ومن لم ير بذلك بأسا ، وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات ; فالقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالا أو حراما ، وصحيحا أو فاسدا ، وطاعة أو معصية ، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة أو صحيحة أو فاسدة . ودلائل هذه القاعدة تفوت الحصر ، فمنها قوله تعالى في حق الأزواج إذا طلقوا أزواجهم طلاقا رجعيا : { لم يراع القصد في العقد وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا } وقوله : { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } وذلك نص في أن الرجعة إنما ملكها الله تعالى لمن قصد الصلاح دون من قصد الضرار . وقوله في الخلع : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وقوله : { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله } فبين تعالى أن إنما يباح إذا ظنا أن يقيما حدود الله . وقال تعالى : { الخلع المأذون فيه والنكاح المأذون فيه من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار } فإنما إذا لم يقصد بها الموصي الضرار ; فإن قصده فللورثة إبطالها وعدم تنفيذها ، وكذلك قوله : { قدم الله الوصية على الميراث فمن [ ص: 80 ] خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه } فرفع الإثم عمن أبطل الجنف والإثم من وصية الموصي ، ولم يجعلها بمنزلة نص الشارع الذي تحرم مخالفته .