وشغار حقيقة . وكيف يعجز المتعاقدان اللذان يريدان عقدا قد حرمه الله ورسوله لوصف أن يشترطا قبل العقد إرادة ذلك الوصف وأنه هو المقصود ثم يسكتا عن ذكره في صلب العقد ليتم غرضهما ؟ وهل إتمام غرضهما إلا عين تفويت مقصود الشارع ؟ وهل هذه القاعدة وهي أن الشرط المتقدم لا يؤثر شيئا - إلا فتح لباب الحيل ؟ بل هي أصل الحيل وأساسها ، وكيف تفرق الشريعة بين متماثلين من كل وجه لافتراقهما في تقدم لفظ وتأخره مع استواء العقدين في الحقيقة والمعنى والقصد ؟ وهل هذا إلا من أقرب الوسائل والذرائع إلى حصول ما قصد الشارع عدمه وإبطاله ؟ وأين هذه القاعدة من قاعدة سد الذرائع إلى المحرمات ؟ ولهذا صرح أصحابها ببطلان سد الذرائع لما علموا أنها مناقضة لتلك ; فالشارع سد الذرائع إلى المحرمات بكل طريق ، وهذه القاعدة توسع الطرق إليها وتنهجها . الشرط المتقدم والمقارن
وإذا تأمل اللبيب هذه القاعدة وجدها ترفع التحريم أو الوجوب مع قيام المعنى المقتضي [ ص: 108 ] لهما حقيقة ، وفي ذلك تأكيد للتحريم من وجهين : من جهة أن فيها فعل المحرم وترك الواجب ، ومن جهة اشتمالها على التدليس والمكر والخداع والتوسل بشرع الله الذي أحبه ورضيه لعباده إلى نفس ما حرمه ونهى عنه ، ومعلوم أنه لا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق بين في الحقيقة ، بحيث يظهر للعقول مضادة أحدهما للآخر ، والفرق في الصورة غير معتبر ولا مؤثر ; ، فإن الألفاظ إذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد كان حكمها واحدا ، ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفا ، وكذلك الأعمال ، ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار ; فالأمر المحتال عليه بتقدم الشرط دون مقارنة صورته صورة الحلال المشروع ومقصوده مقصود الحرام الباطل ، فلا تراعى الصورة وتلغى الحقيقة والمقصود ، بل مشاركة هذا للحرام صورة ومعنى وإلحاقه به لاشتراكهما في القصد والحقيقة أولى من إلحاقه بالحلال المأذون فيه بمشاركته له في مجرد الصورة . إذ الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال