فصل
[ الكلام على المكره ]
إذا عرف هذا فنقول : المكره قد أتى باللفظ المقتضي للحكم ، ولم يثبت عليه حكمه ; لكونه غير قاصد له ، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه ، فانتفى الحكم لانتفاء قصده وإرادته لموجب اللفظ ; فعلم أن نفس اللفظ ليس مقتضيا للحكم اقتضاء الفعل لأثره ، فإنه لو لم يمكن أن يقال : إن ذلك القتل أو الإتلاف أو التنجيس فاسد وباطل ، كما لو أكل أو شرب أو سكر لم يقل : إن ذلك فاسد ، بخلاف ما لو حلف أو نذر أو طلق أو عقد عقدا حكميا ، وهكذا المحتال الماكر المخادع ; فإنه لم يقصد الحكم المقصود بذلك اللفظ الذي احتال به ، وإنما قصد معنى آخر فقصد الربا بالبيع والتحليل بالنكاح والحنث بالخلع ، بل المكره قد قصد دفع الظلم عن نفسه ، وهذا قصده التوسل إلى غرض رديء ; فالمحتال والمكره يشتركان في أنهما لم يقصدا بالسبب حكمه ولا باللفظ معناه ، وإنما قصدا التوسل بذلك اللفظ وبظاهر ذلك السبب إلى شيء آخر غير حكم السبب ، لكن أحدهما راهب قصده دفع الضرر عن نفسه ، ولهذا يحمد أو يعذر على ذلك ، والآخر راغب قصده إبطال حق وإيثار باطل ، ولهذا يذم على ذلك ; فالمكره يبطل حكم السبب فيما عليه وفيما له لأنه لم يقصد واحدا منهما ، والمحتال يبطل حكم السبب فيما احتال عليه ، وأما فيما سواه فيجب فيه التفصيل . قتل أو غصب أو أتلف أو نجس المائع مكرها
وههنا أمر لا بد منه ، وهو أن من ظهر لنا أنه محتال فكمن ظهر لنا أنه مكره ، ومن ادعى [ ص: 100 ] أنه إنما قصد الاحتيال فكمن ادعى أنه مكره ، وإن كان ظهور أمر المكره أبين من ظهور أمر المحتال .