[ ص: 71 ] معنى البينة ]
وقوله : " البينة على المدعي واليمين على من أنكر "
nindex.php?page=treesubj&link=16239البينة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق فهي أعم من
nindex.php?page=treesubj&link=16239البينة في اصطلاح الفقهاء ، حيث خصوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين ، ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حمل كلام الله ورسوله عليه فيقع بذلك الغلط في فهم النصوص وحملها على غير مراد المتكلم منها وقد حصل بذلك للمتأخرين أغلاط شديدة في فهم النصوص ، ونذكر من ذلك مثالا واحدا ، وهو ما نحن فيه لفظ البينة فإنها في كتاب الله اسم لكل ما يبين الحق كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=57قل إني على بينة من ربي } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17أفمن كان على بينة من ربه } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=133أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } وهذا كثير ، لم يختص لفظ البينة بالشاهدين ، بل ولا استعمل في الكتاب فيهما ألبتة .
إذا عرف هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32984للمدعي ألك بينة } وقول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر " البينة على المدعي " وإن كان هذا قد روي مرفوعا المراد به ألك ما يبين الحق من شهود أو دلالة ، فإن الشارع في جميع المواضع يقصد ظهور الحق بما يمكن ظهوره به من البينات التي هي أدلة عليه وشواهد له ، ولا يرد حقا قد ظهر بدليله أبدا فيضيع حقوق الله وعباده ويعطلها ، ولا يقف ظهور الحق على أمر معين لا فائدة في تخصيصه به مع مساواة غيره في ظهور الحق أو رجحانه عليه ترجيحا لا يمكن جحده ودفعه ، كترجيح شاهد الحال على مجرد اليد في صورة من على رأسه عمامة وبيده عمامة وآخر خلفه مكشوف الرأس يعدو أثره ، ولا عادة له بكشف رأسه ، فبينة الحال ودلالته هنا تفيد من ظهور صدق المدعي أضعاف ما يفيد مجرد اليد عند كل أحد ; فالشارع لا يهمل مثل هذه البينة والدلالة ، ويضيع حقا يعلم كل أحد ظهوره وحجته ، بل لما ظن هذا من ظنه ضيعوا طريق الحكم ، فضاع كثير من الحقوق لتوقف ثبوتها عندهم على طريق معين ، وصار الظالم الفاجر ممكنا من ظلمه وفجوره ، فيفعل ما يريد ، ويقول لا يقوم علي بذلك شاهدان اثنان ، فضاعت حقوق كثيرة لله ولعباده ، وحينئذ أخرج الله أمر الحكم العلمي عن أيديهم ، وأدخل فيه من أمر الإمارة والسياسة ما يحفظ به الحق تارة ويضيع به أخرى ، ويحصل به العدوان تارة والعدل أخرى ،
[ ص: 72 ] ولو عرف ما جاء به الرسول على وجهه لكان فيه تمام المصلحة المغنية عن التفريط والعدوان .
[ ص: 71 ] مَعْنَى الْبَيِّنَةِ ]
وَقَوْلُهُ : " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ "
nindex.php?page=treesubj&link=16239الْبَيِّنَةُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16239الْبَيِّنَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ، حَيْثُ خَصُّوهَا بِالشَّاهِدَيْنِ أَوْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَلَا حَجْرَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ حَمْلَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَيْهِ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْغَلَطُ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ وَحَمْلِهَا عَلَى غَيْرِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهَا وَقَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ لِلْمُتَأَخِّرِينَ أَغْلَاطٌ شَدِيدَةٌ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ ، وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مِثَالًا وَاحِدًا ، وَهُوَ مَا نَحْنُ فِيهِ لَفْظُ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك إلَّا رِجَالًا نُوحِي إلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا مِنْ بَعْدَ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=57قُلْ إنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=133أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى } وَهَذَا كَثِيرٌ ، لَمْ يَخْتَصَّ لَفْظُ الْبَيِّنَةِ بِالشَّاهِدَيْنِ ، بَلْ وَلَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْكِتَابِ فِيهِمَا أَلْبَتَّةَ .
إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32984لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ } وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي " وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا الْمُرَادُ بِهِ أَلِك مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ مِنْ شُهُودٍ أَوْ دَلَالَةٍ ، فَإِنَّ الشَّارِعَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ يَقْصِدُ ظُهُورَ الْحَقِّ بِمَا يُمْكِنُ ظُهُورُهُ بِهِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةٌ عَلَيْهِ وَشَوَاهِدُ لَهُ ، وَلَا يَرُدُّ حَقًّا قَدْ ظَهَرَ بِدَلِيلِهِ أَبَدًا فَيُضَيِّعُ حُقُوقَ اللَّهِ وَعِبَادِهِ وَيُعَطِّلُهَا ، وَلَا يَقِفْ ظُهُورُ الْحَقِّ عَلَى أَمْرٍ مُعَيَّنٍ لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ بِهِ مَعَ مُسَاوَاةِ غَيْرِهِ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ أَوْ رُجْحَانِهِ عَلَيْهِ تَرْجِيحًا لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ وَدَفْعُهُ ، كَتَرْجِيحِ شَاهِدِ الْحَالِ عَلَى مُجَرَّدِ الْيَدِ فِي صُورَةٍ مَنْ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ وَبِيَدِهِ عِمَامَةٌ وَآخَرُ خَلْفَهُ مَكْشُوفُ الرَّأْسِ يَعْدُو أَثَرَهُ ، وَلَا عَادَةَ لَهُ بِكَشْفِ رَأْسِهِ ، فَبَيِّنَةُ الْحَالِ وَدَلَالَتُهُ هُنَا تُفِيدُ مِنْ ظُهُورِ صِدْقِ الْمُدَّعِي أَضْعَافَ مَا يُفِيدُ مُجَرَّدَ الْيَدِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ ; فَالشَّارِعُ لَا يُهْمِلُ مِثْلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ وَالدَّلَالَةَ ، وَيُضَيِّعُ حَقًّا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ ظُهُورَهُ وَحُجَّتَهُ ، بَلْ لَمَّا ظَنَّ هَذَا مَنْ ظَنَّهُ ضَيَّعُوا طَرِيقَ الْحُكْمِ ، فَضَاعَ كَثِيرٌ مِنْ الْحُقُوقِ لِتَوَقُّفِ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُمْ عَلَى طَرِيقٍ مُعَيَّنٍ ، وَصَارَ الظَّالِمُ الْفَاجِرُ مُمَكَّنًا مِنْ ظُلْمِهِ وَفُجُورِهِ ، فَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ، وَيَقُولُ لَا يَقُومُ عَلَيَّ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ اثْنَانِ ، فَضَاعَتْ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ لِلَّهِ وَلِعِبَادِهِ ، وَحِينَئِذٍ أَخْرَجَ اللَّهُ أَمْرَ الْحُكْمِ الْعِلْمِيِّ عَنْ أَيْدِيهِمْ ، وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِمَارَةِ وَالسِّيَاسَةِ مَا يَحْفَظُ بِهِ الْحَقَّ تَارَةً وَيَضِيعُ بِهِ أُخْرَى ، وَيَحْصُلُ بِهِ الْعُدْوَانُ تَارَةً وَالْعَدْلُ أُخْرَى ،
[ ص: 72 ] وَلَوْ عَرَفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ فِيهِ تَمَامُ الْمَصْلَحَةِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ التَّفْرِيطِ وَالْعُدْوَانِ .